لم يجد "
ضياء رشوان" نقيب الصحفيين
المصريين، الذي لم يحالفه الحظ في
الانتخابات الأخيرة، ما يقوله لتبرير سقوطه الذريع، إلا القول بأن الإخوان المسلمين وراء نجاح منافسه "يحيي قلاش"!.
"رشوان" ليس بعيداً عن دوائر الانقلاب، فلا تثريب عليه إن استعار الخطاب الإعلامي المعتمد، الذي يرى في جماعة الإخوان قوة كونية خارقة، يمكنها أن تفعل كل شيء. مع أن الإخوان سبق لهم أن أيدوه في انتخابات سابقة، وبشكل معلن وصريح، عندما نافس "مكرم محمد أحمد"، على موقع النقيب، وسقط فيها، ونجح "مكرم" الذي لم ينتخبه الإخوان، مع أنهم حينئذ كانوا يعملون بحرية، على العكس من الحاصل الآن، إذ يبدون قلة، يخافون أن يتخطفهم رجال الأمن.
ولاشك أن هذه الدعاية التي يروج لها "رشوان"، تمنع من محاولة القراءة الموضوعية لنتائج الانتخابات، التي كان سقوطه فيها ذريعاً، وفارق الأصوات بينه وبين المرشح المنافس، تصل للضعف تقريباً، وأعداد الصحفيين من الإخوان، أقل كثيراً من أن يمثلوا هذا الفارق الكبير في عدد الأصوات والنتيجة التي مثلت مفاجأة لكثيرين، وأكدت رغبة الصحفيين المصريين في التغيير، وهم لم يحتملوا أداء "ضياء رشوان" لأكثر من دورة واحدة من عامين فقط!.
صحيح أن من شارك في الانتخابات من الصحفيين الموالين للشرعية، والرافضين للانقلاب، انتخبوا "قلاش"، لكن نسبة المشاركين منهم لم تكن كبيرة، بعد أن تم الترويج لخطاب، يطلب من "قلاش" أن يعلن رفضه للانقلاب العسكري كشرط لتأييده، وكنت أعتبر أن هذا تزيداً لا لزوم له، ذلك بأننا نختار نقيباً للصحفيين، وليس رئيساً للجمهورية، وإلا وجب علينا أن نقدم صحفياً لموقع النقيب مؤيداً للشرعية ورافضاً للانقلاب، وما كنت أحسب أنه سيحالفه الحظ، فيكفي أن يتبنى النقيب قضية الصحفيين المعتقلين، وهم تسعة من أعضاء النقابة، وأكثر من ستين من غير الأعضاء، في وقت تجاهل فيه "ضياء رشوان" هذا الملف تماماً، وتماهى مع دور السلطة الحاكمة، إلى حد أنه حرم هؤلاء من حقوقهم النقابية، في وجود محام من النقابة للدفاع عنهم في مراحل التقاضي المختلفة.
الرسالة المهمة التي أرسلها الصحفيون عبر نتيجة الانتخابات، أنهم لا يريدون نقيباً في حالة تماهي مع السلطة، وقد كان "ضياء رشوان" يقدم نفسه طوال الوقت، على أنه مرشحها، القادر على أن يأتي بامتيازات منها، وكان هذا منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري، فتحولت النقابة على يديه إلى مجرد حزب صغير مساند للسلطة وموال لها.
وكانت البداية عندما اصطحب مجلس النقابة، في الأيام الأولى للانقلاب، للاجتماع بعدلي منصور، وعلى قاعدة "الكيد السياسي"، وهذا عمل حزبي، ليس من مهام النقابة، فالذين انتخبوا أعضاء المجلس والنقيب، لم يقوموا بتفويضهم للقيام بدور حزب صغير من أحزاب جبهة الانقاذ!
وليته استغل علاقته بالسلطة القائمة، ليحصل على امتيازات للصحفيين، فالشاهد أنه ساهم في عملية إهانة العسكر لـ "كارنيه النقابة"، مع قرار فرض حظر التجول، ربما لانعدام خبرته النقابية، أو لعدم اكتراثه بتثقيف نفسه مهنياً، فلو كان مشغولاً بقيمة النقابة وتاريخها وسوابق التصرف، لعلم أن الصحفيين من الفئات المستثناة من القرار، بموجب "بطاقة النقابة"، لكنه بادر، بسوء نية أو بحسنها، لمخاطبة الجيش، بتسهيل مهمة الصحفيين في الحصول على بطاقات منه تمكنهم من التحرك لدواعي العمل، وكانت هذه البطاقات قليلة، وتمنح لأصحاب الحظ، مما أوقع كثيراً من الصحفيين في مشكلات مع ضباط الجيش، وعندما روجع في هذا كان رده، لأن بعض الصحفيين يتفاخرون بنزولهم للشارع في ساعات الحظر من باب التفاخر أمام زوجاتهم!
فضلاً عن أنه كان طوال الوقت، تصريحاته ليست تعبيراً عن خطاب مستقل يعبر عن جموع الصحفيين بتناقضاتهم الفكرية والسياسية، وإنما كان مروجاً لخطاب الأذرع الإعلامية، فيعلن وهو نقيب للصحفيين، أنه يشعر بالعار عندما يشاهد زملاءه علي شاشة "الجزيرة"، وهو رأي لا يمكن أن يعلنه أي نقيب من النقباء الحكوميين السابقين!
ولا نعرف مبرراً لهذا الشعور الغريب، وقد كان هو ضيف "الجزيرة"، التي لم تكن على وئام مع السلطة، وكان نظام مبارك يتهمها بما يتهمها به نظام السيسي، وهو في الواقع نظام واحد، وكل ما يقال عن ضيوف "الجزيرة" الآن، قيل عن ضيوفها قبل أن يصبح هو وغيره، من حراس بوابة الوطنية في العهد الجديد. وبعضهم لم يكن لنا أن نعرفهم في مصر لولا استضافة "الجزيرة" لهم، وكنا نسخر من الظهور المتكرر لهم بالقول إن الواحد منهم يحمل بطانية وينام أمام عمارة "دوحة ماسبيرو" حيث مكتب القناة بالقاهرة. وقد ورث "عبد الفتاح فايد" مدير مكتبها الجديد، أجندة الضيوف، من "حسين عبد الغني"، مدير مكتبها السابق، فلم يشأ أن يحذف اسماً، أو يضف اسماً!
ولم يقل لنا "رشوان" سبباً واحداً يفسر لنا سر شعوره بالعار، عندما يجد زميلاً على شاشة قناة "الجزيرة"، وهو الأمر الذي لم يشعر به، وهو يشاهد زملاءه على شاشة "الحرة" الأمريكية، أو القنوات المصرية مجهولة التمويل، وبعضها من فعل أجهزة لدول أجنبية، وراتب المذيع فيها يكفي لمرتبات العاملين في أي قناة تلفزيونية بالكامل!
ولم يشعر بالعار، وأعضاء له في مجلس النقابة، يزورن الأرض المحتلة، بالمخالفة لقرارات متتالية للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بمنع التطبيع مع إسرائيل، وباعتبار السفر للأراضي التي تحتلها إسرائيل تطبيعاً منهياً عنه، بل إنه أسبغ حماية نقابية على هذه الجريمة، ولا أعرف حقيقة إن كان مطلعاً أو على دراية بهذه القرارات.. وهذه هي المشكلة، وقبل أن ندلف لأسباب ذلك لابد من الإشارة، إلى أنه كان يرى أن الجزيرة غير مهنية، فهل يكفي هذا لتجريم الظهور عليها؟!
المؤسف أن يكون نقيب الصحفيين، رئيساً لتحرير لبرنامج تلفزيوني، هو برنامج "عمرو أديب"، وسانداً له، وهو النموذج الحي للبرنامج التلفزيوني غير المهني، باعتراف مقدمه في مقابلة سابقة، وكان هذا الخروج على قواعد المهنة يمارس في حضور نقيب الصحفيين، فهل له دراية بهذه القواعد؟!
"ضياء رشوان"، بلا أي خبرات نقابية، فلم تكن النقابة جزءاً من نشاطه وممارساته قبل أن يكون مرشحاً في دورة سابقة، ونقيباً بعد ذلك، فمنصب نقيب الصحفيين، في غيبة الاهتمام المهني والنقابي أقدم عليه بدوافع "الوجاهة الاجتماعية"، وكثرت المشكلات، دون اهتمام بحلها، ولو من باب المحاولة، وكثر عدد الصحفيين المتعطلين، وعدد المفصولين، دون أن تقوم النقابة بأي دور، وتركت لجنة القيد في يد "الحليف السياسي" جمال فهمي، لإفساد الجدول، بالسماح لصحف مغلقة بالقيد من الباب الرسمي، أو بالتواطؤ من ممثلي النقابة في لجنة القيد الاستئنافية. وهناك من الصحف والمواقع التي سمح لها بقيد المئات بما يفوق قدرتها على الاستيعاب أو الوفاء بالالتزامات مستقبلاً، كما تم قيد من لا يعملون في مهنة "محرر" في هذه الصحف!.
وكان المتوقع أن عملية إفساد جدول القيد، ستكون سبباً في نجاح رئيس اللجنة "جمال فهمي"، الموالي للانقلاب، لكن كانت المفاجأة في سقوطه، وهو صاحب الصوت السياسي الأعلى داخل النقابة تأييداً لحكم العسكر والمتعامل مع النقابة على أنها الحزب الناصري، بعد أن صار حزب الناصريين "العربي الناصري" هشيماً تذوره الرياح.
لست مع القائلين بأن سقوط "ضياء رشوان"، و"جمال فهمي" يأتي تأكيداً لتغلب رأي سياسي داخل النقابة، لكن من وجهة نظري هو استشعار من الصحفيين لخطورة تحول نقابتهم لحزب سياسي، يتماهى مع سلطة الانقلاب وأعوانه من رجال الأعمال الملاك للصحف على حساب حقوق الصحفيين، ومن هنا جاء نجاح "يحيى قلاش"!.
صحيح أن "قلاش" من الفصيل السياسي ذاته الذي ينتمي إليه "رشوان"، كلاهما ناصري، وكان مع 30 يونيه، وما أفرزته، لكن النقابي فيه هو الأكثر بروزاً، فقد شغل موقع سكرتير عام النقابة لأكثر من دورة، فضلاً عن أنه مهتم بالتراث النقابي، وله مرجعية نقابية تتمثل في نقيب النقباء الراحل كامل زهيري، ولم يسقط على النقابة بـ "البراشوت". وهو في أدائه النقابي يؤخذ منه ويرد، لكنه كان في مواجهة من يرد منه ولا يؤخذ !.
أتمنى أن يتوقف "ضياء رشوان" عن سلوك المهزوم، وأن ينشغل بما بين يديه وهو كثير جداً، وربما ادخرته سلطة الانقلاب لمهام أخرى.
[email protected]