تتأرجح خيارات الأطراف الدولية لحل الأزمة الليبية بين العنف والحوار، والملاحظ غلبة الحديث عن الحوار في تصريحات معظم الأطراف الإقليمية والدولية، دون أن يمنع قبول تلك الأطراف بعمل عسكري يحد من انتشار السلاح ووقوعه في يد قوى ومكونات غير مرغوب فيها، أو القيام بضربات سريعة بهدف ضبط إيقاع القوى المتحاربة على نغمة الحوار المراد إنجاحه.
وانتقل الموقف الدولي من الحث على الحوار إلى دفع الفرقاء السياسيين إلى الجلوس والتفاوض، وأثمرت جهود مبعوث الأمم المتحدة الجديد لليبيا، برنندينو ليون، عن التقاء مجموعة من برلمانيي طبرق برئاسة نائب رئيس البرلمان مع مجموعة من المقاطعين لجلسات البرلمان وذلك في مدينة
غدامس الشهر المنصرم.
وفي مسار موازِ تنشط
الجزائر في رعاية طاولة مستديرة تجمع الأطراف الفاعلة للحوار حول المسائل العالقة والملفات التي أدت إلى تفجر الوضع.
أيضا تعمل منظمات أخرى دولية حكومية وأهلية في المساهمة في احتواء الوضع عبر تحقيق توافق بين الشركاء، في مقدمتها الاتحاد الأوروبي، والحوار الإنساني (HD) السويسرية، إذ نظمت هذه الجهات لقاءات مع أطراف الصراع بغية التقريب بين وجهات نظرها وذلك لأجل إنجاح الحوار الذي تشرف عليه الأمم المتحدة.
وبرغم جهود التقريب فإنه يؤخذ على هذا الحراك عدم تناسقه، وغياب آلية فاعلة لضمان نجاحه، حيث يظهر عدم فهم الأطراف الدولية الضاغطة على الفرقاء الليبيين طبيعة الصراع ودينامياته، وعدم توافق تلك الأطراف على تشخيص محدد للأزمة ومسبباتها، والسبيل الأصوب لاحتوائها، وحتى مع تراجع فرنسا عن موقفها من الأزمة بعد انحيازها لأحد أطراف النزاع، إلا أنها لم تقترب من التوجه الأمريكي البريطاني، الأمر الذي يجعل الدور الغربي غير مؤهل لتوفير الضمانة اللازمة لنجاح الحوار.
ويشكل الخوف من انتشار الإرهاب في
ليبيا أحد أبرز أسباب انحراف الطرف الخارجي عن المسار الصحيح لإدارة حوار يحقق الاستقرار في البلاد، إذ يمثل القلق الغربي من الإرهاب قوة ضغط قد تكون على حساب إدارة عملية تفاوض متكاملة العناصر. ويتضح المعنى المشار إليه من تحذير المبعوث الأممي ليون من انتقال ظاهرة "داعش" إلى ليبيا في حال فشل الحوار بين الأطراف السياسية.
من ناحية أخرى، تقف التدخلات الإقليمية وبالتحديد دول الجوار العربي حائل دون انتظام عملية الحوار وإطلاق تفاوض جدي ومسؤول. وبحسب معلومات مسربة عن مسؤوليين جزائريين فإن عدم انعقاد الجلسة الأولى للحوار كان بسبب ضغوط مارستها إمارة أبوظبي على البرلمان الليبي إثر زيارة رئيسه للإمارة الشهر الماضي وذلك قبل أيام من الموعد المقرر للحوار.
على المستوى المحلي، فقد ظهر اتجاه البرلمان لقصر عملية الحوار على الأعضاء القادمين من طبرق والأعضاء المقاطعين له، بمعنى حصر الأزمة في خلاف بين الأعضاء، الأمر الذي أغضب أنصار عملية فجر ليبيا، وأوقع البرلمانيين المعارضين لجلسات طبرق في حرج بقبولهم هذه التجزئة في الحوار. وقد واجه حوار غدامس موجة رفض قوية من قبل أنصار فجر ليبيا، واعترضت دار الافتاء على الحوار ودعت بشكل صريح لوقفه متحفظة على إقصاء الأطراف المعنية به وهم قادة عملية فجر ليبيا وواجهتهم السياسية المتمثلة في المؤتمر الوطني العام.
ما سبق الإشارة إليه من قصور في حوار غدامس برعاية الأمم المتحدة ربما كان محط نظر رئاسة الجزائر الراعية لحوار العاصمة، حيث تم توجيه الدعوة للأطراف الفاعلة على الأرض لطاولة التفاوض، وفي مقدمتهم عملية فجر ليبيا، ومجلس شورى ثوار بنغازي، وعملية الكرامة.
بناء على ما سبق يمكن القول أن حوار غدامس ولد ميتا، ولا فرصة لنجاحه إلا في حال ربطه بحوار الجزائر ومخرجاته. بمعنى أن تضع الأطراف السياسية في البرلمان ومعارضيه مطالبهم ضمن أجندة القوى التي ستجلس للتفاوض في الجزائر، وإلا فإنه لا قيمة لإي اتفاق في حوار غدامس لا يقبل به الأطراف العسكرية التي ستجتمع قريبا في العاصمة الجزائرية.