في تقرير مطول أعده إيان بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط لصحيفة "الغارديان"، وحلل فيه التحديات التي تواجه المملكة الأردنية الهاشمية من تصاعد مشاعر التعاطف مع تنظيم
الدولة الإسلامية. وأشار فيه لسياسة مواجهة التيار السلفي الجهادي، وملاحقة أي من أتباعه ممن يظهر تعاطفاً مع تنظيم الدولة، سواء بالتظاهر أو الكتابة أو عبر صفحات الفيسوك.
ويرى الكاتب أن الدولة الأردنية نحجت إلى حد ما في قمع المشاعر المتعاطفة مع تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها لم تنجح في القضاء على الأسباب التي تدفع شباناً أردنيين للسفر لكل من العراق وسوريا للقتال في صفوف التنظيم والجماعات الجهادية الأخرى، خاصة جبهة النصرة التي تعد ممثل القاعدة في سوريا.
وأشار بلاك في بداية تقريره لجلسات محاكمة عدد من ممثلي التيار السلفي الجهادي في محكمة أمن الدولة، التي أصبحت محاكمات روتينية، وأشار لصرخات أحمد أبو جالوس "نحن مع الدولة الإسلامية وأنتم مع أوباما مع الكفار"، فغرمه القاضي خمسين ديناراً؛ لاستهزائه بالمحكمة إضافة للحكم عليه بالسجن.
ويورد التقرير أن ثامر الخطيب، وهو واحد من 25 متهماً يحاكمون في الأردن بالتعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية، قال "لماذا يحق للناس التعاطف مع بشار الأسد في الوقت الذي يقتل فيه النساء والأطفال؟ ولا يحق له أو لغيره إبداء التعاطف مع الجهاديين".
ويلفت التقرير إلى أن المحامي موسى العبداللات، الذي يرافع عن 17 من المتهمين، يشكو أن المحكمة لا تستمع له ولا تأخذ بالأدلة، وغالباً ما تصدر أحكاماً قاسية على المتهمين، وقال "أشعر بالقلق على هذه الحالات"
ويقول بلاك إن المحاكمات التي تجري للسلفيين الجهاديين، الذين اعترف معظمهم بوضع رسائل مؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو أرسلوا رسائل بيعة لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، هي جزء من سياسة الدولة لمحاربة الفكر التكفيري. ويقول محمد المومني، المتحدث باسم الحكومة الأردنية "نريد حرمان هذه الجماعات
الإرهابية من أي قاعدة دعم أيديولوجي".
ويعتقد الكاتب أن الجهود الأردنية لمحاربة الفكر المتطرف هي تعبير عن تفكير الملك عبدالله الثاني الذي يدعو للإسلام المعتدل، وتقوم الحكومة بحملة توعية لنشره، فيما تم فصل الأئمة الذين يدعون للفكر المتطرف. ويقول المومني إن محاربة التفكير المتطرف هو حرمانه من المناخ المناسب لانتعاشه، مشيراً لقدرة الأردن على التعامل مع هذه الظاهرة واستمرار الحرب الأيديولوجية والأمنية ضدها.
ويبين بلاك أن الأردن يدفع لانتهاج هذه السياسة المتشددة للحد من درجة التعاطف مع
السلفية الجهادية، خاصة أن أبا مصعب الزرقاوي مؤسس تنظيم القاعدة في العراق، الذي قتل في عام 2006، نشأ في مدينة الزرقاء جنوب العاصمة عمان.
ويجد الكاتب أنه رغم ملاحقة الدولة للسلفيين الجهاديين واعتقال منظرها (أبو محمد المقدسي) إلا أن عمر محمود عثمان (أبو قتادة) الذي سجن في بريطانيا، ورحلته الحكومة البريطانية إلى الأردن، حيث حوكم وبرئت ساحته من التورط في قضايا الإرهاب، شجب تنظيم الدولة الإسلامية وفكره المتطرف وأخذ عليه قتله الأجانب.
ويذهب بلاك إلى أن الاعتقالات ومحاكمات المتعاطفين مع الجهاديين زادت بشكل كبير بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل في حزيران/ يونيو. وما سهل عمل السلطات القضائية هو التعديل في قانون مكافحة الإرهاب.
ويذكر بلاك أنه لا يعرف عدد الأردنيين الذين يقاتلون في سوريا، ويعتقد أنهم في المرتبة الثالثة بعد التونسيين والسعوديين، ويقدرهم البعض بحوالي 2.000 وهناك 250 منهم قتلوا في المعارك.
ويرى الكاتب أن خطر المقاتلين في الخارج هو أقل من الخطر الداخلي، خاصة أن تنظيم الدولة أصدر تهديدات للنظام الأردني. ويشير إلى فيديو " رسالة إلى طاغوت الأردن"، الذي وجه فيه ولد صغير رسالة للملك عبدالله، وقام بحرق جواز سفره، وأثنى على أبو مصعب الزرقاوي. وينقل الكاتب قوله إن الأردن "دولة ليست قلقة من تصدير الإرهاب بقدر قلقها من قيام أشخاص في الزرقاء بصناعة قنبلة بيتية".
وفي هذا السياق يقول بلاك إن هناك خلافاً حول عدد المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية، رغم أن الحكومة تشجب الصحافة بالمبالغة في تقدير أعدادهم. ويرى مروان شحادة، الذي كان ناشطاً سلفياً ويعمل باحثاً، أن عدد المتعاطفين مع تنظيم الدولة يتراوح ما بين 8.000 – 10.000 شخص، ومعظهم ظهر بعد انتصارات التنظيم في العراق، وهم غير منظمين.
ويعد الأردن من الدول التي تشارك بقوة في التحالف ضد تنظيم الدولة، ويقول شحادة "لقد ارتكب الأردن خطأ بالدخول في التحالف الدولي"، مضيفاً أن الولايات المتحدة "ضغطت على الأردن لمنع التنظيم من الوصول للحدود مع إسرائيل"، بحسب الصحيفة.
ويعرض التقرير لرأي خبير الاستطلاعات معين خوري بأن المتعاطفين مع تنظيم الدولة دعموه بسبب الظلم والغضب على أميركا وإسرائيل "ويشعرون أن الإسلام يتعرض لهجوم صليبي، والآن لا يوافقون على قرار الأردن المشاركة في التحالف". ويصف الوزير السابق والسياسي المعروف عدنان أبو عودة موقف الحكومة بأنه كمن "يسير على حبل مشدود".
ومن هنا يربط الكاتب انتشار التعاطف ليس بأيديولوجية تنظيم الدولة فقط، ولكن بالفقر والشعور بفقدان الأمل خاصة بالنسبة للشباب. ويرى دبلوماسي غربي "تسمع الكثير من القصص عن شبان ساخطين سافروا إلى سوريا"، مضيفاً أن "هؤلاء هم شبان لم يتلقوا تعليماً عالياً ودون وظائف ولا يوجد لديهم شيء يخافون عليه، فأي راتب يحصلون عليه من التنظيم سيكون أفضل مما يحصلون عليه في بلادهم".
ويلفت التقرير إلى أن هناك أحاديث في الأردن عن الحياة في ظل تنظيم الدولة والمغريات، التي يمكن الحصول عليها حالة السفر للموصل، راتب 400 دولار وزوجة، والمعيشة في ظل الدولة الإسلامية. وتقول شائعات أن أرامل القتلى تلقين رواتب تقاعدية من التنظيم.
ويعتقد الكاتب أن القمع الذي مارسته الأجهزة الأمنية ترك أثره، ففي مدينة معان، جنوب الأردن اختفى علم التنظيم بعد رفعه على أحد جوامعها هذا الصيف. وفي حي نزال في مدينة عمان تنتشر الشعارات الجدارية "الموت لإسرائيل"، وتلك التي تمجد مقاومة غزة، لكن لا يوجد ما يشير للتعاطف مع تنظيم الدولة.
ويخلص بلاك إلى أنه رغم نجاح المخابرات في مواجهة التحديات التي يمثلها تنظيم الدولة، وتعاون الناس مع جهودها، إلا أن ما تحتاجه البلاد، حسب أبو عودة، هو إصلاح سياسي "حتى لو هزمت تنظيم الدولة في الميدان فإنك لن تدمرها"، مبيناً "من أجل قتل الفكرة، فأنت بحاجة للإصلاح في العالم العربي، وساعد تنظيم الدولة من هم غير جادين في
الإصلاح وأعطاهم مبرراً".