نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا حول اختطاف 219 طالبة نيجيرية من المدرسة الثانوية بشيبوك على يد مسلحين تابعين لتنظيم
بوكو حرام، وقالت إن الغموض لا يزال يلف ملابسات هذه الحادثة بعد مرور سنة كاملة على وقوعها.
وقالت الصحيفة إن الجميع يطرح نفس السؤال كل يوم منذ سنة حول مصير
الفتيات، فيما لم تتغير الإجابة طيلة هذه المدة. فهؤلاء الفتيات المختطفات منذ الخامس عشر من نيسان/ أبريل 2015 على يد تنظيم بوكو حرام في أدغال شمال شرق
نيجيريا تبدو قصتهن، بحسب الصحيفة، مشابهة للأساطير المخيفة التي تروي اختطاف الوحوش للفتيات الصغيرات. ولكن عائلات المختطفات ما زالت متمسكة بالأمل، حيث دأبت كل مساء على تنظيم وقفة في "حديقة الاتحاد" في العاصمة أبوجا لمطالبة الحكومة بالكشف عن مصير الفتيات.
وقالت الصحيفة إن الدكتور آلان ماناسي، الذي فقد قريبات له في الحادثة، جاء على عادته يوم الأحد الماضي من شيبوك لإيصال رسالته دون كلل أو ملل، وتحدث عبر الميكروفون لساعات حول مأساة الفتيات، ودخول المسلحين تحت جنح الظلام لمدينة شيبوك الصغيرة الواقعة جنوب مايدوغوري، عاصمة إقليم بورنو، واقتحامهم لمبيت الطالبات.
وأفادت الصحيفة بأن جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، المعروفة بجماعة بوكو حرام، جعلت من محاربة المدارس التي تتهمها بنشر الكفر؛ هدفا لها. وقد قامت خلال حادثة الاختطاف هذه بالاستيلاء على كل ما وقعت عليه أيدي المسلحين من غذاء، ثم تمت تعبئة الفتيات في شاحنات سلكت الطريق نحو الشرق في غابات سامبيزا التي تعد واحدة من معاقل التنظيم.
وقالت الصحيفة إن بقية القصة لا تعرف إلا من خلال روايات الفتيات اللواتي تمكن من الفرار من قبضة الجماعة، على غرار أودري البالغة من العمر ستة عشرة سنة، التي قالت إنها وجدت نفسها في مقطورة شاحنة مع بعض زميلاتها، وعندما توقف الموكب بسبب عطل في إحدى السيارات، حالفها الحظ بوجود شجرة قريبة منها فتمسكت بها دون أن يلاحظ أحد ذلك بفضل الظلام الدامس، وبعد مرور عناصر التنظيم نزلت الفتاة ومشت لساعات طويلة حتى وصلت لإحدى القرى.
وأضافت الصحيفة أن 57 طالبة أخريات تمكنّ من الفرار خلال اليومين التاليين لعملية الاختطاف، فيما يبقى مصير 219 طالبة مجهولا.
وللتعرف على المستجدات، لم تجد عائلات المخطوفات مصدرا غير فيلم دعائي نشرته جماعة بوكو حرام بعد قيامها بالعملية، وفيه تظهر حوالي 100 فتاة يرتدين اللون الأسود والرمادي ويجلسن وسط غابة، وقد تعرفت العائلات على أكثر من ثمانين من تلك الفتيات.
ونقلت الصحيفة عن الدكتور ماناسي قوله: "إن هذه القضية تبين مدى استخفاف الحكومة بمصير الناس، فهي لم تصدر أوامرها بتعقب المعتدين مباشرة بعد الحادثة، لقد حاولنا الذهاب لأفراد الجيش وإقناعهم بمساعدتنا ولكنهم كانوا خائفين، ورفضوا التحرك حتى مقابل الحصول على المال".
كما صرح أحد الآباء المسلمين للصحيفة بأنه قرر الذهاب بمفرده للبحث عن ابنته ولكن دون جدوى. وقال: "لقد تم احتجازي بعد أن ذهبت لأتوسل إليهم لتحرير ابنتي، فربطوني إلى شجرة لمدة ثلاث أيام ثم تركوني أذهب بعد أن حذروني من مغبة العودة مجددا".
أما عن موقف الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان، فقد قالت الصحيفة إنه في البداية حاول تجاهل القضية تماما. ونقلت في هذا السياق عن عائشة يوسوفو، الناطقة الرسمية باسم حركة "أعيدوا إلينا بناتنا" التي تقود الجهود المبذولة للإفراج عن الفتيات، قولها إن الرئيس كان مقتنعا بأن الأخبار الواردة حول حدوث عملية اختطاف كانت مبالغة، وبأن الواقعة لا أساس لها من الصحة وبأنها مجرد دعاية للتشويش عليه.
وأضافت الصحيفة أن الرأي العام أيضا لم ينتبه لخطورة الحادثة خلال الأيام التالية، ولم يتشكل الوعي الشعبي والعالمي بمأساة طالبات شيبوك إلا في شهر أيار/ مايو الماضي، عندما ظهر أبو بكر شيكو، زعيم التنظيم، في تسجيل يتبنى فيه العملية ويهدد ببيع الفتيات كسبايا أو الزواج منهن بالقوة، وهو ما أحدث صدمة لدى الرأي العام المحلي والعالمي.
وأشارت الصحيفة إلى أن موجة ردود الفعل المتعاطفة مع الطالبات امتدت بعد ذلك إلى واشنطن، حيث مارست ميشال أوباما (زوجة الرئيس الأمريكي باراك أوباما) ضغوطا على الحكومة النيجيرية. ورغم أن هذه الأخيرة اختارت في البداية الاعتماد على سياساتها القمعية المعهودة، من خلال منع تجمعات أهالي الضحايا في حديقة الاتحاد وإسكات الأصوات الناقدة لها، فإنها وجدت نفسها في النهاية مضطرة للرضوخ للضغوطات والسماح بمظاهرات "أعيدوا لنا بناتنا"، والشروع في العمل على تحرير الرهائن، ولكن هذا القرار جاء متأخرا جدا.
وأضافت الصحيفة أن الجهود الدولية أيضا لم تفض إلى شيء، رغم اعتماد نيجيريا على خبراء قادمين من الولايات المتحدة وبريطانيا والصين، وعلى معدات مراقبة متطورة. فالمعلومات المتوفرة شحيحة، والطائرات بدون طيار التي تنطلق من تشاد لتحلق فوق معاقل التنظيم لم تأت بمعلومات جديدة.
وعزت الصحيفة هذه الصعوبة في اقتفاء أثر الفتيات إلى اعتماد جماعة بوكو حرام على الطريقة التقليدية المتمثلة في تقسيم الرهائن لعدة مجموعات، وتغيير مكان كل مجموعة بطريقة دورية وعشوائية، ما يجعل الإقدام على تحرير مجموعة بقية المجموعات عرضة لخطر مؤكد.