واشنطن بوست: هذه خفايا العلاقة بين أمريكا والإمارات

هل أصبح اسم دولة الإمارات "أسبرطة الصغيرة"، هذا ما يوضحه تقرير كتبه مراسل صحيفة "واشنطن بوست" راجيف تشاندراسيكران، الذي كتب من قاعدة الظفرة الجوية التي تنطلق منها، ومنذ ستة أسابيع، الطائرات الأميركية في طريقها لرمي حممها على كل من سوريا والعراق. 

علاقات جيدة

يقول الكاتب إن وجود الأميركيين في قاعدة الظفرة، الذي لم تعلن الولايات المتحدة عنه رسميا، يعد جزءا مهما من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة. فعبر مدرجي القاعدة الجوية شنت المقاتلات الأميركية، بينها مقاتلة  "اف-22 رابتور"، غارات أكثر  من قاعدة عسكرية في المنطقة.  وترافق مقاتلات إماراتية الطائرات الأميركية في مهمات ضد "داعش"، حيث تعتبر الدولة الأنشط في الغارات من بين دول المنطقة، التي انضمت للتحالف الدولي بقيادة أميركا ضد "داعش".
ويضيف الكاتب أن التعاون في الظفرة وفي الأجواء فوق سوريا هو نتاج علاقات تتطور بسرعة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. 

ويشير التقرير إلى أنه في الوقت الذي شهدت العلاقات الأميركية في العقد الماضي مع دول المنطقة العربية سلسلة من التوترات، إلا أن التحالف مع الإمارات العربية قوي بطريقة مثيرة للدهشة، وزادت قوته بعد مشاركة الإمارات في الحرب الأفغانية، والتشارك في المصالح حول صعود التشدد الإسلامي والملف النووي الإيراني.

وتنقل الصحيفة عن أنطوني زيني، القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، قوله إن الإمارات العربية المتحدة انطلقت بشكل كامل. ففي الوقت الذي توترت فيه العلاقات الأميركية مع حلفائها القدامى في المنطقة، السعودية وتركيا، وواجهت مصر والأردن مشاكل محلية، تحتل الإمارات موقعا بارزا في المنطقة. 

ويتابع زيني للصحيفة "إن علاقة الولايات المتحدة معها تعد العلاقة الأقوى مع أي دولة في العالم العربي اليوم". 

وتلفت الصحيفة إلى أن ما لا يعرفه البعض أو قلة، هو تمركز حوالي 3.500 جندي أميركي في قاعدة الظفرة، وهي القاعدة العسكرية الوحيدة التي تملك مقاتلات "اف-22"، ولم يتم تعريف القاعدة من ضمن القواعد  المتوفرة لدى الأميركيين؛ لخشية حكام الإمارات من غضب المواطنين.

وتستدرك "واشنطن بوست" قائلة إن المسؤولين الإماراتيين خففوا من القواعد التي تعتم على الدور الأميركي في دولتهم، في أثناء زيارة مراسل الصحيفة للقاعدة، والسبب، كما يقول، هو قلق المسؤولين من أن التعتيم على دورهم قد قاد البعض لعدم الاعتراف بالمساهمة التي تقوم بها الإمارات، التي لا يعرف بها سوى عدد من المسؤولين في البنتاغون، خاصة أن هذا البلد يحاول إقناع الرئيس باراك أوباما ببيعه مقاتلات متقدمة وتبني موقف متشدد تجاه إيران. 

نحن مختلفون

وينقل التقرير عن يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن قوله "نحن مختلفون عن جيراننا"، مشيرا لمشاركة بلاده في حرب الخليج الأولى عام 1990، ومشاركتها في كوسوفو والصومال وليبيا وأفغانستان، بالإضافة للحملة الحالية ضد "داعش". وأضاف العتيبة "نحن أخلص أصدقائكم في ذلك الجزء من العالم".

ويجد التقرير أن التحالف يمتد أبعد من الحرب الجوية، فيعتبر جبل علي الميناء في مدينة دبي من الموانئ التي تتوقف عندها البحرية الأميركية. واحتفظت الإمارات بقوات خاصة في أفغانستان لمدة 11 عاما، قامت بعمليات ضد طالبان ودربت قوات الكوماندوز الأفغانية بالتعاون مع الأميركيين.

ويبين الكاتب أن العلاقات الأميركية القريبة أثارت انتباه البعض في واشنطن والشرق الأوسط، ولكن القلق جاء من بعض الدوائر غير المتوقعة. فحكومة إسرائيل وداعموها في الولايات المتحدة كانوا داعمين، وإن بطريقة غير معلنة، لعملية تسليح الإمارات العربية المتحدة؛ بسبب القلق المشترك بين البلدين بشأن الطموحات النووية الإيرانية، وتزايد قوة الإسلاميين في العالم العربي.  

ويقول مسؤول عربي بارز من دولة عربية مؤثرة "يريدون أن تكونوا  أصدقاءهم"، مبينا "والسبب أنهم يريدون جركم لمعاركهم"، وفق التقرير.

لماذا الإمارات؟

وتذكر الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين يرون أن ما يجعل الإمارات استثنائية، هو مجموعة من العوامل المجتمعة؛ الثروة التي مكنت الدولة لشراء أحدث الأسلحة، وتمويل برامج تدريب مكثفة، واستعدادها لوضع قواتها في مناطق خطرة من خلال المشاركة في عمليات التحالف. فمن عام 2012 حتى بداية العام الحالي أرسلت الإمارات العربية ست مقاتلات "أف-16"؛ لدعم عمليات الناتو في افغانستان. وجاء نشر القوات الإماراتية في قندهار في وقت كانت فيه قوات الدول الأوروبية تقلل من مستوى وجودها في البلد.

ويذهب التقرير إلى أن مشاركة الإمارات لم تكن للاستعراض، فقد سمح للطيارين الإماراتيين للقيام بعمليات دعم جوي ولحماية قوات التحالف. وفي عدد من المناسبات اعتمدت القوات الأميركية في جنوب أفغانستان على الطيارين الإماراتيين لقصف طالبان، كما يقول المسؤولون الأميركيون والإماراتيون.

ويشير الكاتب إلى أن الإمارات واستراليا هما الدولتان غير العضوين في الناتو ممن سمح لهما القائد العسكري للقوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جون ألن، بالمشاركة في مهمات جوية. ووافق كما يقول ألن؛ لأن أداء الطيارين الإماراتيين "كان جيدا جدا ".

وتنقل الصحيفة عن الجنرال جيمس ماتيس، الذي قاد القوات الأميركية في الفترة ما بين 2010- 2013، قوله "لم يكونوا مستعدين  للقتال، ولكنهم كانوا محاربين عظماء". وأضاف قائلا إنه في داخل القيادة العسكرية "هناك احترام واعجاب لكل ما فعلوه". وقال إنه وقادته أطلقوا على الإمارات اسم "أسبرطة الصغيرة".

حليف صغير يتجاوز دوره

ويوضح التقرير أن الإمارات بلد صغير يتكون من سبع إمارات صغرى، تقودها عائلات متعددة، كان يمكنها التركيز على بناء جيش صغير يركز على القضايا المحلية، واستعانت بالدولة الكبيرة وهي السعودية؛ لحمايتها من إيران. لكن ولي العهد في أبو ظبي، الإمارة التي تدير شؤون الخارجية والدفاع، لم يكن يريد لها أن تكون مدينة بالفضل للسعودية. ولهذا كانت سياسة توسع الإمارات مدفوعة بالبراجماتية والاعتزاز بالنفس، فمع زيادة ثروة الإمارات، ليس فقط من النفط ولكن من خلال تحولها لمركز للتمويل والتجارة في المنطقة، حاول ابن زايد بناء جيش قوي يستطيع إظهار القوة أبعد من حدود الإمارات. وقام برنامج تحديث الجيش بشراء أحسن وأكثر الأسلحة تقدما يمكن للدولة الحصول عليها، فمقاتلات "إف-16"، التي زودت برادارات وأدوات للتزود بالوقود تجعلها قادرة على القيام بمهام عسكرية طويلة، أحدث من تلك التي تملكها الولايات المتحدة. ووافقت الأخيرة في العام الماضي على بيع نوع جديد من القنابل من أجل استخدامها في غارات جوية.

وتعلق الصحيفة أنه على خلاف الدول الخليجية الأخرى، التي توقع صفقات كبيرة للأسلحة، اختارت الإمارات استخدام ما لديها، وتقوم قواتها بتلقي دورات تدريبية مكثفة مثل تلك التي تقوم بها القوات الأميركية، وفي دورات تدريبية مشتركة في صحراء موجاف وفي أجواء صحراء نيفادا. وأقامت الإمارات مركزا للحروب الجوية في قاعدة الظفرة، والذي يدار بطريقة مشتركة مع القوات الجوية الأميركية.

وتفيد الصحيفة أن ما هو غير عادي حول الإمارات، كما يراه المسؤولون الحاليون والسابقون في الإدارة الأميركية، هو استعداد الشيخ محمد بن زايد إرسال الجيش الإماراتي للمشاركة في الحروب، فقد أرسل أفرادا من القوات الخاصة لأفغانستان عام 2013. وتم نشر 1200 جندي إماراتي، ما ساعد على توثيق الصلات بين الإمارات والولايات المتحدة. ويقول أحد قادة القوات الخاصة الإماراتيين "تعرضنا لإطلاق النار معا، وهو ما زاد من  شكيمة جنودنا، واختبرنا أكثر من أي طريقة في ظروف حقيقية".

ويعتقد الكاتب أنه رغم حديث المسؤولين الإماراتيين عن المهمة في أفغانستان بعبارات متوهجة، وما قاموا به من بناء مساجد وعيادات صحية، إلا أن المهمة بالنسبة للمسؤولين الأميركيين كانت أبعد من كونها مهمة خيرية. 

وبحسب مسؤول أميركي بارز له علاقة بالعمليات في الشرق الأوسط "بالنسبة لهم كانت المهمة في أفغانستان تتعلق ببلد آخر: إيران، فقد كانوا يريدون تحضير أنفسهم  لمواجهة حرب محتملة مع إيران"، بحسب الصحيفة.

المشروع النووي

ويورد التقرير أن تطوير إيران لبرنامجها النووي قاد الإماراتيين لتعديل طريقة استخدام الأميركيين لقاعدة الظفرة. ففي عام 1990 عندما قامت الولايات المتحدة بوضع طائرات في القاعدة طلبت أبو ظبي عدم إرسال مقاتلات، ولكن طائرات تزود بالوقود. كما تم توقيع تعاون عسكري سري بين البلدين، يحدد دور أميركا في الدفاع عن الإمارات ضد التهديدات الخارجية.

ويستدرك الكاتب بأن هذه القيود تم تخفيفها خلال السنوات اللاحقة، فجاءت أولا طائرات التجسس "يو-2"، التي تحلق على مسافة 70.000 قدم. ثم سمحت الإمارات في عام 2012 للولايات المتحدة لإعادة نشر سرب طائرات "إف-15سي" من قاعدة باغرام الجوية قرب كابول، ووصلت في العام الماضي مجموعة من طائرات "إف-22"، وكذلك طائرات بلاكهوك وعدد من طائرات درون- دون طيار. 

ويؤكد التقرير أن الوجود الأميركي في الإمارات لا يزال في مرحلته الأولى، حيث يعيش الجنود في خيام مكيفة وليس منشآت دائمة. ويعتبر الأميركيون القاعدة حيوية للعمليات في أفغانستان والعراق وسوريا، "إنها قاعدة رئيسية لأهم أرصدتنا في المنطقة".

يمكننا القيام بالمهمة

وتكشف الصحيفة أن القيادة العسكرية الأميركية، وقبل قرار الرئيس باراك أوباما القيام بغارات جوية ضد "داعش" في سوريا، قد دعت قادة من الإمارات لقاعدة العديد في قطر، مركز القيادة الوسطى. وقدم العسكريون الأميركيون لنظرائهم الإماراتيين قائمة بالأهداف التي يمكن للطائرات قصفها في سوريا. وبحسب من حضروا الجلسة فقد اعترض الإماراتيون، وقالوا إن الطيارين الإماراتيين يرغبون بدور أكبر. وبحسب ضابط "قالوا: نريد أن نفعل هذا وذاك، ويريدون ضرب الأهداف بقوة وتقديم طائرات، وقدموا أكثر مما طلب منهم". ووافق الأميركيون، وعاد الفريق الإماراتي لقاعدة الظفرة، ولم يكن لديه سوى 30 ساعة للتحضير وفحص الأهداف، ولكنهم استطاعوا المشاركة في الموجة الأولى من الغارات.

وبحسب التقرير فقد حلقت الطائرات الإماراتية مثل الأميركية قريبا من صواريخ أرض- جو تابعة للنظام السوري، رغم أنها كانت قد تلقت دليلا على موافقة نظام الأسد على العملية. ومنذ تلك العملية يقوم الطيارون الإماراتيون بمهام جوية. يقول قائد سلاح الجو الإماراتي، الجنرال إبراهيم العلوي "نحن جزء أساسي في العملية، لقد أظهرنا أننا قادرون على القيام بالمهمة".

وترى الصحيفة أن حماس الإمارات لضرب "داعش" يرجع لعدم تسامحها مع التشدد الإسلامي، رغم أنه لا يبدو مصدرا لتهديد محلي على البلاد، فالبلد لديه قوات أمنية قوية. وتخشى أبو ظبي من انتشار آثار الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا. ويقول وزبر الدولة في الخارجية الإماراتية أنور قرقاش "لن نحصل على الاستقرار في حالة وجود نار حولنا". ويذكر التقرير بمشاركة طائرات "إف-16" الإماراتية بضرب أهداف ضد الإسلاميين في ليبيا وذلك في آب/أغسطس.

وتختم الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أنه رغم دهشة الأميركيين من العملية، إلا أن مسؤولا أميركيا قال إن أفضل طريقة للحل على المدى البعيد هو التحاور مع العناصر المعتدلة من الإخوان المسلمين، وهي خطوة لا تجد دعما قويا من الإماراتيين. ويقول مسؤول إماراتي بارز "لا نؤمن بالتعاطف مع المتطرفين"، مضيفا "ولا نعتقد أنه يجب على اصدقائنا الأميركيين أن يتعاطفوا أيضا".