مع اقتراب الذكرى الثانية لانقلاب الثالث من يوليو، تزايدت حالات النادمين على خطيئة المشاركة في مظاهرات 30 يونيو2013 أو دعم الانقلاب الذي جاء ثمرة لها في الثالث من يوليو.
جاءت أصوات بعض النادمين واضحة بينما جاء بعضها الآخر خافتا، أو ملتبسا، وتنوعت ردود الفعل تجاههم ما بين مرحب ومنتقد ومشكك ومترقب لمزيد من الوضوح.
الموجة الجديدة لحالات ومحاولات الأوبة أو العودة إلى حضن الثورة الدافئ، شملت رموزا كبيرة أبرزها محمد البرادعي إضافة إلى نشطاء شبان على رأسهم عبد الرحمن منصور أدمن صفحة خالد سعيد، وجاءت هذه الموجة بعد موجة أولى أعقبت الانقلاب مباشرة، وضمت كيانات شاركت في مظاهرات 30 يونيو، لكنها أقرت أن ما حدث في 3 يوليو هو انقلاب عسكري وثورة مضادة، وإن حافظت هذه الكيانات على عدائها للرئيس محمد مرسي ولجماعة الإخوان، ورفضت حتى الآن التعاون معهم، ومن هذه الكيانات: 6 إبريل، والاشتراكيون الثوريون، وحزب
مصر القوية، والتيار المصري.
من حق الذين استقبلوا "العائدين الجدد"بالنقد أو التشكيك أن يعبروا عن موقفهم، النابع من تحميلهم هؤلاء "العائدين" أو الكثير منهم المسؤولية عن وقوع الانقلاب والتمكين له قبل أن تطالهم نيرانه، إذ لايزال ماثلا بالأذهان موقف أولئك ( العائدون) وتحريضهم على حرق مقرات الإخوان وحزبهم، وعلى إفشال حكومة الرئيس الشرعي محمد مرسي، وإفشال أول تجربة ديمقراطية حقيقية تشهدها مصر، وأخيرا مشاركتهم جنبا إلى جنب في ميدان التحرير وغيره مع فلول دولة مبارك ورجال الشرطة الذين قامت الثورة ضدهم بالأساس، بينما حملوهم هم على الأعناق، ثم مباركتهم للانقلاب على ثورة يناير برمتها، كما يظل أمرا مؤلما استمرار رضاهم على الانقلاب ومجازره لمدة عامين، وتحريض وشماتة كثير منهم بشهداء رابعة والنهضة ومن قبلهما الحرس والمنصة، ومن بعدهما رمسيس والدقي والقائد إبراهيم.
لكن هل من المناسب أن يفرغ أنصار الشرعية شحنة غضبهم في هؤلاء العائدين من 30يونيو، ويحشرونهم إلى الأبد في زاوية الانقلاب؟! أليس من الأجدى فتح منافذ آمنة لهم للخروج من معسكر الانقلاب حتى وإن لم ينضموا لمعسكر الشرعية؟! فأي نقصان في ذاك المعسكر بالتأكيد سيكون لمصلحتك، وأليس من الممكن أن نحول النقد من طاقة سلبية إلى طاقة إيجابية بأن نطلب منهم البرهنة عمليا على صدق توبتهم وندمهم على دعم الانقلاب؛ بالمشاركة العملية في فعاليات مناهضة له؟!
نحن الآن في معركة كبرى مع الحكم العسكري الذي أتى به انقلاب الثالث من يوليو، وهي معركة تتشابك فيها أطراف عدة في الداخل والخارج، تتشابك فيها البيادة والسياسة، رجال الأعمال ورجال الإعلام، الجامع والكنيسة والكنيس، المخابرات المحلية مع المخابرات الخليجية والعربية والدولية، وفي معركة كهذه، يحتاج الصف الثوري إلى تعزيز قدراته وإمكانياته، وتنويع أسلحته وقياداته، وتنويع خططه واستراتيجياته أيضا؛ بهدف التعجيل بكسر هذا الانقلاب وإنهاء حكم العسكر، واستعادة المسار الديمقراطي والدولة المدنية التي غرست فسيلتها ثورة 25 يناير.
من المؤكد أن القوى الإسلامية الثورية وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، غير قادرة بمفردها على حسم المعركة سريعا، ( قد يمكنها حسم المعركة منفردة في مدة أطول وبتضحيات أكثر)، والأمر نفسه ينطبق على القوى المدنية الثورية الحقيقية ( وليست الداعمة للانقلاب)، فهي غير قادرة على فعل أي شيء بمفردها، من هنا ضرورة التحام قوى الثورة جميعا على أجندة الثورة وأهدافها ومبادئها ومنجزاتها، وإذا أراد هؤلاء العائدون الإنضمام للصف الثوري وفقا لما يقره الثوار الصامدون (من مختلف الاتجاهات)، فالمكان يتسع لهم، أما إنهم "يتمايعون" ويضعون شروطا مكملة لاعتذارهم، فهذا غير مقبول منهم، إذ يكفي أنهم أجرموا من قبل بدعم الانقلاب وفرضه على شعب مصر، وأنهم تسببوا في قتل وسجن وتشريد عشرات الآلاف من الثوار الحقيقيين، وعليهم أن يعلنوها توبة نصوحا عن جريمتهم تلك، دون أي شروط مسبقة أو لاحقة، وعليهم اللحاق بقطار مقاومة الانقلاب الذي لم يتوقف فعلا على مدى سنتين، أو لتسعهم بيوتهم وليبكوا على خطيئتهم.
في الطريق إلى الاصطفاف الثوري الحقيقي، علينا أن نميز بين ثوار حقيقيين رافضين للانقلاب ورافضين لحكم العسكر، حتى وإن كانوا مختلفين مع الإخوان المسلمين فكرا أو سلوكا، وبين من تلوثت أيديهم بالدماء أو حرضت ألسنتهم وأقلامهم على القتل، فالأولون جديرون بالحوار والتواصل، والتسامح والتغافر، وصولا إلى العمل المشترك لكسر الانقلاب وبناء دولتنا الديمقراطية، أما الأخيرين فبيننا وبينهم تلك الدماء حائلا، حتى يثبتوا صدق توبتهم عملا لا قولا.
الاصطفاف الثوري واجب الوقت، ويكون مع كل مخلص للثورة ومبادئها وشهدائها، غير متورط بدم أحد من أبنائها، وهو الطريق السريع (هاي واي) لتحقيق الهدف وتعجيل النصر.
أما قوات مكافحة الاصطفاف (بتعبير وائل قنديل) الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا، فإنهم يشاركون بوعي أو بغير وعي في ذبح الثورة، كالدبة التي قتلت صاحبها، وهم يساهمون في إطالة أمد المعركة وسقوط المزيد من الشهداء والمصابين والمعتقلين، وهم بالمحصلة يساهمون في تثبيت حكم العسكر لـ 30 سنة كما قال السيسي.