"
ضابط يقتل مجند في معسكر بشمال سيناء. مجند يقتل ضابطا في معسكر بالجيزة ضابط يغتصب سائحة روسية. أمين
شرطة يقتل مواطنا داخل القسم. أمين شرطة يغتصب معاقة نفسيا داخل القسم. أمناء شرطة يمثلون بجثة في الخانكة. ضبط مجند يتاجر في تذاكر الهيروين بطنطا. أمين شرطة يهرّب مسجونين من سجن بالإسماعيلية. القبض على ضابط متلبسا بتقاضي رشوة من صاحب مخبز بالقليوبية. عقيد ومقدم يختلسان 185 كرتونة سجائر".
هذه مجرد عناوين لأخبار تحمل الكثير من الحكايات والتفاصيل، وغيرها عشرات العناوين والأخبار التي تؤكد أن الإجرام لم يعد مجرد حالات فردية ولا ظواهر طارئة، بل عادة متأصلة في جهاز مسؤول عن حفظ الأمن وأصبح هو نفسه خطرا على الأمن، مع العلم أن كل الحالات السابقة جنائية وليست سياسية، فما بالك لو ضممنا عليها جرائم تعذيب المعتقلين وقتل المتظاهرين؟ ستكون النتيجة كارثية بكل تأكيد.
يعلم المسؤولون عن هذا البلد أن هناك خللا ما في جهاز الشرطة جعله حاضنا ومصدرا للمجرمين، لكنهم عاجزون عن اتخاذ أي إجراء لتطهير الجهاز وإعادة النظر فيه ودراسة الأسباب التي أدت به لهذه النتيجة، ربما لأن فساد المرؤوسين يجعل السيطرة عليهم أسهل، وربما لأنهم يعلمون أن هذا الجهاز هو الذي يحمي مقاعدهم ومناصبهم وعليه لا داعي للمخاطرة باستعدائه.
لكن ما لا يعلمه هؤلاء جميعا أن الفساد مثل الأسد، تضع له الطعام صغيرًا وبمجرد أن يشتد ساعده يأكلك، هكذا فعل مبارك، وهكذا يفعل كل مبارك.
***
مطلوب منك عزيزي المواطن أن تثق في شخص ربما يكون مريضا نفسيا أو مجرما بالفطرة، وأن تضع حياتك ومستقبلك رهنا لتقرير يكتبه أو أمر ضبط يصدره، لأن السلطة لا تريد أن تعترف بأن السوس ينخر في الجهاز الذي يحميها، ولأن مجرد مطالبتك بإعادة هيكلة الشرطة وتطهيرها أو إخضاع من فيها لاختبارات نفسية كفيل بوضعك في خندق الأعداء المتآمرين مع الغرب لإسقاط الدولة
المصرية حتى تكون الساحة خالية أمام أمريكا وأوروبا ليتزعما العالم بعد الخلاص من خصم قوي.
يقول وزير الداخلية إنه يحاسب المخطئ ولا يتستر على فسادا، لكن حتى ينكشف فساد ضابط أو أمين شرطة أو مجند يكون قد تعامل مع آلاف البشر بفساده وإجرامه وعقده ومشاكله النفسية والعقلية أحيانا، هذا أصلا إذا انكشف أمره لأن نظرية الاحتمالات تقول إنه بالتأكيد تدرج بعض هؤلاء في المناصب حتى أصبحوا مأموري أقسام أو مدراء أمن أو حتى وزراء داخلية، وعليه نكون قد تعاملنا مع ممثلين للدولة وللقانون مكانهم الحقيقي السجن وليس كراسي السلطة.
هذا الوضع خطر على المجتمع والنظام نفسه، لأنه إذا فقط الناس ثقتهم في الشرطة فقدوا ثقتهم في السلطة والدولة، وإذا كان الناس بوسعهم تحمل التقشف وارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء واختلاط مياه الشرب بالمجاري فإنهم لن يتحملوا موت أبنائهم في الأقسام والمعسكرات أو ابتزاز الأمناء لهم في الشوارع، أو إذلال الضباط لهم في الكمائن، وستأتي الثورة للنظام من حيث لا يحتسب.
***
فشلت الثورة في هيكلة الداخلية والآن تقوم الداخلية بهيكلة الثورة.
أصبحت وزارة الداخلية هي الجهة المنوطة بتحديد الثوري المثالي والفوضوي الخارج على القانون، أصبحت تجري التحريات لتثبت خطورة شاب جامعي عشريني علي الأمن القومي لدعوته إلى مظاهرة أو رسمه جرافيتي على جدار وتطلب من النيابة التصريح بالقبض عليه ليتولى الضابط الذي كان يختبئ بمجرد رؤية هذا الشاب وزملائه في الأيام التالي للثورة بنفسه عملية القبض على هذا المطلوب، ويطلق لنفسه العنان لتفرط في الانتقام وتبالغ في التشفي.
أصبح الأمن الوطني أكثر أهمية من الأمن العام والمباحث وأكثر جرأة من أمن الدولة المنحل، يحصل الجهاز علي سلطات واسعة في كتابة التقارير وتعتمد النيابة على تقاريره بحق الثوار والإخوان وكأنه جهة محايدة وليس خصما مباشرا لكل من شارك في الثورة، وأصبحت تزكيته شرطا أساسيا لشغل أي منصب بدءا من أئمة المساجد وصولا إلى رئيس الوزراء.
عاد الأمن السياسي مرة أخرى ليطغى على الأمن الجنائي، لم تعد الأزمة تقتصر فقط على انشغال الشرطة بالأمن السياسي وإهمالها ملاحقة الجنائيين، لكن الأزمة أن الناس أصبحوا فريسة لبلطجية وقتلة ومنحرفين وخارجين على القانون بعضهم يرتدي الزي المدنية وبعضهم يتخفى في البدلة الميرية.