قال الكاتب روس بيرلين في مقالة بمجلة الفورين بوليسي الأمريكية أن تنظيم الدولة الإسلامية (
داعش) يتعمد إبادة اللغة
الآرامية -وهي اللغة التي تحدث بها النبي عيسى عليه السلام- من خلال سيطرتهم على محافظة نينوى في شمال العراق، وهي تعد آخر معاقل اللغة الأرامية في العالم.
ويقول الكاتب إن داعش الآن تسيطر على "قلب المسيحية القديمة في العراق"، وأنها قامت بتهجير ما يقرب من 200 ألف مسيحي في 6 أغسطس/آب الماضي.
وأوضح أن الأزمة الإنسانية التي يعانيها المسيحيين المهجرين يصاحبها أزمة ذات بعد تاريخي ثقافي، وهو ما يتمثل في احتمال انقراض اللغة الآرامية في موطنها ليس بشكل طبيعي ولكن كنتيجة للاضطهاد والتمييز التي يتعرض له أصحاب اللغة.
وقال الكاتب إن عدد المتحدثين بالآرامية وفق إحصاء عام 1990 كان 500 ألفا معظمهم في العراق، و"لكنه الآن من المفترض أن يكون أقل بسبب تشتت الآراميين في أنحاء متفرقة بالعالم".
ويصف الكاتب هذا الأمر بأنه "سقوط مدو للغة التي كانت في يوم من الأيام لغة عالمية".
وبدأ ظهور اللغة الآرامية منذ 3000 عام في سوريا وأصبحت لغة الإمبراطورية الآشورية، وكانت مثل اللغة الإنجليزية في هذه الأيام، على حد قول الكاتب، حيث تحدث بها الناس من الهند إلى مصر. وقد استمرت اللغة في الانتشار حتى بعد أن قام الإسكندر الأكبر فرض اللغة اليونانية على أنحاء واسعة من إمبراطوريته في القرن الرابع قبل الميلاد، حتى أنها انتشرت في فلسطين القديمة وحلت محل اللغة العبرية تدريجيا.
وأضاف الكاتب أن اللغة الآرامية "كانت تعد لغة مقدسة بالنسبة لأديان عديدة، وأنها من المعتقد أنها كانت اللغة الأم للمسيح عيسى عليه السلام، وتم استخدامها في التلمود اليهودي والكنائس المسيحية الشرقية في إيران والعراق".
ولفت إلى أن اللغة "بدأت في التراجع مع انتشار اللغة العربية في القرن السابع الميلادي، وتفرق أصحاب اللغة في مناطق جبلية متفرقة، وهم في غالبيتهم يهود ومسيحيون، متمركزون في شمال العراق (بما في ذلك كردستان)، وشمال غرب إيران، وجنوب شرق تركيا".
كما يشير الكاتب إلى أن مدينة معلولا في سوريا بالإضافة إلى اثنتين من القرى المجاورة لها في شمال شرق دمشق هي المعقل الوحيد للغة الآرامية هناك، حيث تقدر أعداد المتحدثين باللغة هناك حوالي 15 ألفا وذلك وفقا لإحصاء عام 1996، وفي عام 2006 افتتحت جامعة دمشق أكاديمية اللغة الآرامية مدعومة في ذلك الوقت من قبل حكومة بشار الأسد. مشيرا إلى أن البلدة سقطت في يد الثوار في سبتمبر/أيلول 2013، وفر المتحدثون بالآرامية إلى دمشق أو القرى المسيحية في الجنوب. واستعادت قوات الأسد المدينة في ابريل|نيسان 2014 ولكن معظمها كانت مدمرة.
ويرى الكاتب أن الأمل الوحيد المتبقي للغة الآرامية كان شمال العراق، ولكن داعش سيطرت على الموصل في شهر يونيو مع انسحاب قوات الجيش، كما سيطرت على قراقوش أكبر مدينة مسيحية في العراق، مما أدى إلى هروب جميع سكانها من المسيحيين. وبالتالي تسيطر داعش الآن على "قلب الآرامية" بعد خلوها من معظم سكانها، على حد قول الكاتب.
ويختم الكاتب بالقول "إن تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في نينوي ربما يشكل الفصل الأخير في حياة اللغة الآرامية إذا لم يتم التدخل لوقف ذلك"، واصفا ما يحدث بأنه "إبادة متعمدة للغة وثقافة على مرأى ومسمع من العالم".