هل يجب علينا الرقص على نغمة
السعودية؟، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين. سؤال طرحه الكاتب بيتر أوبورن كبير المعلقين في صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، واتهم فيه المؤسسة البريطانية ورغبتها الدائمة في استرضاء الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط.
وبدأ أوبورن مقالته بالإشارة لزيارة رسمية قام بها ولي العهد البريطاني الأمير
تشارلز في شباط/ فبراير العام الحالي، وكانت الزيارة الثانية في أقل من عام، والزيارة الرسمية العاشرة التي قام بها للسعودية.
ويقول أوبورن "ورغم أن الأمير قضى أياما ممتعة في السعودية، إلا أن مضيفيه السعوديين لم يتركوا له مجالا للتعبير عن دهشتهم عن السبب الذي يدعو الحكومة البريطانية السماح لجماعة الإخوان المسلمين بممارسة نشاطاتها في
بريطانيا، رغم أنها ممنوعة في السعودية".
ويضيف "وعندما عاد الأمير تشارلز إلى لندن نقل مظاهر قلق السعوديين وشعورهم بالإحباط لرئيس الوزراء ومسؤولي وزارة الخارجية. وبعد ذلك بفترة أعلن عن تعيين سفير بريطانيا في السعودية سير جون جينكنز؛ للقيام بتحقيق حول صلة الإخوان المسلمين بالإرهاب".
ويرى الكاتب أن توقيت الإعلان جاء معبرا في حد ذاته، "فقد جاء تعيين سير جينكنز بعد أسابيع من تصنيف السعوديين أنفسهم لجماعة الإخوان جماعة إرهابية. وكانت مصر، التي قاد فيها السيسي انقلابا عسكريا ضد رئيس منتخب ديمقراطيا، قد اتخذت نفس الخطوة من قبل. وعليه فالتحقيق البريطاني أضفى نوعا من الشرعية على تأكيدات السعودية من أن الإخوان المسلمين يستخدمون العنف لتحقيق أغراضهم السياسية. ولكن السير جون جينكنز قام بدراسة متعمقة وشاملة، فقد قام بعدة زيارات لدول الخليج وشمال إفريقيا، بحثا عن الحقيقة. وبالنسبة للسعوديين فقد تعمق السفير بشكل زائد عن الحاجة".
ويتابع أوبورن "وفي نهاية تموز/ يوليو أنهى السفير التقرير، وأكد، كما تقول مصادر داخل الحكومة البريطانية، أنه لم يعثر على أي دليل يمكن أن يشكل أرضية لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية. نظريا كان هذا هو الواقع، وكان يجب نشره في حينه، حيث كان سينسى ويعلوه الغبار اليوم. ولم يكن هذا مصير تقرير جينكنز".
ويجد الكاتب أن المشكلة هي أن "سير جون جينكنز فشل في التوصل للنتيجة التي يريدها رئيس الوزراء، الأمير تشارلز والحلفاء مثيرو الصخب في الشرق الأوسط. فقد عبروا عن أملهم بأن يكون التقرير تصديقا لتأكيدات السعوديين وصحة تقييماتهم حول الإخوان المسلمين. فتبرئة سير جون جينكنز للإخوان كانت إهانة خطيرة لمصالح الأقوياء، وأدت إلى معركة طويلة وشرسة داخل الحكومة البريطانية، بدأت في الصيف واستمرت حتى الخريف ولا يظهر أنها ستتنتهي".
ويعتقد أوبورن أن نشر تقرير جينكنز كما كتب في الأصل سيؤدي لإغضاب حلفاء "رئيس الوزراء البريطاني السعوديين، وليس فقط هؤلاء. فالإمارات العربية تقوم بالتهييج منذ فترة لقذف الإخوان المسلمين من النافذة. ولدى ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد زايد الرقم الشخصي لرئيس الوزراء البريطاني، ولن يتردد لو لحظة للتعبير عن قلق الإمارات من عدم اتخاذ بريطانيا موقفا متشددا من الإخوان".
ويذكر الكاتب أن "هناك رئيس الوزراء السابق توني بلير الذي يقوم بالتهييج ضد الإخوان ونيابة عن الإمارات العربية المتحدة، سواء كان هذا في العلن أو كما قيل لي بالاتصال مع رئيس الوزراء (كاميرون)، وهناك أيضا صفقة طائرات (تايفون) البريطانية، وقيمتها 5 مليارات دولار والتي تعتبر مهمة لمستقبل شركة أنظمة الدفاع (بي إي إي سيستيمز)، والتي ربط بها ديفيد كاميرون مصداقيته الشخصية. وتم تعليق الصفقة منذ بداية التحقيق، ما أدى بالبعض للشك بأنها ستذهب لصالح الفرنسيين".
وباختصار كما يقول أوبورن،"فاللوبي البريطاني- العربي على أتم الاستعداد. ووجود هذا اللوبي في قلب الحكومة البريطانية لم يستطع أحد فهمه أو التعرف على مداه. فعلى خلاف اللوبي المؤيد لإسرائيل، والذي يربتط به، فلا يوجد للوبي العربي البريطاني الكثير من البنى والمؤسسات أو نقاط الضغط. فاللوبي العربي- البريطاني مؤسسة غير واضحة المعالم، وهو ممثل وبقوة في داخل المؤسسة العسكرية البريطانية ومؤسسة الاستخبارات، وصلته مع مؤسسات الدفاع وصناعة النفط تظل قوية. وعلاقته مع المؤسسة الملكية الحاكمة عميقة".
ويعتقد الكاتب أن العلاقات القديمة، وبالتأكيد التحالف بين آل سعود والبريطانيين، تعود إلى هنري سانت جون فيلبي، والد الخائن كيم فيلبي، الذي عمل مستشارا ولسنوات طويلة لعبد العزيز بن سعود مؤسس الدولة السعودية الحديثة.
ويذهب إلى أن "بريطانيا قامت باختراع السعودية، ولهذا فتحالفها مع السعوديين يظل في قلب السياسة المتعلقة بالشرق الأوسط. وأثبت التحالف السعودي أنه مهم وثمين في الحرب ضد ناصر مصر والاتحاد السوفييتي السابق ولاحقا ضد صدام حسين العراق".
ويشير الكاتب إلى أن "النتائج كانت على المدى القصير فعالة، ولكن على المدى البعيد فقد لعبت السعودية دورا ضروريا في بروز القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى. وفي السنوات الأخيرة، أصبح من المسلم به على نطاق واسع أن السعودية أسهمت في تمويل تنظيم الدولة المعروف بـ (داعش)، وهو التنظيم الذي يثير دمارا في معظم سوريا والعراق. وفي مفارقة تاريخية، فمن المتوقع أن يقوم (داعش) في لحظة ما بتوجيه سلاحه ضد السعودية نفسها".
وبحسب معلومات وثيقة عن المحادثات التي تمت في 10 داونينغ ستريت- مقر الحكومة، يعلق أوبورن على زيارة أمير
قطر هذا الأسبوع إلى لندن، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء قدم محاضرة للأمير حول الدعم المزعوم للإرهاب، ولكن الأخير تساءل لماذا هذه المحاضرة لم تقدم للسعوديين وبعض دول الخليج الأخرى.
ويلفت الكاتب أنه "علينا ألا ننسى أن قطر مكروهة في منطقة الخليج، ليس لدعمها الإرهاب، ولكن لأنها مدت يد الصداقة للإخوان المسلمين. وقد أنشئت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 بعد انهيار الدولة العثمانية، وبكل الطرق فهي منظمة روحية، تحاول مساعدة الناس على تطبيق مبادئ وقيم الإسلام في حياتهم اليومية. ويمكن مقارنتها بالديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا".
ويفيد أوبورن أنه وبلا شك فمثلها مثل الحركات المعادية للاستعمار، انخرطت في أعمال عنف في أيامها الأولى، ولكن المنطمة تؤكد اليوم وبمصداقية أنها أدارت ظهرها لعنف العقود الماضية، وهي تحاول الوصول للسلطة عبر الوسائل الديمقراطية، في تناقض حاد مع النموذج الاستبدادي الذي يعمل فيه بدول الخليج. واليوم يحاول الإخوان المسلمون في قلب كل الدول تقريبا مصالحة الإسلام بالديمقراطية.
ويرى الكاتب أنه لهذا السبب تمقتها السعودية والإمارات العربية المتحدة، فالإسلام الديمقراطي لا يمكن أن يتصالح مع النموذج الأتوقراطي السعودي. ففي السنوات الخمس الأخيرة لعب الملك عبدالله -ملك السعودية الأمير ميترنيخ للربيع العربي، وعمل على المساعدة في إسقاط الإخوان في مصر ومناطق أخرى.
ويقول أوبورن عادة ما أتحدث لمؤيدي الإخوان المسلمين عن سنوات المنفى، والتي قضوا الكثير منها، وحديثهم مؤثر، خاصة عندما يعبرون عن إعجابهم العميق بمؤسسات الدولة البريطانية: البرلمان والديمقراطية وحكم القانون. وكلهم عبروا عن خيبة أملهم بالسياسة الخارجية البريطانية، التي فشلت بالرقي لمستوى قيمنا.
ويخلص أوبورن إلى أن واحدا من أهم ملامح سياستنا الخارجية الحديثة هي تحالفها مع التطرف الإسلامي السني، ومرة بعد أخرى تم غض النظر عن رفضها القاتل التسامح مع أي فكرة، ولو باهتة، لمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتسامحنا بعلاقتها مع الإرهاب. والسبب واضح: المال والتجار والنفط، وفي عدد من الحالات الجشع. فالمؤسسة البريطانية الحاكمة مكبلة بعلاقتها مع السعودية. ولهذا السبب تحاول الجرذان قضم تقرير سير جون جينكنز. وفي المرة القادمة التي يأتي فيها الأمير تشارلز حاملا أخبارا من السعودية، على رئيس الوزراء أن يقول له اذهب للجحيم.