يشعر حزب
الشعب الجمهوري المعارِض باقتراب تشكّل حكومة ائتلافية بين حزب
العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. في هذه الحالة فإن احتمال تحالف الشعب الجمهوري مع حزب الشعوب الديمقراطي كبير جدا.
وكما يقول رئيس حزب الشعب الجمهوري، فإن "القطب اليميني إلى السلطة واليساري إلى المعارضة".
ولكن هنالك بعض نواب الشعب الجمهوري يقولون: "لقد كنا في موضع المعارضة لحزب العدالة والتنمية لإسقاطه من الحكم، لذلك ليس من الصواب أن نُشكّل حكومة ائتلافية معه اليوم".
والقسم الآخر من أعضائه يخالفون القسم الأول، إذ إنهم يعتقدون أن هنالك فرصة كبيرة أمامهم للدخول إلى حكم البلاد، وإقامة حكومة ائتلافية مع العدالة والتنمية تنعش السوق التركية، لأن التحالف سيبعث الطمأنينة في اقتصاد البلاد.
أما بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي، فهو لا يريد أن تقام انتخابات جديدة (مبكّرة) في
تركيا على الأقل لمدة عام كامل، إذ يهدف الشعوب الديمقراطي إلى بقاء عدد مقاعده داخل البرلمان الذي دخل إليه بقوة، ليشعر غيره بقوته ومكانته. وهو مرتاح لحكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، حيث سيكون ملف عملية السلام أمام هذه الحكومة.
وعلى رغم نقص الأصوات الداعمة لائتلاف العدالة والتنمية والشعب الجمهوري إلا أنه، يفضّل ألا يُشكّل ضغطا على أعضاء حزبه ليدعموا الحكومة الائتلافية.
والحقيقة أنه في كواليس أنقرة هنالك أمور كثيرة تدور حول حزب الشعوب الديمقراطي. ومنها أن بعض أعضائه يريدون أداء القَسَم باللغة الكردية في مجلس الشعب (البرلمان)، والآخر يريد إزالة كلمة "الشعب التركي الكبير" من نص القَسَم، وإلا فإنه لن يقوم بأداء القسم أمام المجلس. وهنالك حادثة أخرى تدور في تلك الكواليس تقول إن بعض الأعضاء يريدون الانفصال عن الشعوب الديمقراطي بسبب إنخراط الآخر بمرحلة عملية السلام والتصالح مع الأتراك، وانخراطهم ضمن "حزب الديمقراطية والسلام" التي تحوّل اسمها إلى "حزب المناطق الديمقراطية" فيما بعد، وتشكيلهم مجموعة منفصلة عن الشعوب الديمقراطي.
ومن المعلوم، أن أي مجموعة تتشكّل ضمن البرلمان، لابد لها أن تجمع عشرين نائبا على الأقل. وهذا يعني أن عشرين نائبا يجب أن ينفصلوا عن الشعوب الديمقراطي وينضموا إلى حزب المناطق الديمقراطية. وهكذا فإن الأكراد سيمثّلهم حزبان في البرلمان بدل الحزب الواحد.
بعد هذه الكواليس التي تدور في العاصمة أنقرة، لا ندري حتى الآن أي حزب سيتحالف مع أي حزب، أو أي حزب يستحيل تحالفه مع أي حزب. بالنسبة للعدالة والتنمية فيمكنه التحالف مع الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي، ولكل من الأحزاب المعارضة، لديها نقطة قوة بالنسبة للعدالة والتنمية ونقاط ضعف معا. وبالتأكيد فإن جميع الأحزاب ستدرس كافة الخيارات لأنها ستكون فرصة لها في دخولها إلى حكم تركيا.
التقييم الذي سلف، طبيعي جدا. لكن عندما نتحدّث عن الشعوب الديمقراطي فإنها تختلف لدينا التطورات؛ لا سيما أن حدثا مشابها ليومنا هذا وقع عام 1995، حيث نجح حزب الرفاه بنسبة 21.38% وشغل 158 مقعدا في البرلمان، وتشكّلت بعدها حكومة ائتلافية.
بعدها كانت الحادثة الكبرى التي أوصلت هذه الحكومة إلى تغيير النظام في تركيا، فقد شُكّلت حكومة ائتلافية بأغلبية من حزب الرفاه وقتها، لكن ألاعيب الإعلام والعسكر والرئيس الأسبق سليمان ديمريل وبعض رجال الأعمال أدّت لعدم نجاح تلك الحكومة.
لكننا اليوم نعيش بشروط تختلف عن التي كانت موجودة في تلك الفترة، لاسيما أن الأحزاب المعارضة وحزب العدالة والتنمية هم الذين سيقرّرون إن كانوا سيقبلون بحكومة ائتلافية تضم الشعوب الديمقراطي أم لا. وهنا يجب عدم نسيان أن الشعوب الديمقراطي يمثّل الإرادة الشعبية مثله مثل بقية الأحزاب.
كان واضحا أن حزب الشعوب الديمقراطي سيُحرز تقدّما في مكانته السياسية، حين رشّح الرئيس المشترك له صلاح الدين دميرطاش نفسه لرئاسة الجمهورية. كل هذا مقبول وهو ضمن الأطر القانونية، لكن ما هو احتمال أن يهيمن عليه حزب العمال الكرستاني، ويجعله أسيرا في قراراته السياسية؟
اليوم باتت الأحزاب تتحضّر لحكومة ائتلافية. ومن المؤكّد أن رئيس الجمهورية أردوغان سيُكلّف حزبا واحدا فقط بتشكيل الحكومة. ومن أجل هذا نرى أن الأحزاب بدأت بالانفتاح على الأحزاب الأخرى.
ونرى احتمال تشكيل حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وكيف سيتم تقاسم الحقائب الوزارية بينهم من جهة، ومن جهة أخرى حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية والحركة القومية وسيناريو تقاسم الوزارت بينهم أيضا. وهنالك مباحثات بين الأحزاب الآن بصدد هذا الأمر. ومن بين تلك المباحثات هنالك مفاوضات جدية بين الشعب الجمهوري والحركة القومية.
سيُكلّف رئيس الجمهورية أردوغان، أحمد داود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية، بتشكيل الحكومة الجديدة بطبيعة الحال، لأنه أكثر حزب حصل على مقاعد في البرلمان. بعدها سيُشكّل داود أوغلو هيئة تزور الأحزاب المعارضة وتختار الشريك المناسب له في تشكيل حكومة ائتلافية. الهيئة التي سيشكّلها داود أغلو للتفاوض مع المعارضة ستكون على قسمين، قسم لمخاطبة الحركة القومية وقسم لمخاطبة الشعب الجمهوري. بعد التفاوض مع الأحزاب المعارِضة ومعرفة طلب كل منها على حدة، سيعقد داود أغلو اجتماعا يبحث فيه مع الهيئة الخيارت الأكثر إقناعا له، وتحديد الحزب الذي يمكن التحالف معه لتشكيل الحكومة الائتلافية.
بالنسبة للعدالة والتنمية، الأولوية لديه هي الذهاب إلى انتخابات مبكّرة، وفي نفس الوقت هنالك ارتياح للحكومة الائتلافية. والخط الأحمر له في كلا الحالتين هو شخص الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ يعتقد العدالة والتنمية أن هنالك فخا ينصب له من قبل المعارضة بما يخص شخص أردوغان، لا سيما أن العدالة والتنمية لا يفرّط بشخص أردوغان في سبيل الحكومة الائتلافية.
هذا كان واضحا من حديث داود أوغلو، عندما قال إن "كل من يستهدف شخص رئيس الجمهورية، نعتبره استهدافا لنا".
(عن صحيفة "يني شفق"، ترجمة وتحرير تركيا بوست، خاص لـ"عربي21")