أثر بعد عين.. هو حال الحراك الشعبي الأردني الذي انطلق في عام 2011 للمطالبة بإصلاح النظام من خلال تغيير جملة من التشريعات الناظمة للحياة السياسية، أبرزها قانون الانتخاب، ونهج تشكيل الحكومات، ورفع القبضة الأمنية، ومحاربة الفساد، وتقليص صلاحيات الملك.
حراك استمر على مدار 3 سنوات ليضع أوزاره عام 2013 لأسباب داخلية؛ أبرزها قمع الأجهزة الأمنية للناشطين، واختراق صفوف الحراك، وأخرى خارجية كان أبرزها الأحداث الجارية في مصر وسوريا والتي قسمت صفوف الحراكيين، وأخرى تتعلق ببنية و تكوين الحراك الذي انقسم على نفسه بسبب اختلاف الشعارات والمطالب.
و خلّف الحراك -رغم عمره القصير- إنجازات كان أبرزها كسر حاجز الخوف الشعبي، وكبح "فرامل" الأسعار لمدة عامين و محاكمة عدد من المتنفذين بقضايا فساد، و تعديلات دستورية – غير مرضي عنها- وتعديل تشريعات كقوانين الأحزاب والاجتماعات العامة، وقانون الانتخاب مع الحفاظ على نظام الصوت الواحد سيء السمعة، كما استطاع المعلمون انتزاع نقابة لهم بعد اعتصام مفتوح نفذوه عام 2011.
واستطاع الحراك على مدار أكثر من 100 جمعة أو أكثر من كسر حاجز الخوف لدى المواطن الأردني الذي بات ينتقد الحكومة و النظام وشخصيات متنفذه علنا متجاوزا خطوطا حمراء وصلت للمطالبة بـ "إسقاط النظام" عقب رفع سعر الغاز المنزلي.
ودفع الحراك النظام الأردني إلى تغيير أربع حكومات في أقل من عامين ليكون لعامي 2011 و 2012 خمس حكومات، كما أطاح ببعض الفاسدين.
و سرعان ما بدأ النظام الأردني بالتراجع عن ما قدمه من "تنازلات" بعد انخفاض وتيرة الحراك، إذ بادر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بإقالة رئيس الوزراء عون الخصاونة الذي حظي بشعبية رغم قصر عمر حكومته، وتكليف رئيس الوزراء فايز الطراونة المحسوب على التيار المحافظ الرافض للإصلاح والتغيير.
وخرج الطراونة حينها ليؤكد أن قانون انتخاب الصوت الواحد "لم يمت" وان الأردن قدم "تنازلات مؤلمة في
الإصلاح".
تحالف بين الأجهزة الأمنية ورموز عشائرية و"الكمبرادور"
أمين عام حزب الوحدة الشعبية اليساري المعارض د.سعيد ذياب، يرى أن هنالك "كتلة رجعية" وهي عبارة عن تحالف بين الأجهزة الأمنية وبعض رموز عشائرية و"الكمبرادور" نجحت بالضغط لتنفيذ استدارة كاملة عن عملية الإصلاح، و كان ذلك واضحا من مجيء رئيس الوزراء فايز الطراونة الذي يشغل الآن منصب رئيس الديوان الملكي.
وقال ذياب لـ"عربي21" إن هنالك حاجة ماسة لإعادة بعث الحراك الشعبي من جديد لتعديل قانون الانتخاب، و وقف الاعتقالات و إحالة الناشطين لمحكمة أمن الدولة، مضيفا: "لا بد من دفع القوى السياسية لإعادة الحراك من خلال ترتيب ذاتها، فالحاجة ماسة لذلك بسبب الوضع الاقتصادي الذي تعيشه القوى الشعبية وغياب العدالة الاجتماعية، وغياب الحريات، بالإضافة لوجود ردة عن الانفراج الديموقراطي في ظل محاكمة الناشطين في الحراك بتهم تقويض نظام الحكم".
المحلل السياسي د.لبيب قمحاوي يرى أن الحراك الشعبي في الأردن يختلف عن الحراكات العربية التي طرحت شعار "إسقاط النظام" إذ طرح الحراك الشعبي الإصلاحي في الأردن شعار "إصلاح النظام" وهذا يعني أن على النظام الأردني الموافقة على إصلاح نفسه، وبحسب قمحاوي "تتوقف عملية الإصلاح على رغبة النظام وهنا تكمن المشكلة، حيث وافق النظام على إصلاح الشعب وليس إصلاح نفسه".
ويقول لـ"عربي21": "انحنى النظام الأردني أمام العاصفة وابتلع كافة مطالب الإصلاح وقام بهضمها وإعادة إنتاجها مقسمة كما هو الحال بالتعديلات الدستورية والتشريعية، إذ لم يكن لدى النظام الأردني رغبة بإصلاح نفسه، وخرجنا بنظام إصلاحي تابع للنظام نفسه حيث سوق النظام الأردني نفسه لدى الغرب أنه من بادر في الإصلاح".
وزير التنمية السياسة خالد الكلالدة – معارض يساري سابق- أكد لـ"عربي21" أن الأردن بدأ الحراك المطلبي قبل ما يسمى بالربيع العربي بعدة سنوات؛ لكنه حافظ على هذا الحراك سلميا وآمنا؛ بسبب حكمة الحكومة والأجهزة الأمنية والمعارضة وهذه الحراكات وحرصهم على حماية المسيرة الديمقراطية وتعزيزها وعدم السماح بانعطافها عن هدفها الرئيسي.
وأضاف بأن "التعامل الحكيم مع الحراك المطلبي الشعبي والمهني والذي أعقبه مطالبات بإصلاحات سياسية واقتصادية وسط إقليم ملتهب أكد بأن الحوار والإصلاح المتدرج والتوافق هي أفضل الطرق لضمان نجاح الإصلاحات وديمومتها".
الوضع الإقليمي يؤثر على وتيرة الحراك
وانعكس الوضع الإقليمي في سوريا ومصر على وتيرة الحراك الأردني بعد أن استخدمت الأجهزة الأمنية الأردنية فزاعات لإخافة المواطنين الأردنيين من تكرار سناريو الحرب الدامية التي تجري في سوريا، كما خلق الملف السوري انقسامات في صفوف أحزاب المعارضة والحراكات الشعبية.
يقول عضو المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي الأردني مراد العضايلة لـ"عربي21" إن حجم الحراك الأردني انخفض بشكل كبير بسبب ما يجري في الإقليم واستخدام الدولة الأردنية الإعلام لتخويف الناس مما يجري في المنطقة العربية".
وأكد العضايلة أن انخفاض وتيرة الحراك لا تعني أن الشارع الأردني في حالة هدوء، و خير مثال "ما تشهده الممكلة من حالة عنف مجتمعي يظهر مع ابسط مشكلة" بحسب العضايلة.
كما يرى أن الوقت والظروف الحالية تتطلب مراجعة العلاقة بين أحزاب المعارضة والاستثمار في المستقبل فما زال المواطن تحت وطأة الفقر والحالة الاقتصادية والسياسة السيئة، "لذا يجب مراجعة الجميع لنفسه ووفتح العلاقات مجددا وأعاد إنتاجها بصورة تخدم المصلحة العليا".
ويتفق المحلل السياسي قمحاوي مع نظرية "تخويف المواطن الأردني" قائلا إن الحلول الدموية في سوريا ومصر وليبيا استخدمت في تخويف الناس وأصبح الأمن بديلا عن الديمقراطية والشفافية، فقد رسخت الحلول الدموية لدى الناس أن الحراكات في تلك الدول وصلت بالدم.
الاستثمار في الخوف
ومن الأسباب الأخرى لتراجع الحراك الشعبي – بحسب قمحاوي – دخول قوى إقليمية في ثورات
الربيع العربي كتركيا وايران، فتخوفت الناس أيضا من وصول مجموعات متطرفة – كداعش في سوريا- للحكم.
ويعتبر الحراك الإصلاحي الأردني من اضعف الحراكات العربية من حيث مشاركة الشباب، ويحمل أمين عام حزب الوحدة الشعبية د.سعيد ذياب الحكومة مسؤولية إبعاد الشباب الأردني عن العمل السياسي من خلال إعداد الشباب باتجاهين الأكاديمي و الوظيفي وحرمان الشباب من المشاركة السياسية من خلال التضييق عليهم.
واستمر الحراك الشعبي الأردني في فعالياته طوال عام 2012 و تعرض الكثير من أبنائه إلى الاعتقال من الأجهزة الأمنية؛ اعتقالات لاحقتهم حتى عام 2014 عندما أعادت حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور توجيه تهم للناشطين في الحراك الشعبي بأثر رجعي كان أبرزها تقويض نظام الحكم و إطالة اللسان.