ما إن يبدأ أي حراك سياسي
فلسطيني في المحافل الدولية تجاه الكيان
الإسرائيلي، أو تتوقف مفاوضات التسوية بين الطرفين، حتى يكون رد الاحتلال: "سنحجب أموالكم عنكم".
هذا ما حدث مؤخراً عندما توجهت السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن وقدمت مشروع قرار لإنهاء الاحتلال، إضافة إلى انضمامها إلى محكمة الجنايات الدولية، حيث حجبت إسرائيل أموال
المقاصة (عوائد الضريبة) عن السلطة.
ويعزو المحلل الاقتصادي نائل موسى، ليّ إسرائيل للذراع
الاقتصادية الفلسطينية، إلى بنيتها "الهشة"، كونها ارتكزت على اتفاقات أوسلو قبل نحو 20 عاما، التي اعتمدت على المعونات والمساعدات الأجنبية.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "موارد السلطة الفلسطينية التي كانت تصلها من منح ومساعدات دولية وعربية كان معروفا أن الهدف منها هو إنجاح مشروع التسوية، وليس إقامة دولة فلسطينية قادرة على الصمود".
وتقوم إسرائيل منذ التوقيع على بروتوكول باريس الاقتصادي مع الفلسطينيين، عام 1994، بجباية أموال الضرائب والجمارك، على السلع والخدمات الصادرة والواردة من وإلى فلسطين، عبر الحدود الدولية، والتي تسمى بأموال المقاصة.
ونوه موسى إلى أن الحكومات الفلسطينية المتعاقبة تتعامل مع الوضع كأزمة، ولا تسعى لحلها بشكل جذري، ما جعلها رهينة ديون متراكمة.
وأكد المحلل الاقتصادي، أن الهيكل المالي للسلطة ضعيف ويتعرض لملاحقة الدائنين، ما جعل الاقتصاد الفلسطيني يعاني من أزمات متواصلة أرهقته كثيرا.
وأوضح، أن "الأزمة الأخيرة واضحة في عدم قدرة دفع رواتب العاملين بسبب انشغال العالم بمناطق يعتبرها أولوية مثل سوريا ومصر، وهذا ينطبق على الدول العربية التي أضحت لا تهتم كثيرا بالحالة الفلسطينية".
الاقتصاد الفلسطيني في أسوأ حالاته
بدوره، قال الباحث خالد مصلح رئيس قسم الدراسات والعلاقات العامة في غرفة تجارة وصناعة نابلس، إن الاقتصاد الفلسطيني في أسوأ أحواله، خاصة في ظل تذبذب دفع الرواتب للعاملين في القطاع الحكومي، الذي يضخ للسوق نحو مليون وربع المليون دولار شهريا كرواتب تؤدي إلى حركة في السوق.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن الاقتصاد الفلسطيني لا ينمو، ويسجل تراجعات كبيرة يتم رصدها من قبل خبراء البنك الدولي.
ونوه إلى أنه ومنذ إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، قدمت دول العالم سيلا ضخما من الأموال (يقال إنها وصلت إلى ما يزيد على 18 مليار دولار) في سبيل بناء البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية، وتوفير الحياة المناسبة للمواطن الفلسطيني في شتى المدن والمحافظات الفلسطينية، بعدما كانت تلك المدن مهملة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل عام 1994 حيث إن تلك السلطات لم تهتم إلا بقطاع الصحة والتعليم (وعلى نطاق ضيق أيضا)، على الرغم من تكاثر أعداد السكان ونمو احتياجاتهم.
واشترك الباحث الاقتصادي قيس عرفات، في الإشارة إلى ضعف الاقتصاد الفلسطيني، وقال لـ"عربي21": "الاقتصاد الفلسطيني يعاني من ضعف عام منذ اليوم الأول لاحتلال الاحتلال الضفة والقطاع، وسعت السلطات الإسرائيلية لتقييد عملية التكوين الرأسمالي في الضفة والقطاع، وذلك عبر رفض منح تراخيص للمشروعات الاستثمارية الفلسطينية التي يمكن أن تسهم في تدعيم القاعدة الإنتاجية أو البنية التحتية الوطنية، والاقتصار على منح تراخيص للمشروعات التي تنتج سلعاً لما تحتاجه المؤسسات الرئيسة في إسرائيل".
ونتج عن ذلك، بحسب ما يرى عرفات، نفور رؤوس الأموال الفلسطينية، وجعلها تهرب إلى بلدان تسهل الاستثمار وتشجعه، ما ساهم في إضعاف الاقتصاد الفلسطيني واقتصاره على الاستثمارات والمشاريع الصغيرة لفترة طويلة.
وتابع عرفات، بأنه وبعد توقيع اتفاقية أوسلو، وقيام السلطة الفلسطينية وبداية الحكم الذاتي، وبعد خوض الشعب الفلسطيني لهذه التجربة وبدء مرحله جديدة "ظن الفلسطينيون أن الاقتصاد سينتعش وأنهم سيحصلون على بداية جديدة، لكن سرعان ما بدأت الهيمنة الإسرائيلية تعود من جديد. ولأن رأس المال كما يصفه الاقتصاديون بالجبان، كان أول الهاربين، فلا أحد يغامر بملايينه في بلد مستقبله غير واضح، وبدأت العقوبات الاقتصادية الإسرائيلية تتوالى على الشعب الفلسطيني، فحوصرت غزة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، ونالت الضفة أبشع العقوبات الاقتصادية وصودرت عوائدها الضريبية، وكان المتضرر الوحيد هو الشعب الفلسطيني بأكمله".
وبرأيه، فإن الحل الوحيد للخلاص من هذا المأزق هو "بالخلاص من الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة واستقلال الاقتصاد الفلسطيني وسيطرة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية ومنافذ الاستيراد والتصدير، وعودة المستثمرين الفلسطينيين إلى فلسطين وإقامة المشاريع وبناء دولتهم.. وليس هناك أي مخرج آخر".
غزة في قلب الحصار
وكان تقرير للبنك الدولي حول الاقتصاد الفلسطيني صدر نهاية العام الماضي، قال إن الحرب التي شهدها قطاع غزة في الآونة الأخيرة ستفضي بنهاية عام 2014 إلى فرض المزيد من الضغوط على الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني أساسًا من ضغوطات وتراجع، إضافة لتراجع دخل الفرد عام 2013.
وقال المدير الإقليمي للبنك الدولي في الضفة الغربية وغزة، ستين لاو يورجنسن: "بالنسبة للقوى العاملة، هنالك شخص واحد من كل ستة فلسطينيين في الضفة الغربية، وتقريباً واحد من بين اثنين في غزة، عاطلون عن العمل، حتى قبل اندلاع الصراع الأخير في القطاع، وهذا وضع غير مستدام".
وأضاف أنه "من دون اتخاذ الإجراءات الفورية من قبل السلطة الفلسطينية والجهات المانحة والحكومة الإسرائيلية لإعادة إنعاش الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال التجارية، فسيبقى مسار العودة إلى العنف على نحو ما شهدنا في السنوات الأخيرة خطراً واضحاً وقائماً".
وأشار البنك الدولي إلى أن العام 2014، شهد استمرار تدهور الاقتصاد الفلسطيني، وبصفة خاصة في قطاع غزة الذي شهد وضعا مزريا حتى قبل اندلاع الصراع الأخير.
وخلال الفترة الواقعة ما بين العامين 2007 و2011، فقد تجاوز متوسط النمو الاقتصادي السنوي نسبة 8 بالمئة، إلا أن هذه النسبة تراجعت خلال العام 2013 لتصل إلى 1.9 بالمئة، كما أنها وصلت إلى ناقص 1 بالمئة في الربع الأول من العام 2014.
وبحسب بيان للإحصاء الفلسطيني عشية اليوم العالمي للسكان، في شهر تموز/ يوليو من العام الماضي، فإن أكثر من ربع المشاركين في القوى العاملة عاطلون عن العمل (26.2 بالمئة) خلال الربع الأول من 2014.
ويقدر معدل الفقر بين السكان وفقا لأنماط الاستهلاك الحقيقية بـ25.8 بالمئة خلال عام 2011، بواقع 17.8 بالمئة في الضفة الغربية و38.8 بالمئة في قطاع غزة.
وتبين أن حوالي 12.9 بالمئة من الأفراد في فلسطين يعانون من الفقر المدقع، بواقع 7.8 بالمئة في الضفة الغربية و21.1 بالمئة في قطاع غزة.