كتب
فهمي هويدي: عقد رؤساء تحرير الصحف المصرية القومية والخاصة والحزبية اجتماعا استمر ساعتين في الأسبوع الماضي. وفي أعقابه أصدروا بيانا أعلن ما يلي: التوحد خلف ثوابت الدولة الوطنية ــ التأييد الكامل لإعادة بناء الدولة الحديثة بقيادة
السيسي ــ الاصطفاف حول المشروع الوطني المصري ــ دعم الدولة ضد الإرهاب ومنع تسلل داعمي الإرهاب إلى الإعلام ــ دعم جميع الإجراءات التي اتخذتها الدولة في مواجهة العناصر الإرهابية ولحماية الأمن القومي للبلاد ــ رفض جميع محاولات التشكيك في مؤسسات الدولة وفي خياراتها الأساسية أو التطاول على الجيش والشرطة والقضاء.
ما سبق كان من نماذج العناوين التي نشرتها الصحف التي عرضت البيان خلال اليومين التاليين للاجتماع المذكور (في 27 و28/10). وفهمنا من الكلام المنشور أن الاجتماع عقد بمقر جريدة الوفد، وأنه تعرض لمناقشة أوضاع الصحافة المصرية ودورها في مواجهة الإرهاب. وطبقا لما ذكرته جريدة الأهرام في 27/10 فإن المجتمعين قرروا وضع آلية للتنسيق المشترك بين جميع الصحف لتنفيذ النقاط التي تم الاتفاق عليها، كما قرروا عقد اجتماع مشترك «عاجل» في أقرب وقت مع رؤساء القنوات الفضائية لتوسيع دائرة التنسيق المفترض. كذلك قرروا الالتزام بدورية الاجتماعات بين رؤساء التحرير مرة كل أسبوع على الأقل لمتابعة التطورات ودفع التنسيق المشترك.
البيان يبدو معتدلا ومحتشما إذا قورن بحملة الترهيب والتنديد التي انطلقت في بعض المنابر الإعلامية، ونادى بعضها بالكف عن الحديث عن الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، كما لم يتوقفوا عن الغمز والتنديد وتوجيه أصابع الاتهام إلى المنظمات الحقوقية ودعاة المجتمع المدني. وهو ما استسلم له بعض عناصر النخبة حتى نقل عن عميد حقوق القاهرة السابق وأستاذ القانون الحالي قوله إن حرية الرأي والتعبير يجب أن تتنحى جانبا لحين وقوف الدولة على قدمين ثابتتين. أما البعض الآخر فذهب إلى أبعد بكثير. فمنهم من نادى باستخدام البطش والعنف بحق المخالفين، ومنهم من وجه خطابه إلى الرئيس السيسي قائلا: أعلن مصر (كلها) ثكنة عسكرية إذا لزم الأمر، وتقطع اليد التي تكتب حرفا ضدك.. ويقطع اللسان الذي يسألك ماذا تفعل؟.. ضع الأخلاق جانبا وكن فاشيا يا سيادة الرئيس. اقتل كل أعداء دولتك التي تحكم بها.. إنهم كفار.. إنهم صهاينة، بل أشد خطرا وحقارة. ولا تنسَ أن تعيد «كلاب الداخل» إلى مواسير الصرف التي خرجوا منها. (للعلم: الجزء الأخير من الفقرة السابقة نشرته جريدة «الوطن» في مقالة لأحد مديري التحرير يوم 26/10).
صحيح أنه لا توجد علاقة مباشرة بين بيان رؤساء التحرير وبين الأصوات التي أشرت إلى بعضها توا، لكنني أزعم أن ما يجمع بين الخطابين هو أجواء التعبئة والاستنفار الراهنة، التي هي من أصداء الجريمة البشعة التي وقعت في سيناء وأدت إلى قتل وإصابة 60 من رجال القوات المسلحة المصرية. وهي الجريمة التي فرضت على الفضاء المصري نوعا من «الطوارئ السياسية» تجلت في مجالات عدة، كان الإعلام من بينها إذا لم يكن في مقدمتها.
حين نظرت إلى بيان رؤساء التحرير من هذه الناحية وجدت أن زملاءنا هؤلاء تصرفوا وكأن على رؤوسهم «بطحة»، كما يقول المثل العامي. ذلك أن الغريب حين يطّلع على نص البيان فإنه سيظن أن الصحف المذكورة ناصبت السلطة العداء. فلم تقف إلى جانب الرئيس السيسي في فكرة بناء الدولة الحديثة أو المشروع الوطني، ولم تدعمه في مواجهة الإرهاب، كما أنها عمدت إلى التشكيك في مؤسسات الدولة وفي المقدمة منها الجيش والشرطة والقضاء.. إلخ.. ولأن ذلك انطباع مغلوط تماما وغير صحيح، لأن الصحف في كل ذلك لم تقصر في المساندة والدعم، بل إنها قامت بما هو أكثر من ذلك، حين ساندت كل الإجراءات السياسية وذهبت في المساندة إلى تحمل مسؤولية الأخبار المغلوطة التي جرى تسريبها منسوبة إلى مصادر غامضة، لتحقيق أهداف سياسية مؤقتة.
هذه الخلفية تسوغ لي أن أقول بأن ظاهر البيان يتحدث عن دور تقوم به وسائل الإعلام فعلا، التي قامت بالواجب المطلوب منها حتى في عهد الدكتور محمد مرسي. ذلك أنها هي التي لعبت الدور الأكبر في تعبئة الرأي العام للتغيير الذي حدث في 30 يونيو. وهو ما يعني أنه لم يكن هناك مبرر لعقد الاجتماع وإصدار البيان والحديث عن عقد اجتماعات دورية منتظمة تذكرنا بأنشطة التنظيم الطليعي في مصر الستينيات. وهناك احتمال آخر هو أن يكون المستهدف شيئا آخر غير المعلن عنه، انطلاقا من فكرة أن الشيطان كثيرا ما يكمن في التفاصيل. وهو ما يدعوني إلى التساؤل عما إذا كان المقصود هو تكميم الأفواه والتضييق من هامش حرية الرأي المتواضع المتاح في بعض وليس كل وسائل الإعلام. وفي هذه الحالة فإن الهدف غير المعلن يتفق مع ما دعت إليه الأصوات النشاز التي أشرت إلى بعضها توا. فضلا عن أنني لا أستبعد أن يكون ذلك رأي بعض أجنحة السلطة التي تنسب إلى من يسمون بـ«الصقور» الذين يطلقون نداءات الحرب ويلحون على خطورة الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر. وهؤلاء لا يملون من تخويفنا من سيناريو سقوط الدولة، لإقناع الرأي العام في نهاية المطاف، ليس فقط بأنه لا بديل عن إعلان الطوارئ، وإنما أيضا بأن مصلحة الأمن القومي تقتضي تأجيل الانتخابات البرلمانية مع توسيع سلطات رئيس الجمهورية لصد الخطر ومنع السقوط. أرجو أن يكون ذلك
السيناريو الكابوسي مجرد سوء ظن تكذبه الأيام المقبلة.
(بوابة الشرق)