مقالات مختارة

لا مفر من سقوط النظام العراقي الفاسد

جمال محمد تقي
1300x600
1300x600
كتب جمال محمد تقي: عندما تكون ركائز النظام القائم فاسدة ورملية، فلا قيمة حقيقية لكل المباني والمعاني والديكورات والاستعراضات والترقيعات والصيانات التي تقام عليها، بل بالعكس ربما تعجل ضغوط تلك العمليات في سقوط كل الأعمدة التي ارتكز عليها النظام السائر وفق مقاولات عملية سياسية.

هي تجسير لكل ما هو شرير في تاريخه وعقله الباطن، مستحضرة كل أدوات الشقاق والنفاق والتدليس والاستغراق بالمظلوميات، إنها جعلت من السرقة والخيانة سباقا لتستبق به قتل العراق ومغادرته إلى حيث الأولياء غير الصالحين.

ما الفرق إن كان المسؤول التنفيذي الأول والمباشر للسلطة في العراق رئيسا للوزراء، وحاصلا على أكبر نسبة تصويت برلماني، وتقف خلفه أكبر كتلة برلمانية وله مرجعية تداري عليه وعلى طائفته، أو كان رئيسا للجمهورية منتخبا وبشكل مباشر من قبل المصوتين، وله كتلة حزبية برلمانية تقف خلفه وأيضا له مراجع يفتون بما يخدم مصلحة استمرار حكمه، أو استمراره على أقل تقدير في قبضة أعوانه وأعوانها. 

نعم ما الفرق إذا كان المسؤول التنفيذي الأول وفي كلا الحالتين يجب أن يكون شيعيا، وليس كأي شيعي، إنه ذلك الشيعي المتحزب لطائفته والمؤمن بالمذهب أولا، حتى لو على حساب الوطن والانتماء الوطني، بل يجب حتما أن يكون من مرشحي، التحالف الشيعي، المسمى مجازا بالتحالف الوطني، والمكون حصرا من حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري وفيلق بدر وحزب الفضيلة وحزب الإصلاح وتجمع الكفاءات المستقلة؟

أكمل مثال يمكن اعتماده هنا مثال نوري المالكي، فقد كان المسؤول التنفيذي الأول رئيسا للوزراء، مدة تجاوزت ثماني سنوات، وكانت مدة ولايته قابلة للتجديد؛ حيث حقق وحزبه وكتلته أعلى النسب لولا عدم توافق الأمريكان والإيرانيين حوله، نتيجة لفشله في الحفاظ على الحد الأدنى من التوافق، الشيعي الشيعي، والشيعي الكردي، والشيعي السني، فلو كان المالكي رئيسا للجمهورية، هل سيكون الأمر مختلفا؟ 

بطبيعة الحال، الإجابة ستكون سلبية؛ لأن المشكلة ليست بالصلاحيات، فالمالكي كان هو الحاكم بأمره، كان القائد العام للقوات المسلحة، وكان وزيرا للدفاع والداخلية والمخابرات، سيطر تماما على المفوضية المستقلة للانتخابات، وشل القضاء، وسيطر على البنك المركزي وهيئة الإعلام والنزاهة، وجعل الجيش وقوى الأمن إقطاعية خاصة به وبكتلته كتلة دولة القانون، وهمش البرلمان، وجعله بلا حول أو قوة.

وللتغطية على فشله، أخذ بالتحجج بتناقضات الدستور الذي هو ذاته كان أحد المصرين على تمريره وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ومن ثم راح يقول إن النظام البرلماني لا يصلح لدولة مثل العراق، وذلك لتبرير خيبة أمله بولاية ثالثة، رغم أنه وحتى لو كان رئيسا للجمهورية وبصلاحيات الرئيس الأمريكي ستكون النتيجة واحدة، الفشل أو الانقلاب على الشكل القائم في الحكم، والانفراد به تماما، ولأجل غير مسمى؛ بحجة الأوضاع الاستثنائية، لكنه أعجز من أن يحاول؛ لأنه الأعرف بأن مصالح الأمريكان والإيرانيين لا تتفق مع طموحه الذي لا يخدمها في الوقت الحالي!

الآن وبعد أن فرض تغيير المالكي فرضا، واستبدل بحيدر العبادي، وجد الكثير من أتباعه وحتى من غير جماعته إضافة إلى آخرين من بين القوى الشيعية المتنفذة بالدعوة للنظام الرئاسي وسيلة ضغط وطوق نجاة؛ نتيجة الفشل المطبق الذي تعيشه الأحزاب الطائفية، وعجزها عن تلبية الحد الأدنى من الأمن والخدمات، وفي أكثر المناطق استقرارا في العراق، وهي المناطق الشيعية في الوسط والجنوب، حزب الدعوة ومنظمة بدر، يدعون كما يدعو المالكي إلى نظام رئاسي، ومعهم أبرز قوى الحشد الشعبي الذين ينتظرون دورا كاسحا في الحكومة والبرلمان القادمين، ومن أكثرهم تبشيرا بذلك قيس الخزعلي قائد مليشيا عصائب أهل الحق الذي يقول بالنص: 

بعد الخلاص من داعش، ستتغير صورة الحكم في العراق، فمواجهة تقسيمه تتطلب نظاما رئاسيا وحكما قويا، ومن المنطلق ذاته، ولكن بأسلوب ملتو أكثر، يعبر عزت الشابندر عن الدعوة ذاتها، أما إياد جمال الدين، فإنه يعتقد بأن توافق العراقيين على رئيس واحد بالانتخاب المباشر سيرغم المرشح الشيعي على عبور طائفيته، لكسب أصوات السنة والأكراد. 

لكنه يتناسى بأن السني لا يريد الإقرار بكون رئيسه لم يكن رئيسا ألا لكونه شيعيا، والكردي لا يريد أي حملات انتخابية لغير الكرد داخل الإقليم ، فهل سيفرض الشيعة التغيير الدستوري الجديد بالقوة، أم بإعطاء المزيد من التنازلات لممثلي الكيانات الطائفية السنية والعرقية الكردية؛ لأنها تدرك بأن الرئيس سيكون شيعيا. 

وفي هذه الحالة لن يكون لرئيس الجمهورية وصلاحياته تأثيرا يذكر، أي المحصلة ستكون واحدة، وربما أقل مما هو عليه رئيس الوزراء الحالي، عمار الحكيم ومقتدى الصدر من أكثر أعضاء التحالف الشيعي معارضة لهذه الدعوات؛ لأنهم الأدرى بكونها تصب لمصلحة تأبيد السلطة الفعلية بيد حزب الدعوة الحاكم، الذي يفعل الأفاعيل من أجل الاستبداد بحكم الشيعة قبل غيرهم من أهل العراق!

إن الدستور الحالي يقر في مادته الأولى بأن العراق هو دولة اتحادية، ومعنى هذا أن النظام الرئاسي المقترح يجب أن يكون متسقا مع هذا المنطوق الذي وضعه الكرد إدراكا منهم أن الإقرار بالاتحاد هو الإقرار بوجود كيانين قد اتحدا اختياريا، وهذه مغالطة يدفع ثمنها الطائفيون الشيعة الذين غلبوا المصالح الطائفية على المصالح الوطنية العليا، وعليه سيطالب الكرد بمجلس اتحادي يكون معنيا برئيس الاتحاد الذي سيقوم مقام رئيس الجمهورية، والشيء ذاته يشمل الفقرة الدستورية القائلة إن الإسلام مصدر أساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، ولا مع مبادئ الديمقراطية، وهنا أيضا مغالطة تنسحب إلى تناقض تفسيري يخص تشكيل المحكمة الاتحادية نصفها قانونيين، ونصفها فقهاء دين، فمن المقرر، وكيف سيتم حسم التصويت فيها بخصوص قانون الأحوال الشخصية مثلا، أو بخصوص قانون الأحزاب وفصل الدين عن السياسة، هل سيكون للمرجعية الشيعية دور يشابه دور ولاية الفقيه؟

المفارقة أن أحزاب كردية معارضة في برلمان إقليم كردستان، ككتلة التغيير، والاتحاد الإسلامي، والاتحاد الوطني الكردستاني، تطالب بتغيير النظام الرئاسي المتبع في الإقليم واستبداله بالنظام البرلماني، مبررة دعواتها بأن النظام الرئاسي في الإقليم أرض خصبة صالحة ليترعرع عليها الفساد والاستبداد. 

والأكثر مفارقة أن البرزاني يطالب البرلمان الكردستاني والأحزاب صاحبة الدعوة بتأجيل البت بالأمر إلى سنتين قادمتين بغية استمرار الرئيس البرزاني في منصبه حتى يتم الاستفتاء على الدستور الذي يحمل هذه المقترحات مع تحديد عدد فترات الولاية للنظامين الرئاسي أو البرلماني، وبحسب المتابعين للشأن الكردي، فإن البرزاني سيعد العدة خلال هذه السنتين لاستقلال الإقليم عن العراق، ويعلن قيام الدولة الكردية، التي سيكون هو رئيسها المرحلي!

للأسف، سيكون إعلان نهاية العراق الذي نعرفه على أيدي هذه الجماعات الطائفية والعرقية الوقحة، التي تحاصصت البلاد، وقسمت العباد، وربطت مصيرها بمصير من أتى بها لسدة الحكم منذ 2003، وها هي اليوم تجاهد لاستكمال مشروع فوضى الشرق الأوسط الجديد، انطلاقا من العراق لتقسيم دول المنطقة إلى دويلات مذهبية وأثنية يسهل العبث بها خدمة لمشاريع الشيطان الأكبر أمريكا المتصهينة، التي وجدت بالشيطان الإيراني الأصغر خير متخادم لها!

(عن صحيفة القدس العربي 30 تموز/ يوليو 2015)
التعليقات (0)