لا شيء يذكّر
اليمنيين برئيسهم الانتقالي "المنتهية شرعيته" غير سيل برقيات التعازي التي لا تتوقف، وهذا مؤشر على حياة رجل حصل تدمير هائل لنفسيته، حتى انعدمت مفردات الحياة والبناء والتنمية والأمن من قاموس لغته الرئاسية، وصار يحمل مفردات العزاء والرثاء وتمجيد الموتى، وحمل لنا
الموت أكثر مما بشرنا بالحياة، وكأنه حاكم فرعوني، يقضي فترة حكمه في بناء هرم سيكون قبره عندما يموت.
أما سلفه صالح فقد ذهب إلى أبعد من ذلك وقال "لقد متُ 112 يوم في مستشفيات
السعودية".. في إشارة إلى إصاباته الخطيرة في حادثة تفجير جامع الرئاسة في 3 يونيو 2011 وعاد بعدها يصنع الموت لخصومه، وتحالف مع الحوثي ومنحه القوة ليستخدمه في تصفية حساباته، وضلل السعودية ودول الخليج بمعلومات عن القوة الحوثية، ليزج بها طرفاً في الصراع، انتقاماً من دورها الضاغط من أجل خروجه من السلطة.
ولأن السياسة فعلٌ حيٌ لا يموت، يستحال أن تظل الأوضاع اليمنية على هذا القدر من الفلتان وتآكل قيمة الدولة، ويقف الجميع متفرجون، الشعب ونخبه السياسية ودول الجوار والمجتمع الدولي، ولابد من فعل –أي فعل- يعيد للحياة حركتها، وأعتقد أن مؤشرات كثيرةً تشير باتجاه التحرك من أجل إنقاذ اليمن..
وبحسب معلومات هامة أن الرئيس هادي بعث مدير مكتبه أحمد بن مبارك الخميس 18 ديسمبر الماضي إلى أبوظبي للقاء لجنة صياغة الدستور هناك، وطلب منها الإبطاء في إعداد الدستور لأن الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية تريد دستوراً مكتملاً خلال الشهور الثلاثة القادمة، حتى يمكن الاستفتاء عليه ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية، وهادي لا يريد مغادرة السلطة حتى وأن بقي فيها "صورياً"، وهذا لا يعفينا من التفكير باحتمال آخر قد يفعله هادي، وهو ترك السلطة سراً أو جهراً ومغادرة البلاد، ومعلومات عسكرية أخرى تفيد بتحركات حوثية لتشكيل مجلس عسكري للإطاحة بهادي وإدارة البلاد، وإجراء انتخابات شكلية يديرها الحوثيون ويصعّدون من يشاءون إلى الحكم، ويديرونه من الخلف، مع أنهم مستفيدون تماماً من بقائه في السلطة، لأنه ترك لهم الحكم والتصرف بالدولة ومؤسساتها وصرف وتعيين وعزل من يشاؤون تحت توقيعه واسمه، وبقي هادي خانعا قابعا في بيته لا يسأل عن وطنه أو شعبه الذي منحه الثقة، وذهب إلى أبعد من ذلك وفكك جيشه، ودمر قوته، وصار منفذ أوامر، أو بالأصح أمين صندوق لا أكثر.
وتقول ذات المعلومات أن صالح ونجله أحمد يسعون للإيقاع بين هادي والحوثيين من أجل تقديم "العميد أحمد علي" منقذاً لليمن ومدافعاً عن النظام الجمهوري في وجه الإماميين الجدد، وربما يصل مع الحوثيين إلى صيغة حكم مشتركة، تمكنهم من توسيع دائرة نفوذهم العسكري والمذهبي، مقابل تمكينه من الحكم، وهذه فرضية استبعدها، لأن الرغبة الأمريكية في الوقت الراهن لا تريد لأحد أن ينافس الحوثي في نفوذه وتوسعه، بل إن هادي والحوثي كلاهما يعملان ضمن المشروع الأمريكي الإيراني لإعادة هيكلة وتقسيم الجزيرة العربية، ولأن اليمن من الناحية الجغرافية هي القاعدة التي تستند عليها جزيرة العرب فقد تم اختيار اليمن لتكون منصة الانطلاق لهذا المشروع المظلم، لذلك يجب ألا نعول على هادي أو نسأل أين هو، ولماذا فعل بشعبه كل هذا، ولماذا ترك الوطن مستباحا تحت تصرف المليشيا لأنه هو واحد منهم، وهو الحلقة الأهم في تنفيذ هذا المشروع الأمريكي الإيراني.
وتنكشف العلاقة الهادية الحوثية كل يوم حتى أصبح رئيس الدولة يستمد شرعيته من وجود مليشيا راضية عنه، ويستقوي بها ضد القوى السياسية والاجتماعية الأخرى التي تريد بنا دولة مدنية أو على الأقل الذهاب إلى انتخابات رئاسية.
الاثنين الماضي ساق هادي مستشاريه إلى مراتع صعدة الجدباء.. قال لهم: اسألوا السيد الشاب عن رؤيته للشراكة.. وتقبل قطيع المستشارين توجيه الراعي وذهبوا إلى حضرة السيد الحوثي..
لم يدركوا أنهم قادة العمل السياسي وأكبر نخبة سياسية في البلاد، ولم يسألوا أنفسهم: إلى أين يجترنا فتى الكهوف، فقد أوصاهم سائس الحظيرة ومربيها أن يسألوا فقط.. لم ينتبهوا أيضاً إلى أن سلوك الحوثي واضح لا يحتاج إلى استفسار.. فقد أقصى الجميع بمن فيهم الدولة نفسها.
ولأنهم من كبار السن لم تسعفهم الذاكرة بمشاهد الوفود الرئاسية بين صنعاء وصعدة قبيل اقتحام العاصمة.. وتبين فيما بعد أنها كانت مسرحية محكمةً بين شاب طامح وعجوز بلا خيال!
قناعتي من اليوم أن هادي والحوثي وجهان لمصيبة واحدة، ويعملان ضمن مشروع أمريكي إيراني واحد ولا خلاف مطلقاً بينهما.. أسألوا أنفسكم: كم مرةً اتخذ هادي سلوكاً أو قراراً ضد الحوثيين..؟ أسألوا أنفسكم: ماذا فعل هادي حيال رجال دولته..؟ أسألوا: أين العميد يحيى المراني؟
والمراني لمن لا يعرفه هو الصندوق الأسود للمخابرات اليمنية (الأمن السياسي) اختطفه الحوثيون من داخل بيته نهاراً جهاراً ويُقال إن التحقيق معه يتم الآن في طهران... وماذا فعل هادي؟!
فعل ما كان خارج التصور الإنساني، لم يخذل رجل دولته فقط، بل وعيّن بدلاً منه شخصاً محسوباً على الجماعة الحوثية!
[email protected]