عندما يذكر اسمه يتبادر للذهن رجل الدين السلفي التقليدي الذي يدير ويحرك المئات بفتوى، بتصريح أو بتلميح.
يسير نحو المرحلة الفكرية الثالثة في حياته، فبعد أن كان جزءا من تيار سلفي معتدل لا يعبأ كثيرا بالسياسة تحول في منتصف التسعينيات إلى التيار السلفي الجهادي، وهي المرحلة التي شهدت الصعود الحقيقي لهذا التيار بقيادة أسامة بن لادن وتنظيم "
القاعدة".
لا يزال على بيعته لزعيم تنظيم"القاعدة" أيمن الظواهري، داعيا الجميع إلى طاعة الظواهري، ويعلن صراحة موقفه الرافض لـ"تنظيم الدولة "التي يرى بأنها "مجرد فقاعة وستنتهي قريبا" واصفا تنظيم "
داعش" بأنه "خوارج".
تأثر "أبو قتادة" بجماعة الدعوة والتبليغ، في الثمانينيات، وخدم في الإفتاء العسكري، ثم شارك في التأسيس لتيار سلفي سلمي في بداية التسعينيات، وحاصل على ماجستير في أصول الفقه.
عمر محمود عثمان، المولود عام 1960 في بيت لحم أو كما يكني "أبو عمر" أو "أبو قتادة" اتهم بـ"
الإرهاب" من قبل عدة بلدان حول العالم (الأردن، الجزائر، بلجيكا، فرنسا، الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا وإيطاليا).
كما ضم اسمه ضمن القرار الدولي رقم 1267 الصادر من مجلس الأمن الدولي في عام 1999، والذي يختص بالأفراد والمؤسسات التي ترتبط بـ"القاعدة" أو "حركة طالبان".
تتهمه الإدارة الأمريكية بأنه مفتي تنظيم "القاعدة"، وقيل إنه تم العثور على بعض دروسه في شقة بألمانيا كان يسكنها محمد عطا ورفاقه - المجموعة الرئيسية التي يُعتقد بتنفيذها هجمات نيويورك وواشنطن في 11أيلول /سبتمبر عام 2001.
أشرف المنظر الرئيسي للتيار السلفي على إصدار عدة مجلات منها "الفجر" و"المنهاج"، كما أصدر كتاباً ينظّر فيه ويؤسس للحركة
السلفية الجهادية وهو يصنف، وفقا للمطلعين، ضمن "أقوى ما كتب في التعريف بالحركة السلفية الجهادية وفي تفسير وتبرير أفكارها ورؤاها".
كاتب له عدة مؤلفات تضع الأسس الفكرية للتيار السلفي الجهادي مع زميله أبو محمد المقدسي (عصام البرقاوي) ويعد دارسا وباحثا ومنظّرا قبل أن يصبغه الإعلام بـ"الإرهاب".
أقام في الكويت وبعد حرب الخليج الأولى -والتي كان يعارضها- طرد منها إلى الأردن، ومن هناك سافر إلى بريطانيا في 1993 بجواز سفر إماراتي مزور، وطلب اللجوء السياسي بدعوى الاضطهاد الديني، ليمنح اللجوء في العام اللاحق.
وأصبح "أبو قتادة" لاعبا مهما في الساحة الإسلامية بلندن، ومارس الدعوة في أحد المراكز الاجتماعية، كما عقد اجتماعات في بيته.
وكان جزءا من حركة واسعة تدعو لفرض الحكم الإسلامي على البلدان الإسلامية، وفي محاولات الأجهزة الأمنية البريطانية تفهُّمَ الساحة الإسلامية اقتربت المخابرات العسكرية MI5 منه في أكثر من مناسبة؛ لتطلب منه المساعدة في تخفيف التهديدات لبريطانيا.
وبحلول عام 1995 كان من الواضح أن تأثير "أبو قتادة" كبير للغاية، خاصة في صفوف الإسلاميين المسلحين بالجزائر ومصر، فكانت "الفتاوى الخاصة به" تؤخذ بمنتهى الجدية من قبل أتباعه.
حتى أواخر عام 1997 لم يعتبر " أبو قتادة" بشكل كامل جزءا من الحركة "الجهادية" والتي كان تنظيم "القاعدة" على رأسها.
ولكن السلطات تعتقد أن آراءه كانت قاسية ومتصلبة، خاصة بعد خطبة استهدفت اليهود، وبحلول عام 2001 كان الداعية قد أصدر أحكاما لتبرير الهجمات الاستشهادية، وفي النهاية خلصت أجهزة الأمن والشرطة البريطانية إلى أن "أبو قتادة" يشكّل تهديدا، وقال بيان للمحكمة "إن الداعية كان يقدّم من المشورة ما يضفي شرعية دينية للأشخاص الراغبين في التطرف أو الاشتراك في هجمات إرهابية بما في ذلك التفجيرات الانتحارية".
وقالت السلطات البريطانية إن "عددا من الأشخاص الذين تم القبض عليهم في حوادث متعلقة بالإرهاب قد تأثروا بأبو قتادة".
وحكم على "أبو قتادة" غيابيا بالإعدام في الأردن عام 1999، بتهمة "التآمر لتنفيذ هجمات إرهابية" من بينها هجوم على المدرسة الأمريكية في عمان، لكن خُفف الحكم إلى السجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة. وفي عام 2000 حكم عليه بالسجن 15 عاماً، للتخطيط لـ"تنفيذ هجمات إرهابية ضد سياح في أثناء احتفالات الألفية في الأردن".
اعتقل في بريطانيا في آب/ أغسطس عام 2005 بعد وقت قصير من تفجيرات تموز/ يوليو عام 2005 في لندن.
وفي شباط/ فبراير عام 2007 حكمت محكمة بريطانية بجواز تسليمه إلى الأردن، ليقدم استئنافا ضد قرار المحكمة وليربح الاستئناف ضد قرار تسليمه للأردن بحجة الاستناد إلى قانون حقوق الإنسان البريطاني، وأيضا الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بالرغم من استمرار الاشتباه في تورطه بنشاطات "إرهابية".
في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2008 تم إعادة اعتقاله مجددا لخرقه شروط الإفراج عنه بكفالة، ليتم إلغاء قرار الإفراج عنه بكفالة وليعاد إلى السجن في انتظار ترحيله خارج المملكة المتحدة.
أعيد إلى الأردن في تموز/ يوليو العام الماضي إثر اتفاقية مع بريطانيا صدّق عليها البرلمان الأردني، تكفل محاكمة مستقلة، وجاء الحكم القضائي بترحيله بعد معركة قضائية طويلة خاضها وزراء في بريطانيا لترحيله.
ومن جديد أعيدت محاكمته في عمان، فوجه مدعي عام محكمة أمن الدولة لـ'أبو قتادة' تهمة "المؤامرة بقصد القيام بأعمال إرهابية"، في قضيتي 'الألفية' و'الإصلاح والتحدي' اللتين تتعلقان بالتحضير لاعتداءات كان حكم بهما غيابيًا عام 1999 وعام 2000.
ولكن المحكمة وبعد إعادة التحقيق في القضيتين أعلنت براءته من القضية الأولى 'تنظيم الإصلاح والتحدي' في جلسة علنية عقدتها في حزيران/ يونيو الماضي؛ لعدم كفاية الأدلة، و بعد أن برأته محكمة أمن الدولة من التهم المسندة إليه في قضية 'الألفية' قبل أيام لعدم كفاية الأدلة أصبح هذا الشيخ الذي تأخذ كل كلمة تصدر عنه صفة الفتوى القانون عند أتباعه حرا طليقا لا أحد يعرف ما هو السيناريو المقبل له.
كل ما يقال الآن هو نوع من الاجتهاد الصحفي لمعرفة ما وراء الحدث ولماذا بُرّئ الآن بينما "التحالف" الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية يقصف التيار السلفي الجهادي بجميع تنظيماته في سوريا، وتوقع سياسيون وخبراء في شؤون الحركات "الجهادية" أن تكون هذه التبرئة نتيجة صفقة، وهو ما نفاه دفاع "أبو قتادة" وقيادات بالتيار "السلفي الجهادي".
وفسر كثيرون صمته بعد صدور الحكم بأنه جزء من الصفقة التي ربما لن تصمد طويلا بعد قصف "التحالف" لقواعد "جبهة النصرة" في سوريا، كما أن الرجل سيبقى تحت الرقابة الدقيقة من قبل الأجهزة الأمنية، فتفاصيل الملفات تتعقد، وحتى المنظرين الأكثر عدواة لـ"داعش" سينظرون لهجمات "التحالف" بوصفها حربا على الإسلام والمسلمين وليس تنظيما متطرفا بعينه.