تحت أصوات القصف
الإسرائيلي المتواصل، كانت ساعات الليلة الماضية طويلة جدًا أمام انتظار بلسم النباهين وأبناءها الخمسة لبزوغ الفجر، حتى شعروا أنها الأطول في حياتهم.
فبعد ليلة عنيفة وعصيبة من
الغارات المتواصلة، كما وصفتها الأرملة النباهين، أسرعت منذ أن أعلن الصباح عن قدومه بحمل ما حزمته من أمتعت أسرتها، وغادرت منزلها في بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع.
وتقول النباهين بعد أن وضعت صغيرتها في فراش النوم فور وصولها لبيت عائلتها وسط مدينة
غزة، "إنها تشعر الآن بقليل من الاطمئنان، لوجودها بين أفراد أسرتها وشقيقاتها وأبناءهم الذين هربوا من القصف أيضًا، ولأن المنطقة هنا أقل دمار وخطرًا".
وأضافت: "منطقة شمال القطاع حيث تقطن تشهد العشرات من الغارات الإسرائيلية العنيفة والمتتالية، ولم تعد قادرة على إخفاء خوفها وقلقها أمام صغارها".
والنباهين كما العشرات من الأسرّ الغزّية في قطاع غزة اختارت بيت العائلة لتلجأ إليه، بحثًا عن قليل من الأمان المفقود، والاطمئنان باجتماع كل أفراد الأسرة، وصار الخوف من الغارات الإسرائيلية التي تستهدف منازل المدنيين، تلم شمل العائلات
الفلسطينية، "تحت سقف واحد".
وقالت النباهين "لم أعد أستطيع إظهار نفسي قوية أمام أبنائي، وأبث فيهم الاطمئنان، فقد تسلل الخوف إلى نفسي أنا أيضًا، بعد سماع التهديدات بطول وقت الحرب، واستمرار قصف المنازل على رؤوس ساكنيها".
وأشارت الأرملة النباهين أن شقيقاتها وأمها وأبيها خففوا عن كاهلها عبء مسوؤليتها وتحمل دور الأب والأم في حماية صغارها، قائلة " وجودنا الآن في بيت العائلة جعل أبنائي يشعرون بقليل من الأمان".
ويشن سلاح الجو الإسرائيلي، منذ يوم 7 يوليو/ تموز الجاري، غارات مكثفة على أنحاء متفرقة في قطاع غزة، في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد"، تسببت في مقتل 203 مواطنا، وإصابة نحو 1522 آخرين بجراح متفاوتة، بعضها خطيرة، حتى الساعة 04:10 (تغ) من صباح الأربعاء".
ونشرت وزارة الصحة في قطاع غزة، قائمة أولية تكشف هوية القتلى، وتوضح أن من بينها 39 طفلا، و17 امرأة.
وتسببت الغارات العنيفة والكثيفة على مناطق متفرقة من قطاع غزة بتدمير 560 وحدة سكنية بشكل كلي، وتضرر 12800 وحدة أخرى بشكل جزئي، منها 460 وحدة "غير صالحة للسكن"، وفق إحصائية أولية لوزارة الأشغال العامة في الحكومة الفلسطينية.
وبدأ الحي الذي تسكن فيه مريم الزعانين، أشبه بـ "مدينة أشباح" كما تقول للأناضول، مما دفع عائتلها لمغادرة منزلهم في منطقة بيت لاهيا، شمال القطاع، قاصدين منزل العائلة في حي النصر وسط المدينة.
وقالت الزعانين (20 عامًا)، إن "التهديدات الإسرائيلية بالاجتياح البري جعل عائلة تلو الأخرى تغادر الحي، حيث ستكون بداية العملية البرية الإسرائيلية للمناطق الشمالية أولا، فغادرنا نحن أيضًا واتجهنا إلى منزل عائلة جدّي".
ويهدد القادة الإسرائيلين بتكثيف ضربات الجيش للقطاع، وتوسيع عمليتهم العسكرية، والدخول إلى عمق القطاع بريًا، للقضاء على المقاومة الفلسطينية ووقف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، كما قالوا.
ولم تعد الزعانين تشعر بالخوف كثيرًا، فاجتماعها مع بنات أخوالها وخالاتها، خفف من قلقها المتواصل، كلما سمعت أصوات الغارات الإسرائيلية، على حد وصفها.
وتوقن الزعانين بأن "الموت" والخطر يحدق بكل مكان في قطاع غزة، والطائرات "الصهيونية" لا تفرق بين صغير وكبير، لكن بعض مناطق القطاع أقل قصفًا من غيرها، كما تقول.
وتحمد الزعانين الله باستمرار على أن منزل جدّها يقع وسط المدينة، متساءلة عن المكان الذي ستلجأ إليه المئات من الأسر التي يقطن جميع أفرادها في شمال القطاع.
وأمام ضيق مساحة المنزل وارتفاع عدد من فيه من الأطفال والنساء، يقضى الشاب محمد إبراهيم ساعات يومه جالسا أمام باب المنزل، دون أي تذمر، من ارتفاع درجات الحرارة.
وقال إبراهيم إن منزله لا يتجاوز الـ 160 مترًا، يضم بين جدرانه خمس عائلات هربت بحثًا عن مأمن من صواريخ "الموت"، وهو على استعداد بأن يقضي أيامًا بطولها خارج البيت على أن تنعم شقيقاته وأبناءهن وزوجات أشقاءه ببعض الاطمئنان.
وأوضح أن عدد من يقطن في المنزل الآن تجاوز الـ 30 فردًا، ففي صباح اليوم وصلت عائلة شقيقته المكونة من ستة أشخاص، بعد اشتباك مسلح عنيف بين عناصر من "المقاومة الفلسطينية" وقوات من البحرية الإسرائيلية على شاطئ بحر منطقة السودانية، شمال غرب القطاع.
وأشار إلى أن شقيقته وأبناءها وصلوا في حالة خوف شديد، لقرب سكنهم من منطقة الإشتباك المسلح بين المسلحين الفلسطينيين وقوات من البحرية الإسرائيلية.
ويقدر عدد سكان المناطق التي طلب الجيش الإسرائيلي من سكانها، في مدينة غزة وشمال قطاع غزة، إخلائها تمهيدا لتكثيف الغارات الإسرائيلية عليها بـ 225 ألف نسمة، وفق إحصائيات رسمية فلسطينية.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيحاي أدرعي، مساء أمس الثلاثاء: "بدأ الجيش بإرسال رسائل إلى الهواتف المحمولة لسكان كل من حيي الشجاعية والزيتون وبيت لاهيا، مطالبا بإخلاء المناطق تمهيدًا لتكثيف الغارات".