تشهد الدبلوماسية
السعودية في الآونة الأخيرة حركة نشطة في بعض دول شمال وغرب أفريقيا، وهو ما أرجعه محلل سياسي إلى عاملين أساسيين، يتعلق أولهما في سعي السعودية إلى فك طوق الحصار السياسي والدبلوماسي المفروض على النظام
المصري الحالي، أهم حليف عربي لها، بعد تجميد عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي، إثر
الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي في تموز/ يوليو الماضي.
أما العامل الثاني فيكمن بمحاولة المملكة تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي بهذه المنطقة، ذات التأثير الحيوي على المستوى القاري.
واعتبر الصحفي الموريتاني والمحلل السياسي، سيدي أحمد ولد باب، الزيارة الأخيرة التي قام بها نائب وزير الخارجية السعودي، الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز، مؤخرا، لكل من
موريتانيا والسنغال، والتي بدأت بموريتانيا (التي ترأس الاتحاد الأفريقي)، محاولة لتغيير موقفها تجاه مصر.
وأضاف: أن الزيارة جاءت "لحث موريتانيا على إقناع دول الاتحاد الأفريقي بإرسال مراقبين للانتخابات الرئاسية المصرية القادمة (مقررة في 26 و27 أيار/ مايو)، من أجل إضفاء مصداقية على هذه الانتخابات، قد تسمح فيما بعد بالاعتراف بوزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي في حالة فوزه "المؤكد" من قبل الاتحاد الأفريقي، حسب قوله.
وكشف ولد باب، الذي يكتب في عدد من الصحف، أنه علم من مصادر دبلوماسية (لم يسمها) أن السعودية أبلغت النظام الموريتاني استعدادها لتمويل بعثة مراقبي الاتحاد الأفريقي، في حال اتخذ الاتحاد خطوة في هذا الصدد.
ورأى أن إعلان السعودية عن التمويل "السخي" لبعض المشاريع التعليمية بموريتانيا أثناء زيارة نائب وزير الخارجية، يعتبر بمثابة "محفزات" يُراد منها دفع النظام الموريتاني إلى تبنّي الموقف السعودي، بشكل مطلق بخصوص الملف المصري في دوائر صنع القرار على مختلف مؤسسات الاتحاد الأفريقي.
وقرر الاتحاد الأفريقي يوم 5 تموز/ يوليو الماضي تعليق مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد، وهو ما رفضته القاهرة، وأرسلت العديد من المبعوثين الدبلوماسيين إلى دول أفريقية في محاولة للدفاع عن موقفها، ولكن الاتحاد ظل متمسكا بقراره حتى اليوم.
وذهب بعض المراقبين إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث اتهموا السعودية بالضغط على الحكومة الموريتانية للضغط على تيار الإخوان المسلمين الذي يحظي بحضور شعبي وسياسي كبير بموريتانيا.
وقد ربط هؤلاء فكرتهم بقرار السلطات الموريتانية بحل جمعية "المستقبل" للدعوة والثقافة والتعليم، أوائل آذار/ مارس الماضي، وإغلاق فروع هذه الجمعية، التي يرأسها العلامة الموريتاني محمد الحسن ولد الددو المحسوب على الإخوان.
ورأوا أن قرار حل الجمعية يأتي في إطار حملة تشنها السلطات الموريتانية على جماعة الإخوان في موريتانيا، ويربطون هذه الحملة بالتقارب بين الأخيرة وكل من السعودية والإمارات.
وقال هؤلاء إن
الإمارات والسعودية قادتا، منذ الانقلاب على بمرسي حملة لتصنيف الإخوان كجماعة "إرهابية" على المستويات الخليجية والعربية والدولية.
لكن المحلل السياسي السنغالي سيرين بي استبعد أن تحقق السعودية اختراقا سياسيا أو دبلوماسيا بخصوص نظرة السنغال والاتحاد الأفريقي إلى الملفات المتعلقة بقضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان على مستوى دول الربيع العربي المتصلة بالجغرافية الأفريقية.
ولفت بي (وهو أستاذ للعلوم السياسية بجامعة الشيخ انتا جوب بدكار) إلى أن المساس بهذه الملفات بات في دائرة "الخطوط الحمراء" على مستوي القارة، معتبرا أن مسألة التطور الديمقراطي أضحت "مكسبا" تحرص الهيئات القارية والإقليمية الأفريقية على ترسيخه.
وأشار إلى أن تأثير السعودية بالمنطقة سيقتصر فقط على الدور الروحي في البلدان الأفريقية التي يوجد فيها نفوذ للإسلام، كما يمكن أن تحقق "اختراقا كبيرا" في المجال الاقتصادي والاستثماري بحكم الإمكانيات الهائلة لها.
وقال وزير الخارجية السنغالي مانكير أنجاي، إن حصة السنغال لوحدها من الاستثمارات الموجهة من طرف الصندوق السعودي للتنمية إلى دول غرب أفريقيا تصل حوالي 40%.
وأضاف أنجاي، في تصريح بثه التلفزيون الرسمي السنغالي عقب لقاء أجراه مع نائب وزير الخارجية السعودي، قبل أيام، أن "الاستثمار السعودي ينصب نحو القطاعات القادرة على الدفع بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد".
وثمّن الوزير السنغالي العلاقات السنغالية - السعودية، معتبرا أن "هناك تقاربا في الرؤى بين الجانبين بخصوص الملفات الدولية"، حسب قوله.
بدوره، قال نائب وزير الخارجية السعودي عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز إن زيارته تأتي لـ"تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين"، مضيفا، في تصريح مقتضب للصحف السنغالية، أن "البلدين يتمتعان بعلاقات تعود لفترة طويلة".
وأجرى نائب وزير الخارجية السعودي جولة أفريقية بدأها بزيارة موريتانيا السبت والأحد الماضيين تلتها السنغال.
وخلال الزيارة أعلن الأمير السعودي عن منحة إلى موريتانيا بلغت نحو 30 مليون دولار لبعض المشاريع التعليمية، من بينها كل العلوم التقنية الجديدة.
وتعتبر السعودية والإمارات من أوائل الدول التي سارعت إلى تقديم دعم مالي للقاهرة، بعد أيام من الانقلاب على بمرسي، وأعلنت دعمها للسلطات الانقلابية الحالية في مصر.
وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي لها مرسي جماعة "إرهابية"، تلتها السعودية في السابع من آذار/ مارس الماضي.