عاصفة الحزم، عصفت بأشياء كثيرة في
اليمن، وأماطت اللثام عن أشياء كان العامةُ في الغالب لا يدركونها، لكنها كانت معلومة لدى الدول والأجهزة، وتحتاج العاصفة أيضاً إلى أفق سياسي واقتصادي لتعزيز نجاحها العسكري.
الدور المشبوه للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، تجاوز في تأثيره الفضائع التي ترتكبها العصابات الإجرامية والمافيات تحت سطح المدن الحديثة، دور ضاقت به المملكة العربية السعودية وقررت الخلاص منه، بعد أن استبقته لفترة طويلة في عهدتها، صحيحاً أو معتلاً، ثم موتوراً ومنتقماً، بعد عملية الترميم الهائلة التي أُجريت على جسده المحطم والمحروق.
لم يعد العالم يكترث لمفاجآت صالح، حتى لو كانت تتعلق بسيطرة
القاعدة على كامل المقار السيادية في المدينة، بما فيها القصر الجمهوري والأجهزة الأمنية ومقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية، واقتحام السجن المركزي وإطلاق السجناء فيه، كما حدث يوم الجمعة الفائت.
العالم يعرف جيداً أن ما حدث هو جزء من معركة صالح الغبية لاستعادة السلطة، بأي ثمن.. تماماً كما رأينا ونراه في مدينة عدن، حيث تدور رحى معركة عبثية لا قيمة استراتيجية لها، طرفها الأساسي وحداتٌ عسكريةٌ، كانت قد أسقطت عدن في السابع من تموز/ يوليو 1994، وفرضت عليها منذ ذلك الوقت احتلالاً داخلياً، وحلت محل وحدات عسكرية جنوبية تم تصفيتها بالكامل، ومن بقي منها جرى تصفيته في حروب صعدة الست.
القاعدة تحكم سيطرتها على مدينة المكلا، هذا لم يكن ليحدث لو لم تنسحب الوحدات العسكرية والأمنية من المدينة، بأوامر مباشرة من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي يشرف على معظم الوحدات العسكرية في البلاد.
يتساءل البعض كيف يتمكن رئيس سابق من السيطرة على الجيش، الإجابة هي أن هذا الشخص لم يفقد سيطرته على الجيش، بل ظل يمارس هذه السيطرة وهذا النفوذ عبر ضباط كبار يرتبطون به وبأبنائه وأقاربه، بشكل مباشر.
وساعده على ذلك الانتماء المناطقي والمذهبي لهذا الجيش، حيث تضيق دائرة الانتماء تلك، لتقتصر على صنعاء ومحيطها القبلي.
وتكمن أهمية عاصفة الحزم أنها اليوم لا تكشف فقط صالح وألاعيبه ومؤامراته ومكره، ولكنها أيضاً، باستهدافها لمعسكرات الجيش ومعداته وإمكانياته، تفتح الباب واسعاً لنقاش بشأن مستقبل هذا الجيش الذي ارتهن بالكامل لجماعة مليشياوية عصبوية وطائفية، هي جماعة التمرد الحوثية، فكان لزاماً على قوات التحالف أن تتعامل مع وحداته ومعسكراته كأهداف مشروعة.
هذا الجيش هو الذي منح صالح والحوثيين إمكانيات هائلة للقيام بثورتهم المضادة بسهولة ويسر، لم يكلفهم ذلك شيئا. ولأن استعادة السيطرة على الدولة من جانب الرئيس المخلوع تم تحت غطاء الحوثيين، ولم يستلزم ذلك من جهد أكثر من تسليم المعسكرات والمقار السيادية والمؤسسات العامة في صنعاء والمحافظات، للمليشيا، وهكذا حدث التوسع والاجتياح الذي جرى تحت يافطة الحوثيين.
وبواسطة هذا الجيش نَفَذَت إيران بأجندتها المشبوهة والخطيرة، إلى اليمن، وشرعت في تأسيس منصة تدخل جديدة في شئون المنطقة، وشرعت كذلك في تعميق التناقضات المذهبية والجهوية، ومضت في تدعيم الأسس الحركية والمليشياوية للحوثيين، وعمقت خبرتهم في كسر إرادة المجتمع بأساليب قمعية شهدنا مثلها في سورية والعراق.
عاصفة الحزم تستند إلى قاعدة تأييد كبيرة في اليمن، شعبية وحزبية، ومناهضو العاصفة ينحسرون في نطاق جهوي ومذهبي ضيق، وسوف تزداد عزلتهم يوماً بعد يوم، مع استمرار تآكل قوتهم وإمكانياتهم العسكرية، وتقطيع أوصالهم، وضرب خطوط إمداداتهم ومخازن أسلحتهم وذخيرتهم.
ولكن يتعين على المملكة العربية السعودية وهي تقود هذا التحالف أن تعمل بصورة حثيثة على تعزيز صفوف الجبهة المؤيدة لها في اليمن، وأن تدعم فكرة قيادة سياسية تعكس حجم التحالف السياسي والحزبي المؤيد للدولة والشرعية، ولعاصفة الحزم، بحيث تعمل هذه القيادة، تحت إشراف الرئيس هادي، وتضم كفاءات وشخصيات محترمة وطنياً وإقليميا ودولياً وتعمل بمرونة كبيرة.
وعليها أيضاً أن تحدد بوضوح الأفق السياسي لعاصفة الحزم، بكل ما يعنيه ذلك من خارطة طريق تستدعي كل اليمنيين، إلى طاولة حوار، لا تستثني أحداً عدا زعماء الحرب الذين خططوا ونفذوا خطة اجتياح المحافظات، بعد أن عطلوا التسوية السياسية، وأجهضوا عملية إقرار وثيقة الدستور.
وبالقدر نفسه من الأهمية، سيكون من المفيد، أن تعلن المملكة عن وثيقة مبادئ حاكمة للعلاقات المستقبلية مع اليمن، تركز بشكل خاص على علاقات اقتصادية خاصة، وتسهيلات لحركة تنقل المواطنين، وترتيبات جادة لانضمام اليمن إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي.
وأعتقد أن إجراءات كهذه إذا نفذت بنفس العزم، فإنها لن تقل في تأثيرها على مجريات المعركة عن عملية عاصفة الحزم.