أسوأ شيء أن نتخذ قرارا في لحظة الغضب والانفعال، خصوصا إذا تعلق الأمر بالحرب والقتال.
يقولون دائما إن «الانتقام طبق ينبغى أن يؤكل باردا»، أى لابد من إخضاعه للنقاش والتروي والهدوء حتى يحقق الهدف منه.
فى التاسعة والنصف مساء الأحد الماضى عرف المصريون والعالم بخبر جريمة
داعش الإرهابية ضد المصريين الـ21 فى
ليبيا، وبعضهم شاهد الإعدام على اليوتيوب.
شخصيا ظللت نصف الساعة أقنع نفسى بعدم مشاهدة الذبح، وفى النهاية تغلبت حاستى الصحفية، وشاهدته حتى أدرك إلى أى درك انحدر هؤلاء المجرمون؟!!. كل المصريين الأسوياء باتوا ليلتهم وهم يشعرون بالقهر والعجز والإحباط وقلة الحيلة، وانعكس ذلك على تعليقات كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعى.
هذا الشعور طبيعى جدا بين الأفراد والجماعات، فى الأوقات الصعبة، فى الحوادث الصغيرة والكبيرة، وبالتالى فإن الضربة التى وجهتها القوات المسلحة إلى بعض مواقع داعش داخل ليبيا، ربما تكون قد ساهمت فى إشعار المصريين ببعض
القصاص من المجرمين لأنهم -أي المصريين- استيقظوا صباحا ليجدوا أن قواتهم المسلحة بدأت القصاص.
لكن وكما هو معلوم فإن داعش لن يتم القضاء عليها بضربة جوية أو اثنتين أو ثلاث أو حتى عشر، هى تحتاج تخطيطا ودراسة وصبرا ونفسا طويلا.
شاهدنا ونشاهد تحالفا من أربعين دولة فى المنطقة والعالم بينهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا يوجهون ضربات جوية ضد تنظيم داعش فى سوريا والعراق منذ شهور، ولم يتم القضاء عليه بعد، وبالتالى فليس متصورا ان تساهم الضربات الجوية فقط فى هزيمة داعش، لكنها بطبيعة الحال ستكون عاملا مهما يساعد الجيش الليبى على الأرض فى هزيمة هذا التنظيم الدموى. التروى فى القصاص مهم جدا حتى لا ننزلق إلى مستنقع نغرق فيه هناك.
علينا مرة أخرى أن نسعى بكل السبل الممكنة وغير الممكنة إلى تشكيل تحالف دولى إقليمى واسع النطاق لمحاربة هذا التنظيم.
سيكون تطورا مهما إذا استطعنا نحن و"مجموعة جوار ليبيا" ان نعزل داعش عن كل المكونات السياسية هناك. وليكن الشعار اننا يمكننا ان نتحاور ونتفاوض بل ونتعاون مع أى قوة سياسية تعلن بوضوح إدانتها وتصديها لداعش، ليس بالألفاظ والتصريحات، ولكن بالعمل على الأرض والتخلى عن هذه الأفكار التى قادتنا إلى الحالة الداعشية.
نعذر البسطاء المتعطشين للانتقام السريع والثأر، لكن مصائر الأمم والبلدان لا تتقرر بهذه الطريقة الانفعالية. ثم ان الدولة لا يصح ان تستخدم تغييرات الثأر والانتقام، بل عليها ان تستخدم تعبير القصاص وتطبيق حكم القانون حتى على العصابات الإجرامية الإرهابية مثل داعش، علينا ألا نحارب داعش بطريقتها ومصطلحاتها بل بإنسانيتنا وتحضرنا وقوتنا وردعنا.
كان الله فى عون صانعى القرار فى مصر فى هذه اللحظات، هم ممزقون بين الاستجابة لطلبات الثأر السريع، وفى الوقت نفسه يدركون صعوبة الأوضاع على الأرض خصوصا فى دولة مثل ليبيا، لم تكن دولة بالمعنى المعروف، وجاء القذافى ودمر كل ما له صلة بمؤسساتها.
أى متابع للأوضاع فى ليبيا يدرك ان هناك عشرات التنظيمات والميليشيات ومئات العصابات والتشكيلات السياسية والقبلية والجهوية، وهذه الأوضاع هى الوصفة السحرية لابتلاع أى قوات نظامية، هى حرب عصابات وتحتاج آلية مختلفة تناسبها.
لست خبيرا عسكريا ولن أكون، ومن الأمور المقلقة ان معظم الإعلاميين والسياسيين فى مصر صاروا فجأة خبراء عسكريين واستراتيجيين، ويفتون فى كل شيء، من أول رأيهم في المقاتلة رافال نهاية بضرورة غزو ليبيا بريا.
علينا أن نترك الأمور العسكرية الفنية لأهلها، حتى لا نزيد الأمور تعقيدا أكثر مما هى معقدة.
(نقلا عن صحيفة الشروق)