يصل
وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، إلى مكتبه في مبنى الوزارة صباحا كالمعتاد، يطلب مدير مكتبه هاتفيا، وعندما يقف أمامه يوجه له الوزير السؤال الذي اعتاد توجيهه له كل صباح: "ها، هانحضر جنازة مين من الضباط النهار ده؟".
يرد مدير مكتبه بشكل روتيني: "النهار ده عندنا جنازة العقيد فلان الفلاني، والموكب جاهز تحت المبنى، معاليك".
يرتدي الوزير نظارته الشمسية، ويعيد التأكد من إحكام رباط العنق، ويقول لمساعده: "توكلنا على الله، يلا بينا".
وبعد انتهاء مراسم تشييع الجثمان، وأثناء العودة مرة أخرى إلى الوزارة، يسأل الوزير مساعده: "حضرتو بيان الشجب والتأكيد على أن اغتيال الشهيد لن يرهبنا، وأنه بيزيدنا إصرارا على حماية الشعب واجتثاث الإرهاب والشويتين دول؟".
يرد المساعد: "يا فندم هو هو نفس البيان اللي بنطلعه كل يوم، إحنا بس بنغير اسم الضابط الشهيد وتاريخ البيان وخلاص".
يهز الوزير رأسه راضيا، وينظر إلى الشارع ويقول: "عظيم عظيم، الناس مش مقدرة التعب اللي أنا باتعبه، لو بس يعرفوا المجهود اللي ببذله في حضور
الجنازات هايعذروني والله".
يرد المساعد بنبرة نفاق يعرفها
المصريون جيدا: "كان الله في العون يا فندم، ده معاليك أكتر وزير حضرت جنازات في تاريخ الوزارة".
بهذه القصة القصيرة المتخيلة، التي لا تختلف كثيراً عن الواقع في نظر كثيرين، عبر أحد النشطاء على فيسبوك، عما يعتقد أنه فشل ذريع لوزير الداخلية في أداء المهمة المكلف بها، وعدم قدرته على حفظ الأمن في البلاد، واستمراره بالرغم من هذا في منصبه.
جنازات يومية
ويقول مراقبون إن التدهور الشديد في الحالة الأمنية التي تعيشها البلاد، وحالات القتل شبه اليومية التي يتعرض لها ضباط
الشرطة، يؤكد أن الوزير محمد إبراهيم إما فاشل أو متواطئ فيما يحدث.
وكان آخر القتلى، العميد أحمد زكي الضابط بالأمن المركزي، الذي لقي مصرعه صباح الأربعاء بمدينة السادس من أكتوبر، وكان قد أصيب مجندان آخران إثر انفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارة الضابط أثناء توجهه إلى عمله.
وكالمعتاد، تقدم إبراهيم محلب رئيس الوزراء واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، الجنازة العسكرية للقتيل.
وفي اليوم نفسه، قتل الملازم أول أحمد الديهي في تبادل إطلاق نار بالإسكندرية مع عناصر إرهابية، وفق بيان لوزارة الداخلية.
وكالمعتاد أيضا، وجه وزير الداخلية بتوفير الرعاية لأسرة "شهيدي" الشرطة وتوفير الرعاية الصحية للمصابين، لكن هذا لم يعد يقنع كثيرا من المصريين، الذين يرون تلك الهجمات تزداد جرأة يوما بعد يوم، حتى وصلت إلى إطلاق النار على منزل عائلة الوزير في محافظة السويس منذ عدة أيام.
وزير الشرعية والانقلاب
تولى اللواء محمد إبراهيم حقيبة الداخلية في كانون الثاني/ يناير 2013، في حكومة هشام قنديل خلال حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، وبعد الانقلاب العسكري بقي إبراهيم في منصبه، بالرغم من أن معارضي مرسي طالبوه كثيرا بإقالته.
تدرج إبراهيم المولود بمحافظة السويس في 10 نيسان/ أبريل عام 1953، في العمل الشرطي منذ عام 1980 عقب تخرجه في كلية الشرطة، حتى تولى منصب مدير أمن أسيوط عام 2011.
وفي أغسطس 2012، تمت ترقيته ليتولى منصب مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون، حتى تم تكليفه بتولي الوزارة يوم 5 كانون الثاني/ يناير.
وفي عهده شنت أجهزة الأمن أوسع حملة اعتقالات منذ عقود بحق مناهضي الانقلاب، كما أسفر فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة عن مقتل وإصابة الآلاف من أنصار الرئيس مرسي.
وتعرض إبراهيم في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2013 لمحاولة اغتيال فاشلة، بعد تفجير عبوة ناسفة بالقرب من موكبه بالقاهرة، عكست فيما يبدو ضعف الحالة الأمنية في البلاد.
كما أنه تم تفجير مديريتي أمن الدقهلية والقاهرة، وتم حرق عشرات الأقسام، وقتل ما يزيد على 500 من رجال الشرطة في عمليات عنف متصاعدة.
كثيرون يطالبون بإقالته
وقالت صحف مصرية إن وزارة الداخلية تشهد غضبا متصاعدا من الضباط والقيادات، بسبب العمليات شبه اليومية ضد عناصرها، واتهموا وزير الداخلية بالفشل في حماية أبناء الوزارة.
وطالبت قيادات في الداخلية بإقالة الوزير على الفور، مؤكدين أن دوره أصبح ينحصر في حضور الجنازات العسكرية للضباط بعد قتلهم.
ولم يتوقف الهجوم الحاد ضد الوزير عند ضباط الداخلية فقط، بل إنه أصبح يتعرض لانتقادات شديدة من مؤيدي الانقلاب ومعارضيه على حد سواء، حيث يتهمه المؤيدون بالضعف، فيما يرى مناهضو الانقلاب أنه "سفاح" وشريك أصيل لوزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي في قتل آلاف الأبرياء.
فقد طالب الناشط الحقوقي جمال عيد الأسبوع الماضي، بإقالة اللواء محمد إبراهيم ومحاسبته بعد الاستهداف المتكرر للصحفيين خلال الفترة الأخيرة، ومقتل بعضهم برصاص الشرطة.
وطالب حزب الحركة الوطنية، الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق، بإقالة الوزير أيضا، لكن لسبب مختلف، حيث يرى الحزب المؤيد للانقلاب أن الوزير فشل فشلا ذريعا في مواجهة "الإرهاب"، ولم يتمكن طوال الشهور الماضية من وقف العمليات المتصاعدة على نحو خطير.
ومنذ أسبوع، وقعت مجزرة مروعة في محافظة أسوان، بسبب اشتباكات قبلية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، وهو ما جعل أحزابا وقوى سياسية متعددة الانتماءات تطالب بإقالة وزير الداخلية، لفشله في السيطرة علي تلك الأحداث الدامية.
ويوم الثلاثاء نشرت صحيفة "الشروق" صورا تظهر وزير الداخلية في إجازة "شم النسيم" في منتجع راق على البحر المتوسط مع أفراد حراسته، قالت الصحيفة إن تلك الزيارة تسببت في حالة من الغضب بين عدد من ضباط الشرطة، الذين أكدوا أنهم لم يحصلوا على إجازات منذ سنة على الأقل.
وانتقد عدد من الضباط وزير الداخلية، قائلين: "إن إجراءات تأمينه خلال الزيارة كانت ضعيفة ويسهل اختراقها"، وتساءل أحدهم قائلا: "وزير الداخلية مش قادر يأمن نفسه، هيأمن الضباط إزاي؟".