أثارت الضربات الجوية للطائرات الأمريكية بدون طيار انتقادات واسعة في
اليمن، وللمرة الثانية ينضم
البرلمان اليمني إلى دائرة الرافضين لها، حيث قرر، الأحد استدعاء وزيري الدفاع والداخلية للاستيضاح حول استمرار الغارات في مناطق مختلفة من البلاد.
وذكر البرلمان، في بيان له، أنه "قرر استدعاء وزيري الدفاع والداخلية للحضور يوم الخميس القادم لتوضيح أسباب استمرار تحليق
الطائرات بدون طيار وقصفها للمواطنين الأبرياء".
ويأتي هذا الاستدعاء من قبل البرلمان اليمني، بعد مقتل ثلاثة مواطنين وإصابة خمسة في
قصف نفذته طائرة بدون طيار بمحافظة البيضاء وسط البلاد.
وكان البرلمان اليمني صوّت في 15 من كانون الأول/ ديسمبر 2013 على منع الطائرات بدون طيار، عقب حادثة مقتل 17 مدنيا في رداع بمحافظة البيضاء قضوا في ذلك القصف، بينما أقر مؤتمر الحوار الوطني تجريم استخدامها ومنع الصواريخ الموجهة وتجريم القتل خارج نطاق القانون.
ويشير مراقبون إلى أن الغارات التي تشنها الطائرات الأمريكية بدون طيار، ضد من يعتقد أنهم أفراد من القاعدة، لم تكبح جماح تحركاتهم المسلحة، بل وفرت لها حاضنة شعبية، وخاصة في المناطق القبلية، بعد أن تبين أن أغلب من سقطوا في تلك الغارات هم من المدنيين.
وفي أقل من 24 ساعة، نفذ الطيران الأمريكي بدون طيار، ثلاث غارات على من يشتبه أنهم يتبعون تنظيم القاعدة، الأولى حدثت في مديرية الصومعة بمحافظة البيضاء وسط اليمن وأسفرت عن سقوط أكثر من 18 شخصا، بينهم أربعة عمال بناء وإصابة سبعة آخرين، تواجدوا -حسب الرواية الرسمية- بشكل مفاجئ أثناء عملية القصف التي نفذتها طائرة بدون طيار على سيارة تقل عناصر القاعدة ووصفتهم أنهم من أخطر كوادر التنظيم.
أما الغارة الثانية التي وقعت في مديرة المحفد التابعة لمحافظة أبين جنوب البلاد، فأسفرت عن مقتل 5 أشخاص من المشتبه بانتمائهم للقاعدة، وأسفرت الغارة الثالثة التي شنها الطيران الحربي اليمني، استهدفت معسكرا لتدريب عناصر القاعدة، في منطقة المحفد بمحافظة أبين، أسفرت عن سقوط 15 ما بين قتيل وجريح.
الصحفي المتخصص في شؤون القاعدة، عبدالرزاق الجمل، يشدد على أن "الرواية الرسمية مبنية على كذب، الغرض منه التبرير لما يقوم به الطيران الأمريكي".
وأضاف لــ"عربي 21" أنّ "التفاصيل التي أوردتها اللجنة الأمنية العليا بخصوص ضحايا غارة البيضاء التي حدثت السبت، وضحايا غارة المحفد صباح الأحد، غير صحيحة".
وحول توقعاته للرد على الغارات التي استهدفت عناصرها أشار الجمل إلى أنه "من خلال ردود أفعال القاعدة السابقة على الغارات الأمريكية يمكن معرفة ردة فعلها المستقبلية".
وتناقلت وسائل إعلام أمريكية، الأسبوع الماضي، تسجيلا مصورا، ظهر فيه القيادي البارز في القاعدة ناصر الوحيشي، يستقبل عناصر القاعدة الفارين من السجن المركزي بصنعاء.
وأوضح الجمل أن أمريكا اضطرت للتعليق على التسجيل رغم مرور أسابيع على صدوره، لتبرر سلسلة غارات تنوي شنها، وشهدنا منها أربعا حتى الآن".
وفسّر تصاعد وتيرة الضربات، ضد عناصر القاعدة بأنه إجراء يناقض "قرار قيادة الجيش بالوقوف على الحياد إزاء تقدم الحوثي في الشمال مقابل تصاعد وتيرة الغارات الأمريكية في الجنوب" ما يعني أن "هناك رغبة محلية ودولية لتمكين الحوثيين ".
ونوه إلى أن "الطائرات الأمريكية من دون طيار، التي تقتل اليمنيين، تنطلق من قواعد في دول مجاورة أكبرها قاعدة في المملكة العربية السعودية".
وعن هذا الأمر تحديدا أدان رئيس المنظمة الوطنية لضحايا الطائرات الأمريكية بدون طيار محمد القاولي "الهجمات الأمريكية، التي تنتهك السيادة اليمنية وتمارس القتل خارج القانون".
واعتبر القاولي في حديث لــ "عربي 21" أن هذه الهجمات تعد تدخلا سافرا في الشؤون اليمنية، ومصادرة لحق المواطنين في الحياة، وتُعد انتهاكا صارخا لكل القوانين والأعراف الدولية.
ولفت إلى أن "مثل هذه الهجمات تزيد من معاناة المواطن اليمني الذي يبحث عن الأمن والاستقرار والعيش الكريم كبقية شعوب العالم".
وقال إن "هذه الهجمات جعلت الوطن يدخل في دوامة من العنف والعنف المضاد، ومزيدا من التوتر بسبب هذه الحرب الإجرامية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية بمباركة قيادة اليمن السياسية". متهما إياها بـ "العجز عن حماية مواطنيها وحفظ كرامتهم، بل سلمت أمرها لأمريكا في حرب إجرامية ثبت فشلها، زادت الجماعات المسلحة قوة، وأكسبتها أنصارا جددا بسبب استهداف الأبرياء".
وفي 24 من آذار/ مارس الماضي تم إشهار منظمة حقوقية يمنية هي الأولى من نوعها، تناهض هجمات الطائرات بدون طيار واختير القاولي رئيسا لها، بعد أن راح ضحية الهجمات العشرات من المدنيين، منهم شقيقه علي، وابن عمه سليم في غارة جوية استهدفت سيارتهم، أثناء عودتهم من سوق القات، في 23 من كانون الثاني/ يناير 2013.
ومنذ الهجوم على المدمرة الأميركية "كول" على شواطئ مدينة عدن جنوب اليمن، في تشرين الأول/ أكتوبر 2000، وما أعقبته من هجمات 11 من أيلول/ سبتمبر 2001، أصبح اليمن ساحة للحرب التي دشنتها الولايات المتحدة مطلع القرن ضد "الإرهاب".
وفي مطلع أيار/ مايو 2011، دشنت الطائرات الأمريكية بدون طيار، بصورة مكثفة، ضرباتها، ترافق ذلك مع سيطرة مسلحي ما عرف بـ"أنصار الشريعة" المرتبطين بتنظيم القاعدة على محافظة أبين، ومناطق مجاورة في محافظة شبوة، وكأنه كان بداية لمرحلة جديدة من الحرب على ما يسمى بـ"الإرهاب" حيث قامت الطائرات بدون طيار، بتوسيع عملياتها في أكثر مناطق اليمن، بعدما كانت هجماتها محصورةً على مناطق محدودة. ما يقدّر عدد الضحايا في تلك الفترة بأكثر من 511 قتيلاً كما تقول إحصائيات حقوقية.
وكان عام 2012 سجل ارتفاعا ملحوظا في عدد الغارات الأمريكية، بحيث تخطت اليمن، عن باكستان التي تشهد ضربات مماثلة، وقد خلفت مآسي وآلاما لذوي الضحايا، خاصة المدنيين، الذين قتلوا عن طريق الخطأ، كماتقول الروايات الرسمية اليمنية..
ففي 12من كانون الأول/ ديسمبر 2013، شنت الطائرات الأميركية ضربة استهدفت موكب زفاف في مدينة رداع بمحافظة البيضاء، وسط البلاد، وقتلت نحو 17 شخصاً كلهم من المدنيين. وتُعد ثاني عملية تستهدف مدنيين في البيضاء، إذ قتل 12 مدنياً في غارة أميركية في 2 من أيلول/ سبتمبر 2012، قيل إنها كانت تستهدف قادة في القاعدة وأخطأت هدفها.
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر2002 حتى آذار/ مارس 2014، قدرت هجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار بنحو "182" ضربة، وتشير الإحصائيات إلى بلوغ عدد
القتلى، بالغارات الأميركية للطائرات بدون طيار، ما بين 752 قتيلا و1306 قتلى، بينهم نحو 206 مدنيين، ونحو 40 طفلاً، بينما يقدر عدد الجرحى بـ400.
وفي الغالب تشن عناصر تابعة للقاعدة عقب كل ضربة هجمات ضد مواقع عسكرية وأمنية، كردة فعل عكسية من قبل تنظيم القاعدة، أسفرت عن مقتل العديد من رجال الأمن والجيش اليمني.