أفرزت الأحداث الأخيرة التي شهدها كل من سوريا والعراق، تنبؤات في أوساط المحللين والسياسين حول إمكانية إنشاء تحالف بري ضد تنظيم الدولة، شبيه بالتحالف الجوي.
وإن كان أغلب المراهنين واللاعبين الإقليمين والدوليين يهللون لما جاء على لسان الجنرال الأمريكي السابق"جون آلن" أن "الموعد بات وشيكاً"! إلا أن هذا التصريح القادم على لسان المنسق العام لقوات التحالف، يثير العديد من التساؤلات حول توقيت هذا التصريح ، وما هي أهدافه وإلى أي مدى يمكن الأخذ بجديته؟
والتساؤل الأهم الذي سنحاول الإجابة عليه في هذا المقال ، هل يدخل تصريح "جون آلن" ضمن باب الوعود أم هو تهديد؟ وخصوصاً أن الواقع السياسي في المنطقة يشهد تمدداً للنفوذ الشيعي على حساب الوجود السني، ولا ينبئ بأي وعود جميلة لمنطقة الشرق الأوسط عموماً، وسوريا والعراق على وجه الخصوص.
التصريح الذي أدلى به المنسق العام لقوات التحالف، والذي جاء عبر وكالة أنباء أردنية، جاء فيها أن هجوماً برياً وشيكاً واسعاً سيبدأ قريبا ضد تنظيم الدولة بإسناد من قوات التحالف.
وهنا لا بد أن نتوقف حول توقيت هذا التصريح الذي جاء كمحاولة لامتصاص أزمة إحراق طيار من طياري التحالف حياً أمام مرأى العالم، أزمة تجاوزت السياسية الداخلية والعلاقات العربية الإقليمية للأردن، لتصل إلى عمق التحالف، الذي انتفض بردات فعل كان أولها توقيف الإمارات لعملياتها الجوية، بشكل مؤقت، وتسريبات عن تورط إحدى طياريها في إسقاط الطائرة، إضافة إلى حديث عن تخاذل من إدارة التحالف والحكومة الأردنية على حد سواء في عملية إنقاذ الطيار المنتمي لعشيرة الكساسبة ذات النفوذ الكبير في الأردن.
تصريح آلن وعلى الرغم من تقليل الإدارة الأمريكية من جديته وفاعليته على الأقل في الفترة القريبة حسب تعبير جينفر ساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأمرييكية التي أكدت أن أي إجراء عسكري يتم اتخاذه في العراق لمواجهة داعش، ستقوده قوات الأمن العراقية، وأن هذه القوات ما تزال في مرحلة التدريب وتحتاج إلى العمل من أجل إعدادها، إلا أنه يحمل في طياته جزءاً كبيراً مما تفكر به الإدارة الأمريكية كاستراتيجية قادمة في إدارة الحرب ضد تنظيم الدولة.
فأصوات المطالبة بتدخل بري ضد تنظيم الدولة كانت قد علت من داخل البيت الأبيض مسبقاً، وقد استمعنا قبلاً ، لمطالب السيناتور الأمريكي" جون ماكين " الذي بدوره طالب أوباما بتدخل بري ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، وتسليح الجيش السوري الحر وفرض مناطق حظر للطيران للقضاء على تنظيم الدولة.
لنتفق جدلاً بأن التدخل البري قادم سواء في وقت عاجل أم آجل ، فالسؤال الذي نوجهه للإدارة الأمريكية للتحالف، ما هي أهداف هذا التدخل البري ، وهل تنحصر مهامه حقيقة ، بفك رقاب أهالي المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، و القضاء عليه وعلى تهديداته التي لا يسع الحديث لذكرها؟
بكل تأكيد لا! ومن السذاجة التفكير بأنها ستقف عند جز عنق التنظيم، فشحنات الأسلحة الأمريكية والفرنسية الممولة من هبات عربية وأوروبية، بدأت بالتوافد إلى عصابات حزب الله والمليشيات
الإيرانية بشكل علني، وبناء عليه كيف لنا ألا نستغرب احتفال زعماء الشيعة باكتمال "الهلال الشيعي" .
إننا نتابع السياسات الدولية في المنطقة، و الإدارة الأمريكية ومن ورائها المجتمع الدولي قد صموا آذانهم عمداً عن الأصوات التي خرجت من داخل حكوماتهم تدعوهم لوقف الضغط على الأغلبية السنية في المنطقة، وعدم تأجيج الصراعات الطائفية وعدم إطلاق يد إيران والميليشيات التابعة لها في المنطقة، ولكنهم رفضوا وتعنتوا تعنت الجاهلية . وما كان رفضهم إلا تخوفاً من تمكن المد السني في المنطقة وتصادمه مع مصالحهم، ومصالح أصدقائهم وخصوصاً ما يتعلق بقضايا المقاومة والتطبيع والهوية والسلطة الدينية التي تحرك قلوب العامة، وتتحكم بمواقفهم بشكل عام في أغلب القضايا المصيرية .
فهل أدرك المجتمع الدولي أخيراً أن تغاضيه عن الانتهاكات و المجازر في حق سنة العراق و سوريا، هو من مكن مثل هذه التنظيمات من التطور والتمدد وكسب التأييد و التعاطف .
الإدارة الأمريكية تريدها حرباً، بين الشعوب العربية والإسلامية، لتنهي على ما تبقى من سلطة للمكون السني في المنطقة، ومن ثم تعيد إنتاج أنظمة سلطوية استبدادية مرنة مع سياستها في المنطقة.
من المكلف جداً في ظل هيمنة النفوذ الإيراني و تمدد سرطانه داخل الشرق الأوسط أن تشارك الدول العربية والإسلامية في دعم تدخل بري ضد تنظيم الدولة، دون أن تضمن فيما بعد الحسم، إعادة التوازن للقوى السنية ودعمها سياسياً واقتصادياً في مناطقها على أقل حد، لاستعادة نفوذها الذي يؤدي انهياره دور المحرك الأول لقيام تنظيم الدولة وتمدده في كل من العراق و سوريا .
إن أي عمليات برية قادمة ضد التنظيم تشكل خطراً على السنة المعتدلين و المدنيين؛ لأن التحالف مع إيران سوف يحوله إلى اجتياح شيعي وقح! وتكون نسبة الخطأ فيها مرتفعة كحال الضربات الجوية، فتسلم سوريا إلى إيران كما سلمت العراق، ويخرج من أرض المنطقة، تنظيمات أكثر تطوراً في بنيتها و أشد عنفاً في إيديولوجيتها و عندها ستكون الأمة العربية والإسلامية الأكثر تضرراً، وخسارة.