أطلق ناشطون أحرار
مبادرة جديدة موسومة "العالم ينتفض نصرة لغزة"، وقرّر هؤلاء الخروج في وقفة سلمية في الخامس عشر من الشهر الجاري في كل عواصم العالم، على وقع شعار "لا للعدوان على
غزة".
في إفادات حصل تناولتها بعض وسائل الإعلام قال عرّابو المبادرة أنّه سيتم الخروج في وقفات سلمية نصرة لأهل غزة، وستتضمن هذه المبادرة أيضا إنشاء صندوق شعبي دولي للإعمار بعد أن تم تدمير غزة عن بكرة أبيها، والفتك بعدد ضخم من المنازل، المستشفيات، المدارس، المساجد وغيرها من الهياكل والمرافق.
وقدّر المبادرون بانتفاضة، أنّ ما حدث وما يحدث ومازال سيحدث بقطاع غزة لو صمتنا، سيصل إلى غاية القضاء على الأخضر واليابس، ولو أنّ شهر العدوان كان كاف لقتل وتقتيل وذبح أزيد من 1500 شهيد، شردت العائلات ويتّم الأطفال، لا يخلو بيتا غزاويا من شهيد على الأقل.
وألّح الأحرار: "قد لا يكون بيدنا شيء ولكن بيدنا أن نخرج وأن نساهم".
هذه إحدى مبادرات عالمية إنسانية يقشعر لسموها البدن ، وتفيض العيون بالدمع للإحساس الإنساني الرفيع لدى شعوب لا تقاسمنا الدين والحضارة لكنها تشاركنا الشعور الإنساني ، والعاطفة الآدمية . فأي إلتقاء حضاري بين ( بنى أبينا) يحتظنه المبدأ القرآني العظيم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .
أليس جديرا بالمسلمين ونخبهم الدينية والثقافية والسياسية مع شعوبهم أن يتحدوا مع هذه الحيوية الإنسانية في زمنها الذهبي ، كي يسعوا مع أصحابها إلى بناء تكتل قيمي إنساني يُحيي بفطرة الإنسان رسالتها الربانية في هذا العالم المُمهد للتجاوب معها ؟
إن كنا نحن العرب خصوصا نشكو ـ بحق ـ الإنحياز الدولي في كثير من قضيانا ( تحديدا قضية فلسطين ) إلى الطرف الظالم المعتدى ، فلم نعدم في المقابل مدا مؤازا لها ، بدوافع إنسانية ، وحقوقية ، وفكرية ، وفلسفية .
وكل من الذاكرتين القريبة والبعيدة نسبيا لتاريخنا المعاصر تختزن أمثلة مشرقة لهذه المساندة: فالقريبة تُحضر إلى أذهان الجميع الهبة الطوفانية الشعبية ضد غزو العراق مسنودة ببعض الجهات السياسية والثقافية والفكرية في أوربا وأمريكا وغيرها من الدول خارج محيطنا الطبيعي
( العالم العربي ) ومحيطنا الحضاري ( العالم الإسلامي ) .
أما بالنسبة للذاكرة البعيدة ، فنماذجها المواقف المشرفة من الإستعمار ، ومساندة الشعوب المطالبة باستقلالها ( أبرز نموذجين : الجزائر وجنوب إفريقيا ) .
و الأمر منطقيا إذا ما نظرنا إليه من زاوية سياسية وحقوقية وفلسفية ، أثمرته ثقافة العصر الحقوقية ، والتحررية من مواثيق دولية لحقوق الإنسان ، وفلسفات تعلى من حق الفرد ، وحريته ، و تثمين قيمة الحياة الإنسانية ، وحقه في العيش الكريم ؛ خبرها المواطن في الدول الغربية التي حققت منظومتها الحضارية مستوى رفيعا من تلك الحقوق في غمرة تمددها الحضاري المذهل .
وتطرح أمامنا أحداث غزة فرصة ثمينة للتفاعل الإيجابي مع هذا المد الإسنادي لقضيتنا المركزية ( قضية فلسطين ) من بوابتها
الإنسانية،متطلعين لتحقيق أكثر من مكسب على النمط التصوري الآتي ذكره : ـ
-هناك مكسب عاجل نحن في أمس الحاجة إليه بالمبادرات العملية العاجلة وهو ما سبق ان عبرنا عنه في موضع آخر بناء على ما أحرزه الوضع الغزي من مكسب كبير على المستوى الدولي ، من خلال التعاطف الكبير، والمواقف الإنسانية النبيلة التي أظهرتها كثير من الشعوب في العالم ، والقادة السياسيين ، ووسائل الإعلام ، والمثقفين والفنانين . فعلينا استثمار كل هذا في بناء أقطاب ضاغطة مستقبلا لمصلحة قضيتنا ؛ وهذا من خلال التخطيط المنهجي للتواصل الفعال مع تلك القوى المؤيدة، فنوسع مداركها على الواقع الإجرامي الذي بناه الاحتلال عبر سنين في أرضنا ، فنزيح ستار الدعاية الصهيونيةالكاذبة عن الصورة الحقيقية القاتمة .لا شك أننا ما لم نبادر بالذكاء والسرعة اللازمين في هذا الموضوع فإن الخبث الصهيوني بآلته الدعائية الجبارة المهيمنة عالميا سوف تخطف منا ما حصلنا عليه من تعاطف نبيل ، وتحول المشاعر المتعاطفة إليها ، كما هي عادة ( اليهودي المسكين المضطهد ) عبر التاريخ.
- على المستوى الثقافي والحضاري ، تمثل لنا نحن العرب والمسلمين هذه السانحة خيطا رفيعا متين نمده مع هذه القوى ذات المواقف النبيلة، كي نمنح القيم الحضارية التي تشكلت في وجداننا عبر المبادئ الإنسلامية الثابتة ، فرصتها لاستثارت الفطرة الإنسانية التي نراها تتجاوز اليقظة في مثل الحدث الغزي إلى تأطير السلوك ، وتوجيه الفكر ، فضلا عن حشد المشاعر الإنسانية العالية النبيلة .
فنطمح لنشأة تكتل قد نسمه بـ ( تكتل الفطرة الإنسانية ) ، نستانس في هذا الطموح بجملة من المؤشرات منها :
-أن جذور ثقافتنا نابعة من الدين الوحيد في العالم الآن الذي يتحدث بوضوح تام عن جوهر الإنسان وهو ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) .
-أن أشواق هذه الفطرة لطالما عبرت عن نفسها في أكثر من مجال ومقام ، تمنحنا فرصة القرب منها، والتفاعل الحي معها ، كي ننجذب سويا إلى علو القيم، و محاولة تخفف الإنسان من نقيضاتها حتى إن كان ذلك جزئيا وآنيا.
- ما أسفرت عنه الجرائم الصهيوينة في غزة ، من تغيير نسبي إيجابي في النظر والموقف من هذا الكيان المجرم ؛ هذا التغير الذي سجلته كثير من المواقف السياسية والاقتصادية والإعلامية ، والشعبية ، والثقافية ؛فميل كفة الميزان إلى نحو ما من الإعتدال الحقي ، يفيدنا كثيرا قي دعوتنا وطموحنا .
-في غمرة التغيرات النوعية التي تجتاح منطقتنا العربية والإسلامي ، من المفيد ملاحظة دفع نسبي لدعوات ( الحوار الحضاري ) ، و( التقارب الإنساني ) على المستوى الدولي ، و ( الحوار والتقارب) و (التعايش المذهبي ) على المستوى الداخلي ، بأداء عملي غير معلن ( لصدام الحضارات ) و( الطائفية والمذهبية ) على الخطين الدولي والداخلي .
هذه المُستأنسات بها من المؤشرات ، تمنح الطموح المعبر عنه بإنشاء ( تكتل الفطرة الإنسانية ) من خلال نواته الغزية ، رصيدا من الحلم المشروع لتجسيده، دفعا لقوى الأبلسة التي تريدإلتهام العالم ببوائقها .
أما وسائل تجسيد هذا التكتل فمن الكثرة والتنوع والمتاح بمكان ؛ وأقواهاوأسرعها أثرا و سائل التواصل والاتصال التكنلوجي المعاصر ، فضلا عن الهيئات الثقافية ، والشعبية ، وغيرها مما يمكن أن يشكل الأرضية المنصة والمناخ الملائم لها .