القات، منشط عشبي قوي، يمضغ في منطقة القرن الأفريقي منذ عدة قرون، حافظ على شعبيته القوية في الشوارع الإثيوبية على الرغم من سلسلة من قرارات الحظر التي استهدفت صادرات أوراقه
المخدرة في جميع أنحاء العالم بسبب الآثار السلبية الناجمة عن مضغه.
"لأكثر من 1400 سنة، كان يمضغ القات في إثيوبيا، ومنطقة القرن الأفريقي (تضم جيبوتي والصومال، وإريتريا، ويجاورها كينيا وأثيوبيا) وشبه الجزيرة العربية".. هكذا استهل حديثه لوكالة الأناضول "داويت أبيبي"، وهو أحد كبار الباحثين في "معهد الصحة العامة الإثيوبي".
وأوضح "أبيبي" أنه بمرور تحول القات إلى منشط استهلاكي شامل، تنامت شعبيته بين الناس من مختلف الأديان والأعراق والمهن وفئات الدخل.
وينتج القات، وهو نبات طبيعي مخدر (على نحو خفيف)، أوراقا خضراء حامضية قابلة للمضغ، وطالما كانت تتم زراعته وتداوله واستهلاكه بشكل
قانوني، في إثيوبيا لعدة قرون، ويزرع أيضا في بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، غير أنه تم حظره في المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا، وسويسرا، والسويد.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن مستخدمي القات عرضة للإصابة بمجموعة من الأمراض، مثل السل والأنيميا (فقر الدم)، والعجز الجنسي.
ولكن لا يبدو أن هذا يثير قلق الإثيوبيين، حيث أصبح المخدر المحلي يحظى بشعبية، ورائجا بصورة قانونية في البلاد باعتباره عشبا مخدرا، وتدر تجارته عدة ملايين من الدولارات، وتتمتع بدعم اجتماعي.
وبحسب، سليمان تيفيرا، وهو طبيب نفسي ومحاضر في جامعة "أديس أبابا"، القات "مخدر عشبي قديم" في إثيوبيا.
وفي حديث لوكالة الاناضول، أضاف "تيفيرا": "يقول البعض إن القات نشأ في
اليمن، ولكن اكتشف عدد من الباحثين أن منطقة هراري الواقعة في شرقي إثيوبيا هي منشأه".
وتابع: "سكان المجتمعات المحلية في أنحاء كثيرة من إثيوبيا، يمضغون القات أثناء حفلات الزفاف، والجنازات، والعلاج، والعمليات، والصلوات الدينية حتى الإسلامية".
من جانبه، قال "آديم نيسرو"، مالك أحد متاجر القات في أديس أبابا، إن إمدادات القات جديدة تصل يوميا في الصباح الباكر إلى السوق.
وأضاف في حديث للأناضول: "نبيع نوعا من القات، يسمى بيليتش تتراوح أسعاره بين 2 و4 دولار".
وبعد شراء حصتهم، يُقطع الزبائن أوراق القات، ويلوكونها ويخزنونها داخل الفم لساعات، وأحيانا يحلونها بمشروب الكولا، والفول السوداني أو السكر.
وأمام متجر قات "نيسرو بيليتش"، شمالي العاصمة، تحدث دانيال أليمو (25 عاما)، الذي كان يمضغ العشب المخدر، قائلا: "أنا أمضغ القات يوميا، إنه يعطيني الطاقة، ويبهج أحلامي وآمالي".
فيما قال إلياس، (37 عاما)، الذي يعمل باحثا في قطاع الأعمال المهنية، إنه يمضغ القات "لزيادة كفاءته".
وأضاف "إلياس" في حديث للأناضول: "نحن نشارك في أنشطة اجتماعية أيضا، ونتبادل الأفكار، ونتناقش بحرية، ونقرأ الكتب ونروح عن أنفسنا بينما نمضغ القات".
وبشأن التأثير الذي يحدثه مضغ القات، أوضح "تيفيرا" أنه "يؤدي إلى إدمان خفيف، ولكنه ليس قويا مثل أنواع المخدرات الأخرى، حيث ينتشي الماضغون ويصلون إلى ميركانا (كما يطلق عليه باللغة الأمهرية)، في غضون ساعتين أو ثلاث ساعات".
وبحسب "تيفيرا"، يبلغ الأمر ذروته، عندما يشعر الماضغون بـ"زيادة اليقظة والنشوة"، ولكن كل هذه المشاعر الجيدة لها ثمن.
ووفقا لـ"تيفيرا"، تتراجع هذه الآثار بعد بضع ساعات، "وعندما تخمد هذه المشاعر، يدخل الماضغون في حالة مزاجية من الاكتئاب، واليأس، والخوف من أرق غير معروف المصدر، لكن عدم انتظام ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم هي الآثار الفورية".
وعلى المستوى التجاري، تصدر إثيوبيا القات إلى العديد من الأسواق في المنطقة وخارجها.
وفي حديث لوكالة الأناضول، قال المتحدث باسم وزارة التجارة، عبد الرحمن سعيد، إن "إثيوبيا ربحت من تصدير القات عام 2013-2014، حوالي 297 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل عائدات التصدير عام 2014-2015، إلى 331 مليون دولار".
وفي حين تقدر أعداد المزارعين المشاركين بصورة مباشرة في صناعة القات بأكثر من ثلاثة ملايين، لا تشجع أو تمنع الحكومة الإثيوبية هذه التجارة، ولم تدرج القات في برنامج تنمية المحاصيل، وفقا للمتحدث باسم وزارة الزراعة، وونديمو كيبيدي.
ويأتي صمت الحكومة، بينما تتعالى الأصوات المعارضة للقات، حيث يطالب النشطاء والجمعيات الصحية بحظره، وإغلاق متاجر القات، والبيوت المخصصة لمضغه.
وخلافا لهذا الرأي، يعتقد الطبيب "تيفيرا" أن "هذا ليس نهجا واقعيا. فلا يمكن تدمير الأراضي الزراعية، وقطع سبل عيش الملايين، وتغيير العرف الاجتماعي بين عشية وضحاها".
واختتم حديثه بالقول: "ومع ذلك، فإنه حري بنا السيطرة على آثاره السلبية بشكل أو آخر. ولكن هذا قد يستغرق سنوات عديدة".