نقلت صحيفة "
واشنطن بوست" صورة كئيبة لواقع الحال في
العراق، من خلال رصدها لمشارح الموتى هناك، مشيرة إلى أن اختلاف أسباب القتل يشي بما وصفته انهيار الدولة.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم: "في بلد مليء بالموت لا يتم الإمساك بمعظم القتلة، حيث تقوم
داعش بالقتل دون مساءلة في المناطق التي تسيطر عليها، والشرطة العراقية ضعيفة في المناطق الأخرى، بحيث لا تستطيع حل معظم جرائم القتل، وأحيانا تكون الشرطة هي المتورطة فيها".
وفي أحد الأمثلة، تقول الصحيفة إنه في إحدى المشارح في بغداد هناك جثمان لرجل كهل قتل في الشارع، بينما كان يمشي نحو سيارته، ولا يبدو أن أحدا يعرف من قتله ولماذا، والمعلومات الوحيدة عن قتله تحملها الدكتورة آيسة، المتخصصة بالطب الشرعي في قنينة، والتي تعلق بالقول: "رصاصتان، واحدة في الرأس والأخرى في الصدر".
وتلفت إلى أن
مشرحة بغداد تعتبر من الأماكن القليلة التي يمكنك فيها الحصول على أجوبة. تقول الدكتورة إيمان، البالغة من العمر 36 عاما، والمتخصصة بالتصوير الإشعاعي: "نرى الجانب المظلم للمجتمع، وأظن أننا نرى الحقيقة لا ما نراه على التلفاز وما نقرأه في الصحف"، وفق ما نشرته الصحيفة.
ويشير التقرير إلى ارتفاع نسبة القتل في عامي 2006 و2007 خلال الاقتتال الطائفي، ولكنه يؤكد بأن الأمور تزداد سوءا الآن، فبحسب بعثة الأمم المتحدة في العراق فإن ما لا يقل عن 1265 مدنيا قتلوا في العراق في آب / أغسطس 2014، مقارنة بـ 716 لنفس الفترة في السنة الماضية.
وحول الأسباب يقول التقرير: "هذه القفزة هي انعكاس لصعود داعش وعوامل أخرى، حيث الجروح والحروق على الجثث التي تصل المشارح تشير إلى عودة الحرب الطائفية".
وتضيف الصحيفة أن العاملين في المشارح يحاولون معرفة أسباب وفاة الضحايا، ويمتلكون بالإضافة لمؤهلاتهم العلمية معرفة بخريطة العنف في بلدهم، ويعرفون أن أسباب الوفاة ليست فقط من السيارات المفخخة والميليشيات، بل من الدولة المتداعية أيضا، فعدد كبير من العراقيين يموتون بالكهرباء من مولدات الكهرباء، في إشارة إلى عجز الحكومة عن توفير المستوى الأساسي من الكهرباء، بعد 11 سنة من الغزو الأميركي.
وبينت الصحيفة أن مستوى الانتحار هذا العام ارتفع، وخاصة بين الشابات اللواتي يشربن سموم الفئران أو يحرقن أنفسهن بسبب تدهور حالتهن النفسية.
وبرأي الصحيفة، فهؤلاء الأطباء لا يستطيعون تعويض فشل الشرطة أو الدولة الفاسدة أو فعل شيء في مواجهة المذابح التي ترتكبها "داعش" في المناطق التي تسيطر عليها، ولكن على الأقل يستطيعون التوصل لنتائج، كما عبرت عن ذلك الدكتورة آيسة بقولها: "جيد أن نعرف سبب الوفاة".
وتعتبر مشرحة بغداد مركزية بالنسبة للوفيات المدنية العنيفة في أنحاء البلاد، كما تقوم بالتشريح وإجراء فحوص التسمم على جثث من يموتون موتا طبيعيا أو في حادث.
وتحتوي كل من الثلاجات التسع في المشرحة والمصممة لاحتواء 16 جثة على 70 إلى 80 جثة، بحسب زيد علي يوسف مدير المشرحة.
وتقول الصحيفة: "في أحد الأيام كان هناك أكثر من عشر جثث على أرض الكوريدور، بينما قام عمال المشرحة بالبحث عن جثمان شخص ما"، وتعلق الدكتورة آيسة قائلة: "هناك دائما مشكلة في إيجاد الجثث وقد بحثوا عن هذه الجثة لثلاث ساعات".
وتضيف الطبيبة أن المشرحة تتبع لوزارة الصحة قسم الطب الشرعي وأن نتائج التشريح ترسل للشرطة ولكن يبدو أنه ليس هناك أي متابعة بعد ذلك.
وبحسب التقرير، فالعمل في المشارح عمل خطير، حيث هناك أناس يريدون إخفاء الحقائق، وتقول الطبيبة: "بعض الأطباء يرفضون فحص الأقارب ولا نكتب أسماءنا على تقارير التشريح"، ومع هذا فيشعرون أنهم يقدمون خدمة لبلدهم في مجال تخصصهم بإعطاء قدر من المصداقية في بيئة كادت تخلو من المصداقية.
وتضيف الدكتورة لينا البالغة من العمر 36 عاما والتي توقفت عن أكل اللحوم الحمراء بسبب عملها: "هذا الشعور يساعدهم على تحمل منظر الدم والجثث المشوهة بالتعذيب، بل والروائح التي ترافقهم لبيوتهم، حتى أن المارين في الشارع ينتبهون للرائحة".
ونقلت الصحيفة عن الدكتورة آيسة قولها كيف علمها أبوها، وهو قاض، بأن "
الطبيب الشرعي هو من يقول الحقيقة نيابة عن الميت الذي لا يستطيع الكلام".
ويقوم موظفو المشرحة بتشريح 30 جثة في اليوم، حيث يأخذ تشريح كل جثة حوالي ساعتين، ولكن في الأيام القليلة الماضية لم يعد لدى موظفي المشرحة لحظة راحة.
"اليوم هادئ ليس هناك سوى 10 جثث"، بحسب الدكتوة آيسة، ولكن جاء خبر انفجار سيارتين مفخختين في البياع، ويتوقع موظفو المشرحة وصول الجثث في المساء.
ويرصد التقرير المشهد بالقول:" وصل طفل عمره سنتان في منتصف اليوم، ومعه جده الذي قال إن الطفل وقع في البيت، وقامت لينا بكتابة الملاحظات، وعندما بدأ الأطباء بالتشريح وجدوا ثقبا في جمجمته، فظنوا أنه بسبب رصاصة، ولكن عندما بحثوا عن الرصاصة لم يجدوها، فدققوا في الثقب فوجدوا أنه ثقب نظيف ولا يوجد تشرذم في محيطه، فاستنتجوا أنه قد يكون نتيجة عملية في المستشفى، حيث يقوم الأطباء أحيانا بإحداث ثقب في الجمجمة لتخفيف الضغط على الدماغ في حالات الإصابة بالرأس، فعادت لينا وسألت الجد إن كان أجري للطفل عملية في المستشفى، فأخبرها بأن الطفل أخذ إلى غرفة العمليات، ولكنه لا يعلم إن أجريت له عملية أم لا. فتوصل الأطباء إلى الاستنتاج بأن الثقب هو بسبب عملية طبية وليس رصاصة كما ظنوا ابتداء".
وتختتم الصحيفة بالقول: "هناك ملف جديد على مكتب آيسة، الجثمان في القاعة؛ رجل في الخامسة والخمسين من عمره من الناصرية ولكن ليست هناك معلومات أخرى. وتقول الطبيبة أنهم عادة ما يأخذون بعض المعلومات من الأقارب ولكن في هذه الحالة ليس هناك أقارب وبعد تقليب الملف تقول (نعم.. إنه كان سجينا)، والآن على الأطباء أن يكتشفوا سبب وفاته في السجن".