أحدث "مؤتمر الانتقال الديمقراطي" الذي عقدته
المعارضة بالجزائر، في العاشر من حزيران/ يونيو الجاري، هزات "ارتدادية" مازالت تضرب عمق الأحزاب الموالية للسلطة، بينما تحرص أحزاب المعارضة على "الحفاظ على روح المؤتمر" باعتباره بداية لتنسيق الجهود من اجل إنجاح "الانتقال الديمقراطي" الذي يعتمد لديها على "الانتقال السلمي والسلس للسلطة".
وترى قيادات أحزاب المعارضة التي شاركت بمؤتمر "الانتقال الديمقراطي" المنعقد من قبل "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، أنها تمكنت من "عزل" النظام بنجاح مؤتمر كان خصوم النظام الذين شاركوا بأطواره يشككون في مدى قدرتهم على إنجاحه، خاصة بعد رفض وزارة الداخلية منحهم الرخصة الإدارية لتنظيمه في المرة الأولى.
وقال الدكتور محند رزقي فراد، الباحث والناشط السياسي المعارض للنظام، لـ"عربي21" السبت، إن "من واجبنا استحداث آلية للحفاظ على روح مؤتمر الانتقال الديمقراطي"، وأضاف "أن البلاد تعيش لحظة تاريخية بالتئام المعارضة في مؤتمر الانتقال الديمقراطي الهادف إلى دعم الدولة
الجزائرية بالثقافة الديمقراطية بمعيارها النوفمبري".
ويقصد الدكتور فراد بالمعيار النوفمبري، العودة إلى "بيان أول نوفمبر" الذي بموجبه اندلعت الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي العام 1994، وهو البيان الذي اجمع المتدخلون في مؤتمر الانتقال الديمقراطي، قبل خمسة أيام أن السلطة الحالية " لم تتخذ منه مرجعا لبناء الدولة الجزائرية".
ويقول فراد: "لو كانت الغاية من مؤتمر الانتقال الديمقراطي، مجرد لقاء للمعارضة فقط -لا قدر الله-، فذلك يكفي ليسجل التاريخ أن المعارضة والمجتمع المدني بأطيافه المتنوعة، قد نجحا في وضع حجر الأساس للتغيير السياسي المنشود".
ويدافع فراد عن خيار تبني "مجلس تأسيسي" كما اعتمد في تونس، كتجربة سياسية يراها الكثير من المحللين أنها ناجحة، وأفاد أن "المجلس التأسيسي هو الفضاء السياسي الوحيد الذي يعبر عن الإرادة الشعبية، أمامنا دليل لدى إخواننا في تونس الذين وجدوا فيه حلا للانسداد".
ومعلوم أن أول من طالب بمجلس تأسيسي بالجزائر، هي رئيسة "حزب العمال" اليساري، لويزة حنون، التي طعنت في مصداقية البرلمان الجزائري الحالي وقالت إنه "لم يعد يعبر عن مطالب الشعب الجزائري بسبب الرداءة وشيوع المال السياسي الوسخ".
لكن حنون التي ترافع لتبني مجلس تأسيسي، تهجمت هذه المرة على الأحزاب والشخصيات التي شاركت بمؤتمر الانتقال الديمقراطي، وقالت لـ"عربي 21" على هامش لقاء بمنتخبي حزبها بالعاصمة، الجزائر، السبت أن "مؤتمر الانتقال الديمقراطي بمثابة انقلاب على السيادة الشعبية"، وأضافت" أن ما يدعوا إليه هؤلاء يشبه تماما ما دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا من خلال تشكيل حكومة وفاق وطني التي لا تستند إلى شرعية شعبية".
وتتلقى رئيسة حزب العمال، حملة انتقادات واسعة بسبب ما يوصف عنها" انتقالها من المعارضة إلى التأييد" من خلال دفاعها عن ترشح الرئيس بوتفليقة لانتخابات الرئاسة 17 نيسان/إبريل الماضي، و التي فاز بها وهو على كرسي متحرك.
وضربت السلطة مطلب مجلس تأسيسي، عرض الحائط، وسارعت إلى تنظيم
انتخابات نيابية يوم 10 مايو/أيار 2012، كما استنفرت أحزاب الموالاة طاقتها لمعارضة استحداث مجلس تأسيسي، وقالت إنه "يعيدنا إلى نقطة الصفر".
ولأول مرة، منذ 22 سنة، تسنى لقيادات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" تقريب "الميكروفون" من أفواههم للتعبير عن مواقفهم، من خلال مؤتمر الانتقال الديمقراطي الذي شارك به القياديان بـ"الجبهة" علي جدي وعبد القادر بوخمخم، وضما صوت رئيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" عباسي مدني ونائبه علي بن حاج، إلى صوت المعارضة ، بالدعوة إلى الانتقال الديمقراطي.
لكن هذه الخطوة، عارضتها الحكومة، على لسان رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال، الذي قال، الثلاثاء، 10 حزيران/ يونيو، في مؤتمر صحفي: "لا عودة للجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الساحة السياسية"، وشدد على أن "الأمر غير مطروح على الإطلاق"، وكان سلال يرد على سؤال صحفي، حول خلفيات دعوة مدير ديوان الرئيس بوتفليقة، لمسؤول "الجناح العسكري" لجبهة الإنقاذ، مدني مزراق للمشاركة في مشاورات المراجعة الدستورية القائمة حاليا مع الأطياف السياسية.
وكان علي بن حاج، انتقد خطوة مقربه السابق، مدني مزراق، وقال إن الذي يعبر عن مواقف الجبهة، هما إما بن حاج أو رئيسها عباس مدني.
وردا على مواقف السلطة الرافضة لعودة جبهة الإنقاذ من بوابة "مؤتمر الانتقال الديمقراطي، يقول الدكتور فراد إنه "لا خوف من جبهة الإنقاذ فقد لاحظنا تطورا كبيرا في خطاب قياداتها بعدما أصبحوا يتحدثون عن الديمقراطية والدولة المدنية والعلمانية دون حرج" ، وقال أيضا إنه "من الإجحاف أن نختزل هذا الحزب المنحل في الحرب الأهلية التي عصفت بالجزائر في تسعينيات القرن الماضي، لأن القسط الأوفر من المسؤولية يتحملها النظام المستبد الذي اغتصب السلطة منذ استرجاع الاستقلال سنة 1962م".
ولم تعلق أحزاب الموالاة على التوصيات التي خرج بها المشاركون في مؤتمر الانتقال الديمقراطي الذي نظم تحت "خيمة" كبيرة غربي العاصمة، الجزائر، في العاشر من حزيران/ يونيو، إلا بعد مرور أربعة أيام من تنظيمها، موجهة سهام انتقاداتها للمؤتمرين، ومنهم كبار مسؤولي الدولة السابقين كرؤساء الحكومات السابقة، مولود حمروش وأحمد بن بيتور والمترشح لانتخابات الرئاسة 17 نيسان/إبريل الماضي، علي بن فليس.
وتسعى السلطة والأحزاب المؤيدة لها، إلى محاولة امتصاص حماس المعارضة، التي تعتقد أنها حققت إنجازا عظيما لم تحققه منذ نصف قرن منذ استقلال الجزائر 1962، وادرج البعض "موقعة" المعارضة ضمن "السياق الديمقراطي العادي وحرية الرأي".
هذا ما عبر عنه عمر غول، رئيس "تجمع أمل الجزائر" الموالي للرئيس بوتفليقة، حينما قال، السبت أن "ما تمخض عن مؤتمر الانتقال الديمقراطي الذي عقدته أحزاب المعارضة، مرحب بهم مالم يهدد أمن واستقرار ووحدة التراب الوطني".
وقال غول المعروف بمغازلته المعارضة أحيانا والتهجم عليها أحيانا أخرى، على هامش لقاء مع كوادر حزبه: "لا نعلق على آراء الأحزاب ولا نرغب بان يعلق على مواقفنا الآخرون، لكننا نعتبر مؤتمر الانتقال الديمقراطي بمثابة مشاركة المعارضة في مشاورات مراجعة الدستور".
ومعلوم أن أحزاب المعارضة قاطعت المشاركة بالمشاورات واضعة السلطة في حرج كبير وعزلة، وقد خطف مؤتمر الانتقال الديمقراطي الأضواء من المشاورات الدستورية سياسيا وإعلاميا.
وقال قيادي كبير في حزب" التجمع الوطني الديمقراطي" فضل عدم ذكر اسمه لـ"عربي 21" السبت: "حزبنا يستغرب الطروحات التي قدمت ضمن توصيات مؤتمر الانتقال الديمقراطي"، وأضاف متسائلا: "لماذا يفضل هؤلاء المعارضون سياسة الكرسي الشاغر التي لا تجدي نفعا".
كما قال: "هناك ترويج لثقافة سياسية مستهلكة، بمسميات مختلفة، أن مقاطعة مشاورات المراجعة الدستورية ليست مجدية وإذا كانت المعارضة تريد التغيير ففرصتها ضمن المشاورات وليس ضمن الانتقال الديمقراطي".