لم يكن يتخيل كرم، الشاب
المصري، الذي أراد أن يجوب أنحاء بلاده، التي تمتلك نحو ثلث آثار العالم، أنه يستطيع أخيراً، زيارة أماكن افتراضية تعود للعصر الروماني، دون أن يتحرك من أمام شاشة عرض داخل متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، مماثلة لثلاث شاشات عرض في مدن مختلفة حول العالم.
وعلى بعد أمتار من شاشة عرض ضخمة، وقف كرم الأربعاء، يحرك يديه يميناً ويساراً، وفق تعليمات أحد المرشدين، الذي طلب منه أن يوجه أصابعه نحو بوابة معبد "السرابيوم" في القرن الثاني الميلادي، ليبدأ رحلة تمكنه من التفاعل في عدد ضخم من القطع الأثرية النادرة، ممسكا بها، في صورة افتراضية أقرب للواقع.
مشروع "
مفاتيح روما"، ضمن أبحاث المتاحف الافتراضية، الذي تكلف نحو 170 ألف يورو، بتمويل من الاتحاد الأوروبي على مدار أربع سنوات، نجح في أن يحقق حلم لدى كرم وغيره من الشباب المصريين في أن يتفاعلوا، ويتعايشوا مع قطع أثرية كان من النادر رؤيتها أو التحكم فيها تعود للإمبراطورية الرومانية.
ويعرض المشروع الافتراضي في أربعة مدن وهي مدينة روما بمتحف فوري إمبريالي ومدينة الإسكندرية بمتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية ومدينة أمستردام بمتحف آلارد بيرسون وأخيراً في مدينة سراييفو بمقر مجلس المدينة.
ويقول كرم الذي بدا منتشيا بتخطي الزمن والعيش في واقع افتراضي للعصر الروماني: لطالما تمنيت العودة لعصور مضت، لرؤية القطع الأثرية المختلفة، وكان هذا شبه مستحيل، لكن الآن يمكنني مثلا زيارة ميناء الإسكندرية القديم بالقرن الثالث، ومشاهدة الآثار التي تعود لهذا العصر عبر تلك الشاشة، بل والأكثر من ذلك أشعر أنني أمسك بالأقنعة والبرديات في يدي دون أي حاجز".
المشروع الذي كانت بدايته، حسب محمد فاروق، المسؤول التنفيذي عنه ومدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعية بالمكتبة، عبارة عن عدة أبحاث نظرية استطاع أن ينتهي بأنظمة من العرض في أربع مدن وهي (القاهرة وروما وسرايفو وأمستردام).
ويضيف فاروق: "هذه الأنظمة اعتمدت بشكل أساسي على التقنية الحديثة المتمثلة في التصوير ثلاثي الأبعاد، والثاني متعلق بأسلوب الحركة الطبيعية، كأن يتحكم الشخص في شاشة الحاسوب، دون استخدام وسيط، مكتفياً باستخدام حركة يديه، ليستطيع في النهاية أن يجد نفسه أمام آثار ترجع إلى الحضارة الرومانية التي أسسها الإمبراطور أغسطس عام 27 قبل الميلاد".
ثلاثة شهور تفصل، بين الانتهاء من المشروع البحثي، وبداية تجربته اليوم، للحصول على ملاحظات الزوار، من أجل تطوير التقنيات الحديثة، وتصميم أنظمة مشابهة في عدد أكبر من المتاحف، وفق ما قاله إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية.
وأضاف سراج الدين: "استطعنا خلال مدة الأربع سنوات حل مشكلات كثيرة فيما يخص التفاعل مع الماضي، من خلال إعادة مبان اختفت وأخرى تهدمت، إلى صورتها الأولى بحيث يستطيع الشخص زيارة المتحف، وأخذ القطعة الأثرية بين يديه، بل وينظر إليها من جوانب مختلفة".
ويمضي قائلا: "المشروع يشارك فيه نحو 18 هيئة ونحن الجهة الوحيدة العربية التي تشارك فيه، واليوم نحقق سبق داخل مكتبة الإسكندرية من خلال عرض تكنولوجيا المتاحف الافتراضية، والتي لدينا حلم وطموح أن يجري تعميمها على مستوى العالم".
وحول ما إذا كان المشروع سيتسبب في تقليص السياحة، نفى كل من فاروق وسراج الدين في حديثهما ذلك، معتبرين أن رؤية المتاحف افتراضيا سيدفع بالزوار في أنحاء العالم لزيارة مصر، ورؤية أثارها المتعددة، في حال تطبيق المشروع على كافة المتاحف المصرية.
ويقول فاروق: "الرغبة في التجربة ستدفع المشاهدين لزيارة المتاحف ورؤية القطع الأثرية النادرة، وليس فقط الاكتفاء بزيارة عصور بشكل افتراضي".
ويُشار إلى أن مصر كانت جزءا من الإمبراطورية الرومانية منذ غزو أغسطس قيصر روما لها عام 30 قبل الميلاد حتى دخول العرب عام 640 ميلادية.