منذ عام 1917 انطلقت
المقاومة الشعبية في
فلسطين في وجه الانتداب البريطاني، وتصاعدت حدتها بين سنة وأخرى، لتكون أبرز محطاتها انتفاضة الحجارة ما بين عام 1988-1993، وفي الألفية الثانية انطلق نموذج المقاومة الشعبية، قبل عشر سنوات، في قرية بلعين بالضفة الغربية، وحتى اليوم، وانتشر في أكثر من نقاط للمواجهة على الأراضي المهددة بالمصادرة.
واستخدمت قوات الاحتلال العنف والقوة في تفريق فعاليات المسيرات السلمية، فاستشهد العشرات واعتقل وأصيب آخرون، وكان آخر ذلك استشهاد زياد أبو عين رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بعد اعتداء جنود الاحتلال على نشطاء المقاومة الشعبية في ترمسعيا قرب رام الله، ما فتح تساؤلات عدة عن سبب هذا التصعيد الإسرائيلي ضد الفعاليات السلمية وناشطيها.
واعتبر عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول أن "اغتيال أبو عين يعد محاولة لإحباط نهج المقاومة الشعبية الذي يسعى إلى حماية الأرض الفلسطينية من الاستيطان والتهويد الإسرائيلي، خاصة أن المقاومة الشعبية بدأت تتعاظم، ما يشكل ضغطاً على حكومة الاحتلال بشكل كبير".
وأوضح في حديثه لـ "عربي21"، أن الاحتلال رفع من وتيرة العنف والقتل ضد أبناء الشعب الفلسطيني وممارساته التي تتم في مدينة القدس وضد المقدسات، ما يدلل، بحسب العالول، على مدى تأثير المقاومة الشعبية على حكومة الاحتلال.
وذكر أن المطلوب حاليا هو "التوجه إلى كل المنظمات الدولية وتوسيع أشكال التناقض مع الاحتلال وزيادة وتيرة التصدي الميداني لاعتداءات حكومة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني".
ويعتبر الزعيم الهندي الراحل، مهاتما
غاندي، من أبرز من قادوا المقاومة الشعبية، حيث قاد العصيان المدني الذي أقامه الهنود ضد الحكم البريطاني، ونجح عصيان الهنود، ومنحت الهند استقلالها، وأصبح غاندي رمز المقاومة الشعبية فى العالم.
بدوره، أشار خالد منصور عضو المكتب السياسي لحزب الشعب إلى أن "المقاومة الشعبية شكل من أشكال النضال الوطني ضد الاحتلال، وقد تكون هي الأكثر ملاءمةً لظروف شعبنا، والأكثر استجابةً لمعطيات نقاط قوة وضعف سلطات الاحتلال، والأكثر انسجاماً مع توجهات ورؤى الرأي العام العالمي في هذه الظروف وفي هذا الزمن المنظور، هذا إلى جانب أنها تحوز على توافق وطني، وهي رافعة مهمة لتفعيل المشاركة الشعبية التي تراجعت في الفترة الأخيرة".
ودعا منصور في حديثه لـ"عربي21" إلى "ضرورة تقييم أساليب المقاومة بين الحين والآخر، ودراسة الجدوى الناتجة وطبيعة الآثار المتوقعة التي قد تنتج عن ممارسة هذا الشكل أو ذاك من أساليب المقاومة المشروعة بما فيها الكفاح المسلح، بما يؤدي إلى اختيار الأسلوب الأكثر جدوى وفعالية، بما يستدعي ذلك من تقديم أولوية هذا الشكل أو ذاك، في هذا الوقت أو ذاك، وباتفاق وتوافق وطني يقوم على توحيد الإمكانات والجهود والأداء، لضمان النتائج المستهدفة بأقل ما يمكن من الخسائر على الصعيد الوطني، وإيقاع أكبر الخسائر لدى العدو".
وأوضح أن المقاومة الشعبية "جزء من حراك فلسطيني، يقوم على أساس الاستنهاض السلمي للقدرات الفلسطينية في مواجهة الجبروت الإسرائيلي، لاسيما في هذه المرحلة من مراحل الصراع مع الاحتلال".
من ناحيته اعتبر أستاذ العلوم السياسية الدكتور أيمن يوسف في حديثه لـ"عربي21"، أن الاحتلال "قلق من المقاومة الشعبية، ويخشى أن يتطور هذا العمل السلمي إلى انتفاضة، إضافة إلى أن هذا العمل الاحتجاجي مقبول ومدعوم دوليا، ويشكل رافعة للعمل السياسي".
أما عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير الفلسطينية تيسير خالد، فدعا جميع القوى والهيئات والشخصيات الوطنية والديمقراطية والإسلامية إلى "ضرورة توحيد جهودها، ورفع وتيرة نضالها من أجل أوسع حملة شعبية لمقاومة النشاطات الإسرائيلية الاستيطانية".
وقال لـ"عربي21": "إن قمع الاحتلال لوسائل المقاومة الشعبية تتطلب توجيه رسالة إلى المعنيين في القيادة بأهمية وضرورة عدم الموافقة على العودة إلى طاولة المفاوضات وفق الصيغ الملتبسة التي تترك المجال واسعا لحكومة إسرائيل لمواصلة جرائمها، سواء كانت تلك الصيغ فرنسية أو فرنسية معدلة".
وأضاف: "يجب عدم الخوف من مواصلة المقاومة الشعبية بعد استشهاد زياد أبو عين؛ لأن هدف الاحتلال واضح، إسكات الموقف الفلسطيني في ظل التهام الأرض الفلسطينية ليلا نهارا، والإحصاءات خير دليل على ذلك".
واعتبر غسان دغلس مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، أن المقاومة الشعبية أثمرت في تشكيل رأي عام عالمي ضد الاستيطان وممارسات المستوطنين، ورغم ذلك فهي بحاجة لتقييم وتطوير، خاصة أن الهجمة الاستيطانية تزداد يوما بعد يوم، وهناك تناغم بين المؤسسة الإسرائيلية الرسمية ومجموعات المستوطنين المتطرفين.
داعيا في حديثه لـ"عربي21" إلى "توحيد الجهد في المقاومة الشعبية وإسنادها بدعم رسمي، وعدم تركها وحدها في الميدان، وأن يكون هناك رقي بالشكل والإبداع وعدم الاعتماد على نمط واحد؛ لأن ذلك يكسر العادة التي تنقلها عدسات الإعلام، فالاحتلال أضحى يعي خطورة المقاومة الشعبية، وبالتالي يحاول تغيير سياساته من أجل ضمان وقوف الرأي العالمي إلى جانبه".