كتب المحلل الأمريكي المعروف سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج والطاقة في معهد
واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مقالاً في مجلة "فورين بوليسي"، عما أسماه "لعبة الروليت الملكية" في
السعودية.
وتنبأ الكاتب في مقاله بحصول مشكلة على العرش في السعودية، داعياً الغرب لتحضير نفسه لمعركة
الخلافة بعد رحيل الملك عبدالله، الذي يعالج في المستشفى لإصابته بالتهاب رئوي.
ويقول هندرسون: "آخر الأخبار القادمة من السعودية، بحسب ولي العهد، فإن الملك عبدالله، البالغ من العمر90 عاماً، (يتعافى من
مرضه). وقد يكون هذا صحيحاً، فقد دخل الملك المستشفى في31 كانون الأول/ ديسمبر، وأعطي مضاداً حيوياً لمدة أسبوع، وهو العلاج الذي يقدم للمصابين بمرضه، حيث يعطي العلاج مفعوله".
ويستدرك الكاتب بأن "هذا ليس هو الوقت المناسب للحصول على الراحة، فالمملكة تعد عضواً مهماً في التحالف الأمريكي ضد الدولة الإسلامية، التي يقوم مقاتلوها باختبار جاهزيتهم، كما يُظهر هجوم 5 كانون الثاني/ يناير على الحدود العراقية- السعودية، الذي قتل فيه ثلاثة من حرس الحدود السعوديين. ويجب أن يكون للسعودية دور مهم في انهيار سوق النفط العالمي، لكنها لا حيلة لها، وهي غير قادرة على وقف تراجع أسعار النفط، وما يعزيها هو أن منتجي النفط من الصخر الزيتي الأمريكيين والروس والإيرانيين يشعرون بألم أكبر جراء هذا التراجع".
ويضيف هندرسون: "حتى لو افترضنا عدم تعرض الملك لنكسات صحية جديدة، إلا أنه سيكون خارج الصورة لعدة أسابيع، حيث سيتعامل مع الآثار الناجمة عن الالتهاب الرئوي، وهو تحد كبير. وحتى الآن ظل هو صانع القرار السياسي الأول، حيث أدى دوراً شخصياً في حل الخلافات الدبلوماسية مع الجارة قطر، وعقد قمة مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وغيّر ستة وزراء في التعديل الوزاري على حكومته الشهر الماضي".
ويتساءل الكاتب "هل سيحل ولي العهد
الأمير سلمان مكان الملك في غيابه؟"، ويجيب قائلاً: "من المحتمل لا".
ويبين هندرسون أن "هناك أسئلة حول قدرة الأمير سلمان على الحكم، على الرغم من أجندته الحافلة بالنشاطات العامة. فقد كتب عميل (سي آي إيه) السابق بروس ريدل قبل عامين أن (الأمير سلمان كما يقال مريض بشكل مستمر... إنه لا يستطيع ممارسة دوره). وتحدث تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، نقلاً عن تقارير غير مؤكدة تشير إلى أن سلمان (يعاني من مشاكل صحية). والسؤال المطروح هو حول الدور الذي سيؤديه الملك عبدالله في القصر بشأن خليفته، خاصة أن النقاشات حول الموضوع تتزايد".
ويجد الكاتب أن "الرأي السائد في كتابات المعلقين حول المملكة، هو أن عملية الوراثة هذه المرة لن تكون (سلسة)؛ فالظروف تتعلق بالمستقبل والوقت الذي ستختار فيه المملكة قائدها، ولا علاقة لها بكيفية اختيار خليفة للملك عبدالله".
ويرى هندرسون أن "الوقت قد حان لمناقشة هذا الأمر؛ لأن عملية الانتقال السياسي في السعودية لن تكون سلسة، رغم أن آل سعود يريدون الظهور خلافاً لذلك".
ويوضح الكاتب أن "قيادة المملكة العربية السعودية تقف على مفترق طرق، حيث تتنافس جماعتان على القيادة. وسيؤدي هذا الصراع إلى ظهور عدة وجوه جديدة في مركز السلطة في الرياض، وقد يقود هذا إلى بروز مشكلة لواشنطن، حيث سيتم استبدال القيادات الخبيرة بمجرد وجوه طامحة. وفي ضوء هذه الظروف فإن إرث الملك عبدالله ومدخله الغريب للتقدم قد يصبح ذكرى ماضية، خاصة أنه سيتم تهميش بعض الشيوخ الذين يعيقون التقدم، ولكنهم يحتفظون بدور في القيادة".
ويدعو هندرسون إلى فهم الآلية التي يتم من خلالها التغيير في السعودية منذ إنشائها؛ للتعرف على حجم المشكلة التي ستواجه السعودية في معركة الخلافة، فيقول إن "اللاعبين الرئيسيين في لعبة الخلافة، وبينهم الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلمان ونائبه الأمير مقرن، هم من أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز بن سعود، وعندما توفي في عام 1953 خلف وراءه نظاماً يقوم على أن يتولى العرش واحد من أبنائه، الأكبر ثم الأصغر، وليس من الأب للابن. ولم يبق من أبناء الملك ابن سعود الأصليين، وعددهم 35 ابناً، إلا عدد قليل، أما البقية فقد ماتوا. ومن بين الباقين الأمير سلمان والأمير مقرن، وهو ابن امرأة يمنية، وعمره 69 عاماً".
ويجد الكاتب أن "الصراع على العرش يقوي السديريين، الذي يعد أقوى وأكبر مجموعة من الإخوة الأشقاء، ضد بقية الإخوة غير الأشقاء. ويعود السديريون السبعة إلى أم واحدة، وهي حصة التي ولدت في قبيلة السديريين، وكانت الزوجة المفضلة للملك ابن سعود. ويضم الجناح أهم أبناء المؤسس الطامحين للسيطرة على العرش منذ وفاة والدهم، الملك فهد (توفي عام 2005) ولي العهد الأمير سلطان (توفي عام 2011) والأمير نايف (توفي عام 2012) وكذلك الأمير سلمان. أما الإخوة الباقون فهم الأمير عبدالرحمن، نائب وزير الدفاع السابق والأمير تركي والأمير أحمد نائب وزير الداخلية السابق".
ويتابع هندرسون "قد صعد الملك عبدالله، الذي كان أصغر من الملك فهد وأكبر من الأمير سلطان، رغم جهود السديريين لمنعه من الوصول إلى العرش. ولكن كان عليه أن يقبل بثلاثة من السديريين عندما تولى الحكم عام 2005، وهم الأمراء سلطان ومن ثم نايف والآن سلمان. ومن أجل تعزيز سلطته ولأنه دون أخ شقيق قام بعقد تحالفات مع الأمراء خارج نطاق السديريين السبعة، وكان قبل وصوله السلطة رئيساً للحرس الوطني".
ويذكر الكاتب أنه "من وجهة نظر الغرب، فهناك حاجة لتخلي الملك عبدالله عن الحكم من أجل التقدم إلى الأمام، ويجب تهميش الأمير سلمان (هناك آلية لتحقيق هذا من خلال إعلان عدم قدرته على الحكم بسبب صحته)، وبعدها يتولى الأمير مقرن الحكم. ومن وجهة النظر السعودية لا يمكن تحقيق هذا".
ويعزو هندرسون السبب إلى أنه "في داخل العائلة المالكة هناك احترام عظيم للأسلاف والتاريخ والانتقال المنظم للسلطة، فحتى لو لم يكن الأمير سلمان قادراً على تولي السلطة، إلا أنه يصعب على السعوديين دفعه جانباً، فما يكرهه الأمراء هو الحديث عن الفرقة، التي ستخرج للعالم. فقد شعر آل سعود بالحرج عندما تم إجبار خليفة الملك ابن سعود، الملك سعود على التنحي عن السلطة؛ لأنه بدا عاجزاً عن القيادة، فمن السهل التغطية على الضعف"، في نظر العائلة.
ونتيجة لما تقدم يرى الكاتب أنه "في ظل عدم قدرة الملك عبدالله وطموح الأمير سلمان (لنقل رغبة أبنائه في توليه الملك)، وتردد الأمير مقرن الواضح لإظهار نفسه أنه القائد القادم المحتمل، فإنه من السهل فهم ترقب السعوديين لصعود الأمير سلمان المحتوم للسلطة، وهذا المنطق يرجح احتمال قيام الأمير سلمان غير الراغب في زعزعة الاستقرار بتعيين الأمير مقرن ولي عهد له".
ويؤكد هندرسون أن "هذا السيناريو ليس ضرورياً، فصعود الأمير سلمان للعرش يعطيه الحق بتعيين ولي عهده الذي يختاره، صحيح أن الملك عبدالله اخترع منصب (نائب ولي العهد)، ووضع الأمير مقرن في هذا المنصب، لكن هذا لا يضمن ترفيعه لمنصب ولي العهد. خاصة أن محاولة الملك عبدالله الحصول على تعهد من كبار الأمراء لتأمين موقع الأمير مقرن لم تلق إجماعاً، ولهذا فيمكن للأمير سلمان إلغاء خطط الملك عبدالله إن تولى العرش، ويقوم بتعيين شقيقه، الذي تم تجاوزه، الأمير أحمد ولياً للعرش. ومع ذلك فتركيز السلطة في يد السديريين مرة أخرى قد يجد معارضة من الجناح غير السديري".
ويستدرك الكاتب بأن "هذا كله لا يجيب على السؤال حول مصير العرش السعودي، وإلى أين يذهب بعد الأمير مقرن؟ فمع رحيل أو عجز أبناء آل سعود كلهم، فمن سيتولى الحكم من أحفاده؟".
وهنا يقول هندرسون: "في ضوء الدور المركزي الذي تؤديه السعودية في التحديات الحالية التي يواجهها الشرق الأوسط، من الضروري أن تكون وراثة السلطة سلسة"، متسائلاً: "هل تقوم واشنطن والعواصم الغربية بتشجيع آل سعود للسماح للأمير سلمان، الذي يملك خبرة عظيمة وقدرات قيادية للظهور، ليتولى المركز الأول؟".
ويخلص الكاتب إلى أن "هذا الموضوع هو واحد من النقاشات التي يجب أن تطرح في المؤسسات المحافظة داخل قصور الرياض، ففي ضوء التحديات الإقليمية التي تواجه الشرق الأوسط، فإن أي قرار مضطرب حول القائد قد يهدد مستقبل آل سعود".