رجح خبرء
فلسطينيون اعتماد
إسرائيل سياسة جديدة للتعامل مع قطاع
غزة، بعيدا عن تلك التي أقرّتها طيلة السنوات السبع الماضية منذ بدء
الحصار، والقائمة على التضييق والخناق، وذلك لعدم جدواها ولاعتبارات سياسية، تفرضها متغيرات الواقع السياسي.
واتفق محللون، في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول، على أن إسرائيل ماضية بعد حربها الأخيرة، في رفع الحصار، بشكل تدريجي، عن القطاع، وإنهاء سياسة "لا تحيا غزة، ولا تموت".
وبحسب المحللين، فإن إسرائيل سعت من خلال تصريحاتها في الأيام الماضية إلى إرسال رسائل تدل على اقتناعها بعدم جدوى الحصار الذي تفرضه على القطاع منذ عام 2006، وأنها غير معنية باستمراره.
ورأى تيسير محيسن، المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني بعدد من الصحف أن "إسرائيل ماضية في التفكير بطريقة عكسية عن سياسة السنوات الماضية، القائمة على التضييق وفرض الحصار القاسي بكافة أشكاله".
وأضاف: "فعليا إسرائيل تريد أن تتخلى عن سياسة (لا تحيا غزة، ولا تموت)، وهي الآن ذاهبة نحو السماح بإعادة إعمار القطاع، وتدريجيا ستقوم برفع الحصار، لأنها أيقنت بعد الحرب الأخيرة التي شنتها أن هذه السياسة فشلت، ولم تنجح بتحقيق أهدافها، فسكان القطاع كشفوا عن صمود أسطوري، والتفاف غير مسبوق حول المقاومة".
وأوضح محيسن أن "إسرائيل توصلت لقناعة بعدم جدوى الحصار بالتماهي مع ضغط الإدارة الأمريكية التي تنطلق وفق استراتيجية واضحة لإدارة المنطقة".
ومضى المحلل الفلسطيني بالقول: "أمريكا وإسرائيل تريدان الهدوء في قطاع غزة، وهذا لن يتحقق إلا برفع الحصار"، متابعا أن "هناك جماعات إسلامية متطرفة، في المنطقة يزداد خطرها وانتشارها يوما بعد اليوم في كل مكان، ولا تقبل إسرائيل أن تتحول غزة لمنطقة متطرفة، لهذا ستسعى لإعادة متطلبات الحياة لسكانها".
ومنذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في حزيران/ يونيو من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من حزيران/ يونيو الماضي.
"ما تشهده المنطقة من تغيرات تستدعي تحالفات دولية تدفع إسرائيل للتخلي عن سياسة الحصار المفروض على قطاع غزة"، كما ذهب حسن عبدو، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني.
وقال عبدو، الباحث في مركز فلسطين للدراسات والبحوث (غير حكومي)، إن "أمريكا لا تريد إشعال بؤرة جديدة من التوتر، تُضاف إلى البؤر المشتعلة في المنطقة".
وتابع: "من الواضح أن أمريكا اتجهت لرفع الفيتو (حق النقض) المفروض على قطاع غزة، فثمة توجه دولي في المنطقة يعكس نفسه على الواقع الفلسطيني، بالتزامن مع مصلحة إسرائيل في رفع الحصار".
ورأى عبدو أنه "ما من ذرائع أمام إسرائيل كي تستمر في حصارها لقطاع غزة، خاصة مع تخلي حركة حماس عن الحكم، وفشل أهداف الحرب الإسرائيلية الأخيرة المتمثلة بالقضاء على المقاومة".
وتوقع عبدو أن "تسمح إسرائيل قريبا بإدخال مواد البناء، وبتنقل الفلسطينيين من غزة إلى الضفة".
وتمنع إسرائيل إدخال العديد من البضائع إلى القطاع، منذ عام 2006، غير أنها سمحت بإدخال كميات محدودة من مواد البناء بداية شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، ثم عادت ومنعت إدخالها في الشهر التالي، بدعوى استخدامها من قبل حركة حماس في بناء تحصينات عسكرية، وأنفاق أرضية.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في عددها الصادر الجمعة، نقلت عن مصدر أمني إسرائيلي، قوله إن "الحكومة الإسرائيلية تعد خطة أمنية تمنع اندلاع مواجهة قريبة (مع غزة)، وتستلهم تجربتها مع الضفة الغربية".
وأوضح المصدر أن "ملخص القراءة الإسرائيلية يتمثل في أن إسرائيل تضررت من حصار غزة أكثر مما استفادت".
وقالت الصحيفة إن "الجيش الإسرائيلي تلقى تعليمات من وزير الدفاع موشيه يعلون بالعمل على مد التسهيلات لتشمل قطاع غزة بهدف تأجيل جولات القتال بشكل جوهري".
وأضافت أن "الطريقة التي سيستخدمها الجيش هي تقديم امتيازات وتسهيلات في التنقل تقدم لسكان الضفة وبصورة تدريجية لسكان غزة، وتنقل المواطنين بين الضفة وغزة".
وفي مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة الأحد، قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن "إسرائيل غير معنية بمهاجمة القطاع مرة أخرى"، لافتا إلى أن "إسرائيل لا تبحث عن أي مغامرات ولكن إذا تجدد إطلاق القذائف الصاروخية على أراضيها فمن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها".
وتُجمع كافة الفصائل والقوى والتيارات الفلسطينية أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها على قطاع غزة، وأن المقاومة هي من انتصرت، ووفقًا لاستطلاع رأي أجراه "المركز الفلسطيني للدراسات السياسية والمسحية" في رام الله (غير حكومي)، في أيلول/ سبتمبر الماضي، فإنّ 79% من أهالي الضفة الغربية وغزة يرون أن "حماس" انتصرت في العدوان الإسرائيلي الأخير.
أما في داخل إسرائيل، فيثور خلاف حول ماهية النصر الذي حققته الحكومة الإسرائيلية على قطاع غزة.
ففي حين يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون إن الحرب الأخيرة حققت أهدافها، ووجهت ضربة قاسمة لحركة حماس والمقاومة، فإن بعض الوزراء من بينهم وزير السياحة الإسرائيلي عوزي لانداو انتقد بشدة أداء الحكومة الإسرائيلية، وقال في تصريح له: "لقد فشلنا في غزة، والردع الإسرائيلي تضرر".
وفي وقت كان ينادي فيه اليمين الإسرائيلي بمواصلة العدوان على غزة لأطول فترة ممكنة، أملاً في تصفية البنية التحتية لحماس وسائر فصائل المقاومة في القطاع، رفض اليسار الإسرائيلي تلك الممارسات.
وخرجت مظاهرات لأحزاب يسارية إسرائيلية، وفي مقدمتها "ميرتس" و"العمل" و"حداش" ترفض الحرب على غزة، بل وطالبت برفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
بدوره، رأى توفيق أبو شومر، الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية الصادرة في رام الله، وسط الضفة الغربية، أن "إسرائيل تمر بمرحلة سياسية جديدة، لا تعترض من خلالها على رفع الحصار عن قطاع غزة، أو السماح بإعادة إعماره عقب الحرب الأخيرة".
وأضاف أبو شومر أن "سياسة الحصار أثبتت فشلها طيلة السنوات الماضية، ولم تُحقق أيا من نتائجها، وهو ما دفع إسرائيل للتفكير في اتجاه عكسي".
وتابع أنّه "لا خيار أمام إسرائيل، خاصة مع تخلي حركة حماس عن الحُكم، وتسلم حكومة الوفاق لإدارة شؤون القطاع، سوى رفع الحصار".
واستدرك بالقول: "حماس لا تمانع في إدارة السلطة للمعابر، ولا أن تتولى حكومة الوفاق مسؤولية القطاع، بالتالي لم يعد هناك مجال للحصار، خاصة أن إسرائيل تبحث عن هدوء طويل على جبهة غزة".
وكان سامي أبو زهري، المتحدث باسم حركة حماس، قال في وقت سابق لوكالة الأناضول، إنّ حركته "نزعت كافة الذرائع التي يمكن أن تتذرع بها إسرائيل لتأخير إعادة إعمار غزة"، مؤكدا أن "الجهة المشرفة على إدارة شؤون القطاع هي حكومة الوفاق الفلسطينية".
وتتمسك إسرائيل والولايات المتحدة بأن تشرف حكومة الوفاق الفلسطينية، وليس "حماس"، على عمليات إعادة الإعمار، بدعوى ضمان توجيه الأموال إلى جهود إعادة الإعمار، والخشية من استخدام جزء منها في إعادة تسليح "حماس".
وعقد أمس الأحد في القاهرة المؤتمر الدولي لإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية التي استمرت 51 يومًا، ودمرت آلاف المنازل والمباني، إضافة إلى البنية التحتية.