بعد أقل من عامين فقط منذ إنقلاب تموز/ يوليو 2013، نجح
الإعلام المصري في أن يكسب عداوة جميع الأطراف في مصر بلا استثناء، وأصبح محط انتقادهم وسخطهم المتواصل، بل إن الإعلاميين أنفسهم يهاجمون زملاءهم ويتهمونهم بأبشع الاتهامات.
وإذا كان من الطبيعي أن يعرب رافضو الانقلاب عن رفضهم للإعلام الذي ساند النظام وشوه صورتهم، فإن الجديد هو مهاجمة مؤيدي الانقلاب أيضا للإعلام خلال الفترة الأخيرة.
مهنة من لا مهنة له
وبعد تصاعد الصراع بين الجانبين، هاجمت وزارة الداخلية وسائل الإعلام، حيث قال اللواء محمد عبد الواحد، رئيس الإدارة العامة للمعلومات بالوزارة إن المناخ الإعلامي في مصر يتسم بالفوضى الشديدة، مؤكدا أن الإعلام بات مهنة من لا مهنة.
وأكد عبد الواحد في تصريحات صحفية أن رجال الأعمال يسيطرون على وسائل الإعلام بهدف توجيه عقول الناس، ما أدى إلى ارتباك المشهد العام بالمجتمع، محذرا من أن ظاهرة التخوين أصبحت أبرز ملامح الإعلام في هذه المرحلة.
وشن ممثلون عن ثلاثة أحزاب سياسية مصرية هجوما حادا على الإعلام المصري، خلال ندوة سياسية الأربعاء عن دور الإعلام في الانتخابات.
وأكد كل من معصوم مرزوق عضو مجلس أمناء حزب التيار الشعبي تحت التأسيس، وبهاء الدين شعبان رئيس حزب الاشتراكي المصري، وجمال متولي النائب البرلماني عن حزب النور، أن الإعلام المصري كاذب ويشوه الوعي العام تنفيذا لتوجيهات السلطة الحاكمة.
إعلام التضليل
ووصل الأمر بكثير من الإعلاميين إلى مهاجمة زملائهم، حيث قال الإعلامي خالد صلاح إن لغة الحوار في وسائل الإعلام تدنت وأصبحت الشتائم تقدم بدلاً من الأفكار.
وقال خالد صلاح عبر برنامجه على قناة "النهار" الثلاثاء، إن كثيرا من الإعلاميين يتقاضون مبالغ مالية مقابل ابتزاز شخصيات عامة أو مهاجمتهم تنفيذا لتعليمات جهات سيادية أو رجال أعمال نافذين.
وانتقد توفيق عكاشة، رئيس قناة "الفراعين"، الإعلام المصري، وقال إنه تجاهل تغطية العمليات الحربية في اليمن والتي تشارك فيها مصر، وقدم بدلا منها برامج تافهة لتلهي المواطن البسيط عن القضايا الهامة.
أما الإعلامي يسري فودة، فقال إن "الحالة التي وصل إليها الإعلام المصري الآن أصبحت مخزية، وأصبح الآن أسوأ من أي وقت مضى".
وأضاف فودة، في تصريحات تلفزيونية الثلاثاء: "لم يمر علي فترة وجدت فيها الإعلام المصري يهبط إلى هذا المستوى المتدني، فالوضع أصبح أسوأ مما كان عليه حتى في عهد مبارك، فالصوت الواحد هو المسيطر على الإعلام وغير مسموح لأي معارضة حتى ولو شكلية".
وامتدت حالة انتقاد الإعلام المصري إلى خارج البلاد، حيث قالت الكاتبة الكويتية فجر السعيد - المقربة من النظام المصري - إن "الوجوه الإعلامية المصرية ثابتة منذ سنوات طويلة ويجب أن تتغير".
وقبل أيام انتقد الكاتب السعودي جمال خاشقجي، الإعلام المصري أخيرا بشدة، وكتب عبر "تويتر"، أن "تجاوزات الإعلام المصري تستلزم تدخلا"، مؤكدا أنه "ليس إعلاما حرا ولكنه يعمل وفقا لتعليمات النظام".
#إعلامكم_لا_يليق_بمصر
وامتدادا لهذه الحالة من السخط على الإعلام المصري، دشن نشطاء مؤيدون للانقلاب هاشتاغا جديدا على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "#إعلامكم_لا_يليق_بمصر"، تضمن الآلاف من التعليقات الرافضة للمحتوى الذي يتم تقديمه مؤخرا.
لكن "شريف" انتقد الهاشتاغ وكتب قائلا: "دلوقتي بقى الإعلام لا يليق؟ طب والكرة الأرضية اللي تحت الأرض؟ والنووي اللي في رابعة؟ والتخابر مع قطر وحماس وبلجيكا؟".
وقبل نحو أسبوعين، أعرب ملايين المصريين من مختلف الانتماءات عن سعادتهم بتوقف بث القنوات التلفزيونية المصرية، بعدما تعرضت أبراج الكهرباء الخاصة بمدينة الإنتاج الإعلامي للتفجير، وامتلأت صفحات مواقع التواصل بآلاف التعليقات والفيديوهات والرسوم الساخرة التي تعكس فرحة بهذا الحدث.
ورصدت وسائل الإعلام المؤيده للانقلاب قدرا كبيرا من "الكره" لتلك القنوات والإعلاميين العاملين بها بشكل فاجأ الكثيرين، حتى إن بعضهم طالب بدراسة أسباب هذه الظاهرة المقلقة.
ويرى مراقبون أن التضليل الإعلامي المستمر منذ شهور طويلة وحرص الإعلام على تأجيج الصراع في مصر وإبقاء حالة التوتر والتحريض بين شرائح المجتمع في أعلى مستوياتها، كله جعل المصريين سعداء بما أصاب الفضائيات التي يرونها سببا رئيسا في ما أصاب بلادهم من انقسام وعنف.
ويرى آخرون أن فقدان الثقة المتزايد في الإعلامين بسبب تلونهم المستمر وتغيير مواقفهم تأييدا للأنظمة المختلفة، أدى إلى نفور الكثيرين من متابعتهم.