مع احتدام القتال في شرق أوكرانيا بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والجيش الاوكراني، واقتراب واشنطن وحلفائها من فرض عقوبات جديدة على موسكو اذا لم تظهر مرونة حقيقية لحل النزاع ديبلوماسيا، برز في واشنطن نقاش مكثف بين معسكرين، الاول يدعو الى تزويد أوكرانيا أنظمة دفاعية فتاكة لإرغام موسكو على دفع ثمن أكبر لسياساتها التوسعية، والثاني يحذر من مغبة مثل هذا التهور الذي لن يخدم
اوكرانيا لأنها لن تستطيع في أي حال هزيمة الجيش الروسي، ولأن وضع الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين في مأزق أكثر إحراجاً -بعدما ادت العقوبات وانخفاض اسعار النفط الى كشف هشاشة الاقتصاد الروسي- يمكن ان يدفعه الى التلويح بالسلاح النووي.
وهناك تيار قوي في الكونغرس، من الحزبين، يقول ان عدم تسليح أوكرانيا ستكون له مضاعفات كارثية على قدرة واشنطن على قيادة حلف شمال الأطلسي، وردع موسكو عن التدخل في دول اوروبا الوسطى وبحر البلطيق باسم حماية الاقليات الروسية. ويشير هؤلاء الى انه لا يجوز حرمان دولة صديقة تتعرض للعدوان حقها في الدفاع عن نفسها، خصوصاً ان هناك التزامات قانونية تقضي باحترام سيادة اوكرانيا وقعتها واشنطن وموسكو. وهذا يتمثل في "اتفاق بودابست" لعام 1994 والقاضي بموافقة كييف على التنازل عن ترسانتها النووية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (والتي كانت تضم 1800 رأس نووي) في مقابل احترام موسكو حدودها وسيادتها.
وقد أصدرت حديثاً ثلاثة مراكز ابحاث اميركية مهمة: مؤسسة بروكينغز، المجلس الاطلسي، ومجلس شيكاغو للشؤون الدولية تقريرا حضت فيه واشنطن على تزويد اوكرانيا اسلحة دفاعية بقيمة ثلاثة مليارات دولار حتى سنة 2017 "لتعزيز قدراتها الردعية ولزيادة اخطار وثمن أي حملة روسية جديدة". وتشمل التوصيات تقديم صواريخ مضادة للدروع، ورادارات متطورة، وطائرات من دون طيار، وعربات مدرعة وأجهزة اتصالات متطورة.
ومن المتوقع ان يحتدم النقاش في الكونغرس ومراكز الابحاث وفي الاعلام، مع ارتفاع الضغوط على
أوباما لحسم أمره في مسألة تسليح أو عدم تسليح اوكرانيا. وكان الهدف الاساسي لزيارة المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل لواشطن هو اقناع أوباما بعدم تسليح أوكرانيا.
وثمة تخوف في واشنطن من ان يوجد الاخفاق في تسليح اوكرانيا ووقف الزحف الروسي، عقبات أمام تنفيذ أي اتفاقات نووية يمكن ان تعقدها واشنطن مع دول مثل ايران، كما ان ما يسميه منتقدو اوباما "سياسة استرضاء" بوتين قد تشجع دولاً كبيرة مثل الصين والهند لها خلافات حدودية مع جيرانها على استخدام القوة لحسمها. وليس من المبالغة القول إن مكانة اوباما كقائد -من أوكرانيا الى مكافحة "داعش"- هي الان على المحك.
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)