كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن تعاون أميركي-
إيراني في أفغانستان رغم
العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب مشروعها النووي. ففي السنوات الأخيرة من الاحتلال الأميركي لأفغانستان كافحت واشنطن لدعم الاقتصاد الأفغاني، الذي يعاني من فقر الدم، ومن هنا التفتت إلى التعاون مع حليف غير عادي.
وتشير الصحيفة إلى أنه رغم عدم وجود علاقات رسمية بين البلدين إلا أن وحدة متخصصة للمهام الطارئة، تابعة لوزارة الدفاع الأميركية وتعمل في أفغانستان، حاولت التعاون مع إيران؛ للترويج لمشاريع اقتصادية في داخل البلاد.
وتدخلت وحدة المهام الخاصة مرتين العام الماضي؛ للحصول على إذن من الحكومة الأميركية لطلب مساعدة إيران في إنشاء أول مصنع للأدوية وتطوير أربعة مناجم، وذلك حسب وثائق اطلعت عليها الصحيفة.
ويجد التقرير أنه رغم تعثر التعاون مع إيران أخيرا، إلا انه يظهر المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الجيش الأميركي لتسويق فرص الاستثمار في أفغانستان، وتعويض مليارات الدولارات، التي أنفقتها الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها خلال الـ13 عاما من الاحتلال العسكري.
وترى الصحيفة أن مطالبة
البنتاغون للحصول على معاملة استثنائية من العقوبات الأميركية على النظام الإيراني تظهر نوعا من البراغماتية، فتشجيع الاستثمار في أفقر دولة بالعالم قد يتقدم في بعض الحالات على عملية تشديد نظام العقوبات على إيران.
وينقل التقرير عن مسؤول وحدة المهام الخاصة للاقتصاد وعمليات تعزيز الاستقرار التابعة للبنتاغون، جوزيف كاتالينو قوله "لا يمكن تجاهل إيران عندما يتعلق الأمر بأفغانستان، فهي شريك مهم للأفغان من عدة طرق".
وتعلق الصحيفة على أن التعاون البسيط هذا يعد مثالا صغيرا على جهود إدارة الرئيس باراك أوباما الحذرة، والسماح بعلاقات تقارب بين أميركا وعدوها الألد إيران، مما يسهل من عمل الإدارة في كل من سوريا والعراق وأفغانستان.
ويلفت التقرير إلى أن العلاقات بين البلدين شهدت ذوبانا للجليد من مكالمة الرئيس أوباما للرئيس حسن روحاني إلى المحادثات المتعلقة بالملف النووي، وتحاول البلدان إصلاح علاقاتهما، وهو ما يثير غضب كل من إسرائيل والسعودية الخائفتين من نوايا إيران.
ويقول نقاد الإدارة إن محاولة البنتاغون التعاون مع إيران أرسل رسالة خطيرة في وقت تجري محادثات بين إيران وست دول تهدف إلى منع طهران من تطوير أسلحة نووية، بحسب الصحيفة.
ويقول السناتور الجمهوري عن ولاية إلينويز، مارك كيرك "لهذا السبب ينظرون إلينا كنمر من ورق، فمن الصعب تمرير رسالة لإيران أنك لن تتسامح، في الوقت الذي يقوم فيه موظفون في وزارة الدفاع بمنح إيران مزايا خاصة، ويمثل هذا عدم انسجام في إدارة أوباما".
ويضيف كيرك للصحيفة "لا أحد ينكر محاولة الإيرانيين الوصول إلى داخل الحدود الأفغانية، ولكن أن يقوم الأميركيون بمساعدتهم فهذا مثير للدهشة، ويجعل من المحادثات النووية أمرا عبثيا".
ويبين التقرير أن كاتالينو آخر مسؤول من مسؤولي البنتاغون، الذين أداروا وحدة المهام الخاصة لتطوير مشاريع اقتصادية في أفغانستان. وقد بدأت الوحدة في العراق عام 2006؛ لتشجيع الاستثمار فيه، ومن ثم تحولت في اهتمامها إلى أفغانستان.
ويتابع التقرير بأنه منذ عام 2009 حاولت وحدة المهام تشجيع رجال الأعمال الدوليين للاستثمار في البلد، ولكن النجاح كان قليلا؛ نظرا لانتشار العنف والفقر وعدم استقرار الحكومة والمستقبل غير الواضح، خاصة في ظل تخفيض الولايات المتحدة والدول الحليفة وجودها العسكري هناك.
وتذكر الصحيفة أن هناك مئات من الشركات الإيرانية التي تعمل داخل أفغانستان، وتحاول إيران وبشكل مستمر منافسة وأخذ المبادرة من باكستان.
وبالنسبة لطهران فحضورها التجاري في أفغانستان سيؤدي إلى موازاة التدخل العسكري الأميركي في الدول الواقعة إلى شرق غرب أفغانستان، بحسب التقرير.
وتذهب "وول ستريت" إلى أنه رغم توقف صندوق النقد الدولي عن جمع الإحصائيات عن صادرات إيران إلى أفغانستان، ومن 30 عاما، إلا أن الصادرات الإيرانية لأفغانستان تظهر زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة من 9.2 مليون دولار في عام 2009 إلى 16.8 مليون دولار عام 2013.
ويفيد التقرير أن قادة إيران تعهدوا بمساعدة اقتصاد أفغانستان ومساعدته على التعافي. وأخبر الرئيس الإيراني حسن روحاني نظيره الأفغاني، في مكالمة يهنئه على تسلمه السلطة في الشهر الماضي، أن العلاقات الوثيقة بين البلدين هي مفتاح الأمن الإقليمي.
وتستدرك الصحيفة بأن الجهود الأميركية لدعم دخول إيران في السوق الأفغانية تظل غير عادية، والتحرك في حقل ألغام المنطقة كان التحدي الأكبر. ففي كل المشاريع التي حاول البنتاغون إدخال إيران فيها كان بحاجة للحصول على رخص من وزارة الخارجية الأميركية.
فمثلا حاولت وحدة المشاريع الخاصة في البنتاغون تطوير مناجم التنقيب عن المعادن في أفغانستان كحجر أساس لتحقيق الاستقلال الاقتصادي في البلاد، إلا أن جهودها لبناء صناعة تنقيب عن المعادن قابلة للحياة لم تحقق تقدما ملموسا، بحسب التقرير.
وفي عام 2012 تلقى البنتاغون إشارات عن رغبة شركة إيرانية للتنقيب في واحد من المناجم عن الرصاص وثلاثة عن الذهب.
ويورد التقرير أنه رغم عدم قدرة الأميركيين العمل مع الشركة الإيرانية، فقد حاولت وحدة المهام الخاصة الحصول على موافقة من وزارة الخزانة، وحصلت في النهاية، لتوفير تواصل عبر الإنترنت مع الجانب الإيراني، المادة التي حصل عليها الجيولوجيون الأميركيون عن المناجم ودعوهم إلى جولة فيها.
وتنقل الصحيفة عن جيمس بولين، الذي ترأس وحدة المهام الخاصة "لقد أردنا رؤية أحسن المتقدمين بعطاءات يتقدمون بعروض أفضل لصالح الشعب الأفغاني". ولم يذكر المسؤولون الأميركيون اسم الشركة الإيرانية، وقالوا إنهم لم يأخذوا الإيرانيين في جولة للمناجم، فهذه كان يجب أن تتم بطريقة غير مباشرة عبر المسؤولين الأفغان.
ويشير التقرير إلى أن الإيرانيين قرروا عدم التقدم بعطاءات في النهاية، حيث تم منحها لشركتين أفغانيتين، وأخرى تركية، ورابعة لها مقرات في كندا والإمارات العربية المتحدة.
وتعتقد الصحيفة أنه رغم عدم تعاون الأميركيين مع إيران، إلا أن بولين قال إنه لا يمكن تجاهل جارة أفغانستان القوية "إنهم شركاؤهم التجاريون الطبيعيون". فمن أجل جذب المستثمرين لأفغانستان كان على وحدة المهام الخاصة أن تكون عملية، وهذا يعني عدم استبعاد إيران.
ويؤكد التقرير أن فرصة أخرى ظهرت العام الماضي، وهي مساعدة شركة أفغانية بناء أول مصنع للأدوية في هيرات القريبة من الحدود مع إيران. فقد كانت الشركة "أفغان فارما" بحاجة لـ 10 ملايين دولار، حيث كانت ستنقل موادها عبر إيران، وخشيت الولايات المتحدة أن يؤدي ذلك لخرق العقوبات.
وتختم الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن المسؤولين في وكالة التعاون والاستثمار فيما وراء البحار شعروا بعدم الارتياح لتمويل التجارة الإيرانية، حسب شخص مطلع. ولكن تم التأكيد للوكالة أن الصفقة ستؤدي إلى خلق فرص عمل، ما أدى بوزارة الخزانة لتقديم الموافقة، ومع ذلك لم يتحقق التعاون، الأمر الذي يعتبر نكسة أخرى لوحدة المهام الخاصة، التي ستقوم بتصفية أعمالها في نهاية العام الحالي.