أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن
قلقه إزاء الأحكام القضائيّة الجائرة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن في ذلك
المحامون والإعلاميون والنشطاء السياسيون والمعارضون في
تونس، والتي جاءت بعد حملة
اعتقالات ممنهجة نفذتها الأجهزة الأمنيّة التونسيّة ضدّهم إثر تصريحات وانتقادات
لأداء السلطات الرسميَّة وكيفية إدارتها للسياسات العامة في الأشهر السّابقة، لا
سيّما في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية التونسية.
وأصدرت محكمة تونسيّة في 24 أكتوبر/ تشرين
الماضي حكمًا بسجن المحامية والإعلامية "سنيّة الدّهماني" لعامين بموجب
المرسوم الرئاسي 54/2022 بتهمة "نشر أخبار زائفة". وكانت
"الدهماني" اعتقلت منذ 11 مايو/ أيّار الماضي، عندما اقتحمت قوات الأمن
التونسية مقر نقابة المحامين في العاصمة التونسيَّة، في سابقة خطيرة لم تحدث من
قبل، وتعرّضت للتضييق خلال فترة اعتقالها وحرمت من حقّها بمحاكمة عادلة، حيث منعت
من حضور بعض جلساتها.
وفي 18 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، قضت
الدّائرة الجنائيّة بالمحكمة الابتدائيّة بتونس بسجن القيادي بحركة النّهضة ووزير
العدل الأسبق "نور الدين البحيري" مدّة 10 أعوام على خلفية تهمة تتعلّق
بالاعتداء على أمن الدولة والتحريض على العنف بين المواطنين، في حين أكّدت محامية
"البحيري" أن المحاكمة "شابتها خروقات جسيمة" وأن موكلها
أُدين بسبب منشور وهمي على فيسبوك نُسب إليه، بينما أثبتت الاختبارات الفنية عدم
وجود المنشور أساسًا. ويقبع "البحيري" في السجن منذ 18 شهرًا إلى جانب
عدد من معارضي الرئيس "قيس سعيد".
وأدان المرصد الأورومتوسطي سجن وإدانة
معارضين وخصوم سياسيين للسلطة وحجز
نشطاء الرأي تعسفيًّا، معتبرًا هذه الممارسات
جزءا من حملة القمع المتصاعدة في تونس والتي تأتي من ضمن السّياسة الممنهجة في
تقويض الحقوق والحريَّات، لاسيَّما في ما يتعلق بالحق في حريَّة الرأي والتعبير
والحق في التجمع السلمي.
وأكد الأورومتوسطي أن تلك الممارسات تشكل
انتهاكًا صارخًا للضمانات الدستورية لحقوق الإنسان في تونس، لاسيما الفصل (37) من
الدستور الذي يكفل الحق في حريَّة الرأي والتعبير والإعلام والفصل (42) الذي يكفل
الحق في التجمع السلمي، والفصل 55 الذي يقر حدودًا ضيِّقة جدًا لتقييد هذه الحقوق
دون المس بما يتطلبه أي نظام ديمقراطي، ودون المس بجوهر الحقوق والحريَّات التي
تتمتّع بالحماية الدستوريَّة.
وأضاف الأورومتوسطي أنّ حملات الاعتقال
المستمرة في تونس تُشكل كذلك انتهاكًا جسيمًا لالتزامات تونس الدولية التي تشكل
ضمانة لحقوق الإنسان، لاسيما المادة (19) المتعلقة بالحق في حرية الرأي والتعبير
من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الدولة التونسية
في العام 1969، خاصة أن العقوبات السالبة للحرية لا تتناسب مع ممارسة الحق في
حرية الرأي والتعبير حتى ولو كان ذلك على شكل يخالف الضمانات الدستورية والدولية
لهذا الحق كما جاء في التعليق العام رقم (34) الخاص بلجنة الأمم المتحدة المعنيَّة
بحقوق الإنسان.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان
السلطات التونسيَّة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق
الإنسان والمعتقلين الذين يقضون أحكامًا على خلفية ممارسة الحق في حرية الرأي
والتعبير في سجونها، والتوقف عن الاعتقالات التعسفية والملاحقات غير القانونية،
واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير انسجامًا مع التزاماتها بموجب الدستور المحلي
والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وإلغاء كافة التشريعات التي تتعارض مع قواعد
حقوق الإنسان، وبخاصة المرسوم 54/2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة
المعلومات والاتصال، والذي ينتهك الحق في الخصوصية ويقيد الحق في حريّة الرأي
والتعبير ويفرض على هذا الحق عقوبات جنائيّة تعسفية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي
إلى الدّفع باتجاه احترام السلطات التونسيَّة لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانيَّة
وحكم القانون بالإضافة إلى الضمانات الدستوريَّة التونسيَّة والالتزامات الدوليَّة
ذات الصلة.
وينص المرسوم 54 على السجن خمس سنوات وفرض
غرامة مالية بحق كل من يُدان بنشر "شائعات أو معلومات مضللة"، وتتضاعف العقوبة إذا كان الأمر يتعلق بنشر إساءات ضد موظف عمومي.
ويحال إلى القضاء بموجب هذا المرسوم عدد من
المعارضين والمواطنين، إلا أن الاستهداف الأبرز يعدّ موجها للصحفيين بسبب انتقادهم
للرئيس وإبداء آرائهم أثناء عملهم.
وكان الصحفي مراد الزغيدي ومقدم البرامج
التلفزيونية والإذاعية برهان بسيس آخر من تمت إحالتهم بموجب هذا المرسوم وتم الحكم
عليهما بالسجن بتهمة نشر إشاعات وأخبار بقصد الإساءة إلى الغير، إذ قرر القضاء
التونسي سجن الصحفيين ستة أشهر "بسبب جريمة استعمال شبكة وأنظمة معلومات
واتصال لإنتاج وترويج وإرسال وإعداد أخبار وإشاعات كاذبة، بهدف الاعتداء على حقوق
الغير والإضرار بالأمن العام" بحسب نص الحكم، بالإضافة إلى ستة أشهر أخرى في
"جريمة استغلال أنظمة معلومات، ولإشاعة أخبار تتضمن نسب أمور غير حقيقية،
بهدف التشهير بالغير وتشويه السمعة والإضرار مادياً ومعنويا".
ومنذ 25 يوليو/ تموز 2021 تشهد تونس أزمة
سياسية حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية منها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار
تشريعات بأوامر رئاسية وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في يوليو 2022 وإجراء
انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات
"تكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسار ثورة
2011" التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011) .
أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية استمرت
5 سنوات، ثم أعيد انتخابه لولاية ثانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لولاية
ثانية، فقال إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من
"انهيار شامل".