شنّت الصحافة الإسرائيلية موجة تحريضية جديدة لتوظيف حادث "
شارلي إيبدو" ضد العرب والمسلمين، بغية تحقيق مكتسبات سياسية لإسرائيل، وإحداث انفراجة بالعلاقات الأوروبية الإسرائيلية التي تعكرت خلال الفترة الماضية، لصالح الفلسطينيين خصوصا.
وتسابق المحللون والكتاب الإسرائيليون على تقديم النصائح والوصفات الناجعة لأوروبا لمحاصرة "
الإسلام المتطرف" و"الإرهابيين" المفترضين الذين يمكن أن يعيدوا الكرة مرة أخرى ويضربوا مصالح أوروبية.
المحلل الإسرائيلي سيفر بلوتسكر، رأى أن الكفاح الأوروبي ضد الإسلام المتزمت لن يحسم في مظاهرات جماهيرية لطيفة وعديمة الغاية.
وأكد في مقال له بصحيفة "يديعوت"، الاثنين، أن المعركة على وعي جيل المهاجرين الشباب، في حرب استخبارية لا هوادة فيها، هي التي ستحسم الصراع.
وشاركه ذات الرأي الصحفي يعقوب عميدرور، بالقول إن محاربة الإرهاب في أوروبا تتطلب تغيير قوانينها المتعلقة بالعمل الاستخباري في أوساط المجموعات المرشحة للتوجه إلى الإرهاب.
وطالب عميدورور بمقالته في صحيفة "إسرائيل اليوم" الأوروبيين، بإحداث تغيير بعمليات الاختراق والتنصت والمتابعة، محذرا من أن المفاجآت للأوساط الاستخبارية الأوروبية عموما ستتكرر.
وانتقد بلوتسكر ما حدث في باريس من تظاهرات بسؤال استنكاري: "ألم تبالغوا؟ نعم، بالغتم بل وبالغتم جدا".
وقال في وصف التظاهرة: "عشرات رؤساء الدول، مئات من مصممي الرأي العام، آلاف المبدعين من كل مجالات الثقافة، عشرات آلاف الأكاديميين المفعمين بالأيديولوجيا المتقدمة، ومليونان ذوو نية طيبة من أرجاء أوروبا انطلقوا أمس إلى شوارع باريس في مظاهرة احتجاجية عظمى. ولم تسجل أي منظمة إرهابية إسلامية لنفسها نجاحا إعلاميا عدديا كهذا".
وأضاف أنّ، معظم الزعماء، وأغلبية الجماهير، جاءوا للاحتجاج، للتضامن والتظاهر. لأن التظاهر هو الأكثر راحة؛ لأن "هذا لا يتطلب شيئا غير حذاء جيد، سترة شتائية ولفحة. والنتيجة العملية للمهرجان الجماهيري صفر، ولكن نتيجته من حيث الصورة واضحة: إعطاء زخم عالمي لعمل الفرع اليمني من منظمة القاعدة بخاصة وللقاعدة بعامة"، على حد تعبير بلوتسكر.
ورصد الكاتب الصورة المركبة المتناقضة في فعالية باريس، التي تظهر كيفية الازدواجية في المعايير العالمية تجاه الإرهاب. قائلا إنه في الأسبوع نفسه الذي قتل فيه ثلاثة من الإسلاميين 17 شخصا في باريس، عُلم أن منظمة إرهابية إسلامية متزمتة أخرى ذبحت ما لا يقل عن ألف رجل، وامرأة وطفل في شمال نيجيريا.
واستهجن ما سبق قائلا: "لم أرَ أحدا من المتظاهرين في ميدان الجمهورية رفع يافطة تقول: أنا شمال نيجيري".
وتابع بأن "ربع مليون سوري قتلوا في حرب أهلية لا نهاية لها، معظمهم من الأسد وجنوده. ولكن لا يذكرهم أحد في المظاهرة في باريس. ناهيك عن الاستثناء المطلق للإرهاب الفلسطيني من قائمة الأشرار الذين اجتمع المتظاهرون ضدهم".
وسخر من الصورة التي جمعت كلا من "نتنياهو وأبي مازن، وكلاهما في الصف الأول من المسيرة، على مسافة محسوبة من الرئيس الفرنسي ومن المستشارة الألمانية".
واستنكر مشاركة أبي مازن ونتنياهو في الفعالية، بالقول: "حقا، من أجل ماذا ينبغي إدخال رأس أوروبي معافى في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني المريض؟ ناهيك عن أنه حسب مبادئ السلامة السياسية، فإن الإرهاب الفلسطيني ليس إرهابا على الإطلاق. فهو وسيلة مشروعة في الكفاح ضد القمع".
وختم حديثه بالسخرية قائلا: "عفوا، والإرهاب الإسلامي في باريس، أليس موجها ضد قمع المسلمين في
فرنسا وفي أوروبا؟".
إسرائيل تتألم مع شعب فرنسا
أما عميدرور، فقدم نصائحه لأوروبا بثوب المواسي الحزين قائلا إن "الكثير من مواطني إسرائيل يتألمون مع الشعب الفرنسي من الأحداث الإرهابية في باريس، ويأسفون على المس بالمواطنين الفرنسيين، وبعضهم من اليهود".
وأضاف أن "العمل الإرهابي يتفجر في كل مرة من مكان آخر وبشكل آخر، ولكن جميع الحالات لها صورة واحدة: هؤلاء هم الإسلام الراديكالي".
ونوه عميدرور إلى أن "أوروبا تستصعب وسيكون من الصعب عليها مواجهة هذا الإرهاب من ناحية معرفية وتنظيمية. أولا، سيكون من الصعب عليها القضاء على تهديدات كهذه بسبب عدم استعدادها للنظر في الواقع بعيون مفتوحة والتقدير الدقيق للظاهرة التي يواجهونها، حيث يدور الحديث عن إرهاب من أوساط إسلامية".
وشدد على أنّ "هذه الأوساط تحارب إخوتها في الدين وفي الدولة الذين لا يفكرون مثلهم تجاه الديمقراطيات الغربية ذات الثقافة المكروهة لدى الأوساط الإسلامية هذه، وهي معادية لليهود، بغض النظر عن علاقتها بدولة إسرائيل".
وختم حديثه بالقول، إن "الاختراق الاستخباري للمجتمعات المسلمة التي أغلبية أعضائها من مواطني الدولة هو أمر اضطراري، وهو الأمر غير الممكن تنفيذه في أوروبا اليوم، حيث يدور الحديث عن ملايين الناس الذين يصل القليل منهم إلى تنفيذ العمليات الإرهابية. ولكن بدون التسلل إليهم ومراقبة سلوكهم، سيُحكم على أجهزة الاستخبارات بالمفاجآت في كل مرة من جديد".
أم كل المظاهرات
أما ناحوم برنياع، في افتتاحية "ديعوت"، فاكتفى بالغزل الناعم بالفرنسيين قائلا إنه "حتى وإن لم تولد المسيرة، مثلما يأملون، حملة عالمية ضد الإرهاب الجهادي، فقد أعادت على الأقل الثقة بالنفس للفرنسيين".
وأضاف برنياع قائلا: "باريس لم يسبق أن كان فيها مثل هذا الحدث أبدا". واستدرك بالقول، إن "المسيرة الجمهورية التي احتلت باريس أمس كانت حدثا استثنائيا، حتى بعدد الأشخاص، حتى بالرسائل التي صدرت عنها، حتى بالأجواء وحتى بالبعد الإنساني".