بعد أقل من 48 ساعة من صدور الحكم بإدانة الرئيس الأمريكي ترامب المتقدم حسب أغلب استطلاعات الرأي على
بايدن في السباق الرئاسي المقبل، باغت بايدن
نتنياهو بخطاب معلن للجميع، طرح فيه مشروع صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، ضمن خريطة طريق تتضمن اتفاقا حدوديا مع لبنان ينهي المواجهات الممتدة، وتطبيعا مع السعودية، ويتضمن مراحل ثلاث تفضي إلى وقف مستدام للنار في غزة، مع عودة للنازحين، وانسحاب إسرائيلي، مع إدخال كلي للمساعدات، والشروع بإعادة الإعمار!
توقيت الصفقة
قال بايدن في مدخل خطابه المتعدد الأهداف: آن الآوان لهذه الحرب أن تنتهي. وقال أيضا: إذا لم توافق حماس على هذه الصفقة، فإن الحرب ستتواصل. وطالب نتنياهو بعدم الخضوع لضغوط الوزراء الرافضين لفكرة الصفقة.
وما عرضه بايدن من خطوط عريضة سبق وأن وافق عليها نتنياهو، وتملص منها باقتدار، وبذلك هي صورة منقحة جرى التوافق عليها في اجتماع مجلس الحرب بحضور الوفد المفاوض، لكن التشديد على الانخراط في تبني تطبيقها فورا، هو اجتهاد بايديني يريد به تفويت الفرصة على لعبة كسب الوقت.
وعليه، فإن مقترح الصفقة بهذه الصيغة المعلنة ليس إسرائيليا خالصا، ومضامين حرص بايدن البين على تجاوب نتنياهو معه يشي بأكثر من ذلك، إلى حيث تأليب المعارضين على مماطلاته لانتزاع تصديقه الفعلي عليها.
أثبتت المقاومة طيلة جولات المفاوضات السابقة، أنها تتمتع بدرجة عالية من الحرفية.
ليس هذا وحسب، بل دعوة كل الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة للسعي باتجاه تحقيق الصفقة، وتداعيات إعلان الخطة تؤكد ما يسعى إليه بايدن، فالوسطاء مجتمعين، أعلنوا ترحيبهم بخطة بايدن، وطالبوا إسرئيل وحماس بالموافقة عليها دون تأخير، وانهالت رسائل الترحيب من داعمي إسرائيل، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وأعلنت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام، ترحيبها مع ضرورة الشروع بتنفيذها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مجموعة الدول السبع .
حرج الوسطاء
المضامين الخاصة بغزة التي تناولها خطاب بايدن، سبق وأن تداولها الوسطاء مع إسرائيل وحماس، وسبق للأخيرة أن وافقت على خطوطها العامة، وبصيغة مشابهة، وأنكرتها إسرائيل، مما شكل حرجا للوسطاء، وبعد أن تأكد لإدارة بايدن، خاصة بعد مداولات جيك سلوفيان الأخيرة مع الفرقاء في تل أبيب، وبعد تقارير وليام بيرز، المرفقة بشكاوى وفد التفاوض الإسرائيلي، من العبثية التي يفصل بها نتنياهو شروطه لإفراغ الصفقة من مضمونها، وبعد تهديد بيني غانتس وغادي آيزنكوت بالاستقالة من مجلس الحرب في حال استمرار نتنياهو بالمماطلة، ذهب نتنياهو إلى القول بإمكانية العودة للحرب بعد المرحلة الأولى من الصفقة، إذا وجد الفرصة مؤاتية لتحقيق الهدف الذي يسعى إليه منذ البداية، النصر الحاسم، تأكد لإدارة بايدن أن نتنياهو يراهن على الوقت حتى نهاية السباق الرئاسي الأمريكي، وهنا مربط الفرس، حيث ابتزاز نتنياهو لوضع بايدن الانتخابي أمام ترامب، إن مارس بايدن مزيدا من الضغط عليه، فإنه سيفقد دعم أنصار إسرئيل المتشددين في أمريكا، وهم كثر ومؤثرون انتخابيا، وإن أطلق العنان له، فإنه يكون قد أخفق كرئيس في معالجة أزمة عالمية هزت كل أركان الأرض، حتى وصل بها الأمر لشبهة الإبادة الجماعية، وهو كحليف لإسرئيل شريك بها؛ تسليحا وتمويلا وتغطية سياسية ودبلوماسية، وهذا أيضا يقلل من حظوظه أمام ترامب، لذلك حاول بايدن بخطابه قول ما لم يقله لنتياهو مباشرة، رهانك على ترامب خاسر بدلالة حكم الإدانة في 34 تهمة مخلة، وهو بذلك يمد يد العون له في مشروع الصفقة الذي أعلنه، ويريد رد الجميل بالموافقة!
في إناء نتنياهو لا نجد ما ينضحه غير الأنا وبعدي الطوفان، فهو لا يريد للحرب أن تتوقف، ويريد من بايدن أن يستمر بدعمه دون شروط حتى اليوم المنتظر يوم تربع ترامب على كرسي البيت الابيض؛ لأنه إن لم يفعل سيخسر المزيد من النقاط الانتخابية. نتنياهو يعلم بحكم تجربته الطويلة بمطابخ ودهاليز صنع القرار في إسرائيل، أن خروجه هذه المرة من الحكم نهائي، وهو على كف عفريت، فالسجن أمامه وحلف المهووسين بالتطهير العرقي في متناول يده، وغزة تحت ناره، إذن ما العمل؟
إظهار أخبار متعلقة
حتى لو كان الثمن مقتل كل الأسرى، ومقتل مئات الجنود بحرب استنزاف في الشمال والجنوب، وتدهور متدحرج في الاقتصاد، لا بد من الذهاب للحرب حتى تحقيق نصره المزعوم، أو على أقل تقدير حتى ظهور ما يقيه تبعات النهاية التي تنتظره، وبكل الأحوال هناك من يغطي على العيوب وإن على مضض، هو يعرف أن بايدن لن يتخلى عنه حتى لو اختلف معه؛ لأنه يمثل إسرائيل التي يتبارى الحزبان الجمهوري والديمقراطي على رضاها!
بايدن والتذاكي الخائب
ينطبق على محاولة بايدن لانتزاع موافقة من نتنياهو على مشروعه الذي فيه تخريجة تعود بالفوائد على أمريكا وإسرائيل، من ضمنها التطبيع وفك العزلة الدولية وتحجيم حماس، المثل القائل “تمخض الجبل فولد فأرا”، حيث تجنب ولو من بعيد مجرد الإشارة إلى حل الدولتين الذي صدعوا الرؤوس به، ولم تجر الإشارة، ولو من باب العتب للانسحاب من معبر رفح، شريان الحياة الوحيد لغزة خاصة، ولم يجر التطرق للحرب غير المعلنة في الضفة الغربية، عكس ذلك كله تجري الضغوط من بايدن وجوقته على حماس للموافقة الفورية على الصفقة، أما إسرائيل فهي معفية من أي إجابات فورية، رغم تأكيدات قادتها أنهم لا يتفقون إلا بشروطهم. لو كان بايدن جادا بوضع نتنياهو بالزاوية، فعليه الذهاب الى مجلس الأمن، وبقرار إلزامي منه يتم مطالبة الطرفين بتنفيذ الصفقة التي ادعى بايدن أنها مقدمة من إسرائيل!
رد نتنياهو على تذاكي بايدن سيكون قاسيا في كلمته التي سيلقيها في الكونغرس الأمريكي بطلب من الجمهوريين!
رد المقاومة
سيد الردود في الميدان، والمفاوضات تجل من تجلياته، وأثبتت
المقاومة طيلة جولات المفاوضات السابقة أنها تتمتع بدرجة عالية من الحرفية، وصبر الثوار المؤمنين بقضية شعبهم الذي زكاهم بروحه ودمه قبل المطالب، الآن معركة الحذر الأكبر والحصاد الأكبر، والمقاومة لها خير الحاصدين!
المصدر: القدس العربي