في تحقيق شامل لثلاثة من مراسليها (سيمون كير في دبي، رولا خلف في لندن، وهبة صالح في القاهرة)، تابعت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تطورات العلاقة بين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق
توني بلير وبين القيادة السياسية في أبو ظبي ممثلة في الشيخ
محمد بن زايد.
وقالت الصحيفة في تحقيق لها بعنوان "بلير يضع أبو ظبي نصب عينيه كقاعدة لممارسة دور أشمل في الشرق الأوسط"، إن بلير يفكر في "فتح مكتب له في أبو ظبي، هذه الإمارة الغنية بالنفط وذات الدور المتعاظم، وذلك في تحرك واضح يستهدف تعزيز الدور الذي يلعبه فيما وراء الكواليس كوسيط تجاري وسياسي في الشرق الأوسط.
ونظرا لأهمية التحقيق الذي نشرته الصحفية في عدد أمس الثلاثاء، تورده "عربي21" كاملا:
يقال بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق، والذي ماتزال سمعته في المنطقة مثيرة للجدل، مقرب جداً من ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي يشاطره في عدائه السافر للإسلاميين. يقول أحد أصدقاء بلير: “هناك كيمياء تجمع بينه وبين محمد بن زايد”.
كما أن السيد بلير، والذي لديه عقد عمل كمستشار لـ “المبادلة” -أحد صناديق الثروة السيادية لأبي ظبي- يؤيد القادة المعادين للإسلاميين في مصر، حيث حكم بالأمس على ثلاثة من صحفيي الجزيرة بالسجن سبعة أعوام بتهمة مساندة الإخوان المسلمين.
علمت الفاينانشال تايمز من أشخاص لديهم اطلاع على عمل طوني بلير بأنه انتدب عدداً من الخبراء لكتابة تقرير حول جماعة الإخوان المسلمين، وهي الحركة الإسلامية التي مضى على تأسيسها ثمانون عاماً، وكذلك حول مزاعم قادة مصر العسكريين وداعميهم في الخليج بأن الجماعة متورطة في الإرهاب.
يقول مساعدو السيد بلير بأن التقرير هو لاستخدامه الشخصي، بينما أصر متحدث باسم أبو ظبي أنها لم تكلف أحداً بإعداد التقرير. إلا أن أشخاصاً على اطلاع بموضوع التقرير أعربوا عن اعتقادهم بأنه يتم إعداده بتكليف من قيادة دولة
الإمارات العربية المتحدة.
أصر أحد مساعدي بلير بأنه لا يسعى للحصول على عقود تجارية في الشرق الأوسط. ورغم أن السيد بلير لم يوقع بعد عقد إيجار مكتب له في أبو ظبي، إلا أن مساعده قال إن من المنطقي أن يكون له حضور دائم في الإمارات العربية المتحدة حتى يتسنى له متابعة شؤون عقود حكومية حالية بما في ذلك تلك العقود المبرمة مع كل من قازاخستان ورومانيا.
إلا أن آخرين على اطلاع بخطط السيد بلير قالوا إنه يسعى للعب دور الوسيط بين الخليج الثري نفطياً وأجزاء أخرى من العالم. من الجدير بالذكر أن آخر عقد حكومي أبرمه في الشرق الأوسط كان مع حكومة الكويت بهدف إدخال إصلاحات على مكتب رئيس الوزراء هناك عام 2009، إلا أن المشروع ما لبث أن أغلق عام 2012.
أحد الأشخاص الذين يعرفون السيد بلير جيداً قال: “إنه يرى فرصاً تجارية سانحة في المنطقة أمام مؤسسة طوني بلير وشركاه”. وهي المؤسسة التي تتخذ من لندن مقراً لها وتعتبر ذراعه التجاري وتتخصص في تقديم النصح للشركات والإرشادات المطلوبة للإصلاح الحكومي.
مازالت ظلال حرب العراق عام 2003، والتي كان بلير أحد المحرضين عليها، تهيمن على حياته بعد أن غادر منصبه الوزاري. وقد وجهت له انتقادات لاذعة مؤخراً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في
بريطانيا بعد أن دافع عن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية نافياً أن يكون ذلك الغزو قد مهد الطريق إلى ما يشهده العراق اليوم من فوضى.
لم تحل هذه القضية الخلافية دون أن يستخدم بلير شبكة معارفه ليعزز صداقاته في المنطقة بما في ذلك مع أبو ظبي التي تراجعت علاقاتها مع المملكة المتحدة بسبب ما اعتبر موقفاً بريطانياً أقل خصومة للأحزاب الإسلامية في المنطقة.
في تناغم مع حكومة أبو ظبي أعلن طوني بلير عن دعمه للانقلاب العسكري الذي وقع في مصر العام الماضي، ذلك الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب، والمنتمي للإخوان المسلمين، واصفاً الانقلاب في أحد خطاباته الأخيرة بأنه “إنقاذ ضروري للبلد”.
ما برح طوني بلير يصدح على الملأ باعتقاده بحتمية الانحياز إلى طرف ما في الشرق الأوسط وبأنه يرى بأن ما يجري في المنطقة إنما هو صراع بين الحداثة وما يسميه هو الإسلام الراديكالي. ففي خطاب ألقاه في بلومبيرغ في إبريل/ نيسان قال إن ما يجري هناك يمثل “أكبر تهديد للأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين”.
كما دعا إلى دعم الحكومات في الخليج رغم أنها في مجملها أنظمة دكتاتورية ولا تتسامح مع أي مخالف لها في الرأي. فهذه الأنظمة الحليفة للغرب في رأي السيد بلير “تنشر قيم التسامح الديني واقتصاد السوق”.
منذ انقلاب مصر والإخوان المسلمون يتعرضون لقمع لا هوادة فيه. بعض الأشخاص المطلعين على التقرير، الذي يعده بلير عن الإخوان المسلمين، يقولون إنه يساعد أبو ظبي في تقديم النصح في مجال الإصلاح الاقتصادي لعبد الفتاح السيسي، الرئيس الجديد وزعيم الانقلاب. وقد عقد الاثنان اجتماعاً بينهما في يناير.
يقول أحد المطلعين على هذا الأمر: “يرغب مسؤولو أبو ظبي في أن يساعدهم بلير في إقناع السيسي بضرورة الإصلاح الاقتصادي، فالسيسي يمكن أن يعجب بشخصية طوني بلير ويتأثر بها”.
يذكر أن تقرير بلير أمر مختلف تماماً عن التحقيق الذي تجريه الحكومة البريطانية حول جماعة الإخوان المسلمين، وهو التحقيق الذي أعلن عنه رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون في مارس، والذي يقول دبلوماسيون غربيون إنه جاء نتيجة لضغوط مارستها أبو ظبي على لندن لحملها على اتخاذ موقف أكثر تشدداً من هذه الجماعة الإسلامية.
من غير المحتمل أن يوصي التحقيق الذي تجريه الحكومة بإجراءات سترضي أبو ظبي مثل اتخاذ قرار بحظر نشاطات الجماعة.
يقول دبلوماسي مطلع على تقرير بلير بأن التقرير سيستخدم “لإعلام” الشعب البريطاني والشعوب الغربية الأخرى “بمخاطر” الإخوان المسلمين. في هذه الأثناء أنكر أحد مساعدي بلير أنه يسعى للحصول على عقد لتقديم المشورة للحكومة، ولكنه يقول بأن هدفه هو تحريض المجتمع الدولي على دعم مصر وتوجيه السلطات نحو الاستفادة من الأشخاص الذين بمقدورهم أن يساعدوها في ذلك.
رفض مكتب بلير التعليق عما إذا كان السيد بلير له علاقة بترتيب زيارة إلى القاهرة لمساعده السابق أليستر كامبيل، الذي كانت مهمته تسويق بلير وسياساته إلى الرأي العام.
احتفظ السيد بلير بعلاقات وثيقة بالنخب العربية من خلال عمله سفيراً إلى الشرق الأوسط لدى الرباعية التي تتكون من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. ومهمته هي التوسط بين الأطراف المعنية بعملية السلام ودعم الاقتصاد الفلسطيني، وقد أثبت هذا الدور قيمته الكبيرة بالنسبة له ووفر له المبرر ليتنقل في دول المنطقة، وبعض زياراته إلى أبو ظبي تكون تحت مظلة عمله سفيراً لدى الرباعية، مع أنه يتحرك تحت مسميات أخرى لها علاقة بالأعمال التجارية أو بالنشاطات الاجتماعية ذات الطبيعة الخيرية.
في الآونة الأخيرة زادت أهمية طوني بلير لدى أبو ظبي بسبب توتر العلاقات المتزايد بين الإمارة والمملكة المتحدة. فقد انزعجت أبو ظبي كثيراً بسبب وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد الثورات العربية عام 2011، واتهم المسؤولون في أبو ظبي الإخوان المسلمين بالسعي إلى إشعال الفتنة في الإمارات العربية المتحدة. في المقابل، لم تر المملكة المتحدة ضيراً في التعامل مع الحكومات المنتخبة في المنطقة بغض النظر عن توجهاتها.
وقد عبرت أبو ظبي عن امتعاضها من موقف المملكة المتحدة ومارست عليها ضغوطاً تجارية وسياسية.
فعلى سبيل المثال، تم استبعاد شركة بريتيش بيتروليوم بشكل مؤقت من المشاركة في مناقصة مشروع توسيع عمليات الاستكشاف البرية للنفط.
وبالرغم مما بذله السيد كاميرون من جهود، فقد استنكفت دولة الإمارات العربية المتحدة عن شراء المقاتلة الأوروبية تايفون، وقريباً سوف يعود إلى بريطانيا عشرات المستشارين العسكريين البريطانيين بعد أن امتنعت الإمارات عن تجديد عقودهم.
ثم تدهورت العلاقات بين المملكة المتحدة والإمارات العربية مجدداً في مطلع هذا العام حينما منحت بريطانيا اللجوء السياسي لثلاثة من أعضاء الإصلاح، وهي منظمة إماراتية تقول حكومة الإمارات إنها مرتبطة بالإخوان المسلمين.
بعض من زاروا الشيخ محمد بن زايد يقولون إنه يغلي غضباً تجاه لندن، وهذا ما يزيد أكثر فأكثر من قيمة طوني بلير لديه بما يكنه من تعاطف.