حقوق الإنسان تمر في أسوأ حالاتها بعد الانقلاب الذي قاده السيسي - أرشيفية
"الوحشية في مصر تستهزئ بالغرب" هو عنوان مقال كتبه إيان بيرل في صحيفة "إندبندنت أون صاندي" البريطانية ويستعيد في بدايته لقاءه بالناشطة المصرية يارا سلام وقال "كانت تعرف أن الثورات تحتاج لوقت، وأن الطريق للديمقراطية قد يكون طويلا ومؤلما، وسالت يارا عن شعورها بفوز الإخوان المسلمين في الانتخابات في بلدها؟ فأجابت إن كانت انتخابات نزيهة فلا مانع من فوزهم، وحتى تهديدهم أفضل من الجنرالات الشرسين الذين حكموا البلد لسنوات طويلة. وعندما قلت لها إنني مندهش من هذه الإجابة، ابتسمت وذكرتني أنها عربية".
ويقول بيرل "استعدت هذه الإجابة من المحامية الشابة الليبرالية في أكثر من مناسبة، عندما فاز الإخوان أولا بالحكم، ومن ثم أطيح بهم بعد عام بانقلاب عسكري، وظهرت مرتين في مقالين كتبتهما، وآخر كلام قالته لي في ذلك الوقت هو مناشدة للسلام والوحدة، قائلة إنه لو ضربك أو عذبتك الشرطة في السجن فلا فرق سواء كنت ليبراليا أو إسلاميا، وللأسف، أخشى أنها تفهم هذه الحقيقة البسيطة أكثر من أي وقت مضي".
ويشير التقرير لاعتقال يارا مع 30 شخصا في نهاية الأسبوع الماضي عندما كانت مع قريب لها تشتري عبوة مياه من كشك على طرف الشارع، حيث اندلعت التظاهرات قريبا منه ومن ثم قامت قوات الأمن بتفريق المتظاهرين وإطلاق الغاز المسيل للدموع واعتقال 30 شخصا من بينهم يارا "ويعتقد الأصدقاء أنه تم استهدافها بسبب نشاطها في الدفاع عن حقوق الإنسان، وهي معتقلة الآن في سجن القناطر، وواحدة ممن يقدر عددهم 40.000 معارض للانقلاب".
ويرى بيرل أن أحداثا كهذه عادية وتحدث دائما في مصر، "فقد رجعت الشهر الماضي من تغطية التتويج المسرحي لوزير الدفاع المصري السابق عبد الفتاح السيسي كرئيس. والتقيت رجلا ذهب لشراء سيارة جديدة ليجد نفسه يحضن رجلا في النزع الأخير بعد أن فتحت قوات الأمن النار على احتجاج آخر. وانتهى الأمر بالرجل الذي يعمل في مركز تلقي مكالمات في السجن، حيث ضرب وعذب وهدد بالاغتصاب، وبعد ذلك حشر في زنزانة تنبعث منها الرائحة الكريهة مع 70 آخرين، وبقي فيها بدون توجيه محاكمات لمدة شهر".
ولم يلتق زميلته يارا في تلك الزيارة "فقد كانت خارج المدينة وأرسلت لي رسالة بالبريد الإلكتروني قالت فيها إن مصر تشهد "أوقاتا مثيرة". وفي العادة ما يزعم المراقبون أن البلد قد أكمل الدائرة، أطيح بحسني مبارك ليعود ويقبل برجل قوي آخر، لكن دعاة حقوق الإنسان يقولون إن القمع أسوأ مما هو متوقع، فقد قتل حوالي 1.600 شخص وعشرة أضعاف هذا الرقم معتقلون منذ الانقلاب". وبحسب أحد الناشطين البارزين "هذا أسوأ ما شاهدناه في مصر في مرحلة ما بعد الاستعمار".
و"كشف عن هذا الوجه الفظ -كما يقول الكاتب- مرة أخرى الأسبوع الماضي بالحكم على صحافيي الجزيرة الثلاثة بالسجن لمدة 7 أعوام في قضايا ملفقة تتعلق بالإرهاب، فالأدلة كانت مثيرة للضحك، مثل القول إن هواتفهم النقالة تحتوي على أجهزة للتجسس، وكانت محكمة هزلية صممت لإرسال رسالة لقطر، المالكة للقناة والداعمة للإخوان المسلمين، وقبلها بأيام جاء قرار تأكيد المحكمة بالإعدام الجماعي على 183 من مؤيدي الجماعة ممن اتهموا بالهجوم على مركز للشرطة، بعد محاكمةٍ قال المحامون إنها كانت مهزلة وقامت على أدلة واهية".
صدرت عن الغرب أصوات شجب عالية إلا "بريطانيا والولايات" المتحدة ترفضان استخدام كلمة "انقلاب" رغم قيام الجيش بالإطاحة بحكومة منتخبة، وعادت أموالهم للتدفق للجنرالات مرة أخرى. وفي الوقت الذي ينتظر فيه صحافيو الجزيرة في زنازينهم تأكيد الحكم الصادر عليهم، التقى نائب الرئيس الأمريكي السيسي، وأفرج عن مبالغ كبيرة من المساعدات للجيش المصري، تم تجميدها منذ الإطاحة بمحمد مرسي. لكن رئيس لجنة المساعدات في الكونغرس شجب هذا، وقال إن "هذه الديكتاتورية تهزأ منا".
ويصف الكاتب فترة حكم مرسي بالكارثية، والحديث مع من دعموا انقلاب السيسي يعطي فكرة عن رغبة الناس للاستقرار والاقتصاد المنهار والسياحة المتراجعة، ولكن يجب أن لا يكون هناك أي وهم "فالثمن الذي دفع لسحق حقوق الإنسان والاضطهاد الفظيع ما هو إلا تخزين مشاكل للمستقبل كما رأينا في الماضي، فالشعار المتعب حول الاستقرار يهتف به مرة أخرى في منطقة مضطربة صارت كلمة بلا معنى".
ويقول إن الأمة المحطمة توضح التشوهات في السياسة الخارجية الغربية "نقوم بدعم الاستبداديين في المنطقة وفي الوقت نفسه نعمل على الإطاحة بالآخرين، ونتعاون في المعركة التي يظهر أنها ضد الإسلام السياسي ولكننا نتعانق مع الاستبداديين من الدول الملكية. ونزعم أننا نخوض حربا على الإرهاب ومع ذلك ننتهي بدعم المتشددين المتطرفين مع العدو القديم إيران، ولهذا السبب يتراجع التأثير الغربي".
ويتحدث الكاتب عن توني بلير الذي يقول إنه من "أكثر المدافعين عن النقاش الغريب الذي يقول إن السيسي يعيد مصر لمسار الديمقراطية، وهي فكرة تمثل إهانة للمعارضين المعذبين القابعين خلف القضبان لأنهم قاتلوا من أجل القيم التي قالوا إنهم آمنوا بها، واعتقال يارا يثبت أن الذين يعتقلون ليسوا المتشددين المسلمين كما يزعم المدافعون عن النظام، وهم يساريون وليبراليون وديمقراطيون ومدافعون عن حقوق الإنسان".
قالت يارا لي "لقد قاتلنا لسنوات، فلماذا نستسلم الآن، ومعنوياتنا لن تكسر".