يبدو قطاع
غزة، في الوقت الحالي، أشبه بمنطقة معزولة عن العالم الخارجي، برا وبحرا جوا، في مشهدٍ يُعيد نحو 1.9 مليون فلسطيني، إلى عهد السنوات الأولى من
الحصار الخانق والمُشدد الذي بدأ
الاحتلال الإسرائيلي فرضه في عام 2007.
وبمجرد إغلاق إسرائيل للمعبرين الوحيدين الخاضعين لسيطرتها الأحد الماضي - قبل أن تعيد فتحهما اليوم - شعر سكان قطاع غزة بالاختناق، وهي السياسة التي يصفها مراقبون فلسطينيون بـ"لاتحيا ولا تموت".
في هذا السياق قال تيسير محيسن، المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني بعدد من الصحف، إن "إسرائيل تواصل انتهاج سياسة السنوات الماضية، القائمة على التضييق، ثم التخفيف، وهي سياسة (لا تحيا غزة، ولا تموت)"، مضيفا أن "إسرائيل قامت بفتح معبري كرم أبو سالم وبيت حانون "لأنها تستخدم هذه السياسة وفق مخططاتها وأهدافها، لإيقانها أن استمرار الإغلاق قد يؤدي إلى التصعيد والعنف، ففتحتهما لتخفيف الحصار وإيهام المجتمع الدولي أنها لا تفرض الحصار على قطاع غزة"، وأن هذه سياسة لن تتخلى عنها إسرائيل، بحسب قوله.
ولأن إغلاق المعابر وعزل قطاع غزة، سيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني، المتدهور أصلا، وهو ما قد يفتح المجال أمام العودة إلى المربع الأول، وتصعيد الوضع الميداني، تستخدم إسرائيل سياسة التضييق القائمة على "اللا حياة"، و"اللا موت"، كما يقول حسن عبدو المحلل والكاتب الفلسطيني. ويُضيف عبدو، الباحث في مركز فلسطين للدراسات والبحوث، في حديث لوكالة الأناضول، إنّ "الوضع في قطاع غزة، لم يتغير بل يزداد سوءا يوما بعد آخر، وتحاول إسرائيل إدارة الحصار وفق أهوائها". لافتا إلى أن التفاؤل الذي كان حاضرا لم يعد موجودا، وسياسة التضييق هذه "تولد الضغط وهو ما يولد الانفجار، وإمكانية عودة المواجهة، ما يجعل المطلوب هو الرفع الكامل للحصار".
من جهته، قال هاني حبيب، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية، إن "الأوضاع في قطاع غزة، يجب أن تتغير من المشهد الحالي إلى آخر لا يقوم على إدارة الحصار"، مضيفا بأنه "ما من اختراق حقيقي للحصار، فالإعمار متوقف، والمعبر التجاري الوحيد يخضع للمزاج الإسرائيلي، ومواد البناء لم تدخل سوى بشكل محدود وتخضع لرقابة دولية تعيق الإعمار، والانتهاكات بحق الصيادين لا تتوقف" متوقعا أن تنهار الهدنة، أو العودة إلى الرد ورد الفعل، بحسب قوله.
شعبيا، قالت اللجنة الشعبية لرفع الحصار، في بيان لها، إن "إسرائيل تواصل حصارها على القطاع، في حين أن فتح المعبرين الوحيدين الخاضعين لسيطرتها لا يشكلان أي اختراق حقيقي في جدار الحصار"، واتهمت اللجنة إسرائيل في بيانها بأنها "توهم العالم بفتح المعابر من خلال إغلاقها ثم فتح بعضها بشكل جزئي" معتبرة أن رفع الحصار الحقيقي يتمثل في إعادة فتح كافة معابر قطاع غزة، والسماح بحرية الاستيراد والتصدير، بحسب اللجنة.
وكان القطاع في السابق، يتمتع بسبعة معابر تخضع ستة منها لسيطرة إسرائيل، فيما يخضع المعبر السابع (رفح البري) للسيطرة المصرية، إلا أن سلطات الاحتلال أقدمت بعد سيطرة حركة حماس على القطاع، في صيف عام 2007، على إغلاق 4 معابر، والإبقاء على معبرين فقط، هما معبر كرم أبو سالم، كمنفذ تجاري، ومعبر بيت حانون كمنفذ للأفراد. وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم 26 آب/ أغسطس الماضي إلى هدنة طويلة الأمد تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع غزة، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية خلال شهر من الاتفاق، ومن أبرزها تبادل الأسرى وإعادة العمل إلى ميناء ومطار غزة.
إلا أن سكان قطاع غزة (1.9 مليون نسمة) لا يشعرون بعد اتفاق الهدنة بأي تحسن ملموس على الأوضاع المعيشية، في وقت تصل فيه نسبة الفقر إلى 90 بالمئة، والبطالة إلى 65 بالمئة، وفق إحصائيات فلسطينية.