قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة المملكة العربية
السعودية في شهر آذار/ مارس الماضي، وذلك من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي قامت منذ منتصف الخمسينات من القرن المنصرم، بين كل من سعود بن عبد العزيز وروزفيلد. فهل ما زال الذي يجمع أمريكا والسعودية من مصالح "الصفقة" أكثر مما يفرقهما.
وقال الكاتبان الإسرائيليان يوئيل جوجنسكي وعوديد عيران، أنه ما تزال كل من أمريكا والسعودية مصالح كبيرة تجمعهما، إذ أن السعودية تحتاج أمريكا في الحماية وأمريكا تحتاج السعودية في النفط وفي كمية انتاجه وأسعاره، وأيضا مساعدتها في حربها ضد "الإرهاب".
ولكن في الفترة الأخيرة أحست السعودية بنوع من الخوف من قبل أمريكا بسبب التقارب بينها وبين إيران، العدو التقليدي للسعودية، وخوفها من يكون التقارب على حسابها وأن تصبح إيران قوة إقليمية في المنطقة.
وخاصة أنه لا يوجد أحد معني بملأ الفراغ الذي ستتركه أمريكا إن هي تركت منطقة الخليج، بعد اكتشاف النفط في أمريكا.
من ناحيته تجنب أوباما الحديث عن وضع حقوق الإنسان والحريات في السعودية لئلا يغضبهم، وخاصة أن أوباما لديه مشاكل أكبر يحتاج لحلها أكبر من مسألة الحريات.
إن لقاء أوباما وعبدالله لن يدخل أغلب الظن كتب التاريخ مثلما دخل لقاء بن سعود وروزفيلد. ومن السابق لأوانه أن نعرف هل سيولد اللقاء تغييرا في
السياسة من جانب الأمريكيين أو السعوديين بالنسبة للمسائل على جدول الأعمال، وذلك لأن الطرفين لم يطورا توقعات عالية منه.
ويبدو أنه بالنسبة للأمريكيين هذا هو الحد الأقصى الذي هم مستعدون لعمله الأن من أجل تحسين العلاقات. وبالنسبة للسعوديين كان هذا هو الحد الأدنى الاضطراري. وكما يقول الكليشيه فإن أهمية اللقاء هي في مجرد انعقاده.
وهذا نص المقال:
الهدف الأساس لزيارة الرئيس أوباما الأخيرة إلى السعودية كان ترميم صورة الولايات المتحدة في نظر النخبة السعودية وإعادة الثقة بتصميم الولايات المتحدة على الهروع لحماية حلفائها عند الحاجة.
والفهم بأن الولايات المتحدة ستفعل ذلك كان في أساس العلاقات التي تطورت منذ اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية ولا سيما منذ لقاء الرئيس روزفيلت والملك بن سعود على ظهر البارجة الأمريكية USS Quincy في قناة السويس في شباط 1945. ومنذئذ استندت علاقات الولايات المتحدة والسعودية إلى "الصفقة" التي يمكن تسميتها "النفط مقابل الأمن".
وعلى مدى عشرات السنين تؤدي السعودية دورها "في الصفقة" فيما ترشح كميات النفط التي تنتهجها وفقا للاعتبارات الاستراتيجية الأمريكية أيضا.
ومن جهة أخرى، تصدع في السنوات الأخيرة احساس اليقين في الرياض من أن الولايات المتحدة ستلتزم بنصيبها في الصفقة. وينبع الاحساس في الرياض من سلوك الولايات المتحدة في سلسلة من المسائل الإقليمية، وأولا وقبل كل شيء مسألة النووي الإيراني والحرب الأهلية في سوريا والتي عززت صورة الولايات المتحدة كقوة عظمى في حالة تراجع.
لقد وصل الرئيس أوباما للمرة الثانية إلى الرياض دون أمل في فتح "صفحة جديدة مع العالم الإسلامي"، ولكن في ساعة مصيرية لعلاقات الدولتين والنظام الإقليمي والعالمي. وكانت الزيارة الأولى للرئيس إلى الدول العربية هي للسعودية في تموز 2009، عشية خطابه إلى العالم الاسلامي، شهادة على الأهمية التي يوليها أوباما للمملكة ولمكانتها في العالم الإسلامي. وسعى الرئيس في حينه إلى التشاور مع الملك عبدالله في الموضوع الإيراني والحصول على تأييده لتحريك المسيرة السلمية الإسرائيلية – الفلسطينية. وفوق كل شيء، سعى الرئيس أوباما إلى الفكاك من إرث سلفه و "فتح صفحة جديدة" مع العالم الاسلامي. ولهذا السبب فقد حبذ، على حد قوله، المجيء إلى "المكان الذي ولد فيه الإسلام".
ومع أن الولايات المتحدة والسعودية لا تتقاسمان القيم، إلا أنهما تتقاسمان، حتى الأن مصالح غير قليلة. فعلى مدى نحو 70 سنة أعربت الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء عن الالتزام بالحفاظ على أمن المملكة. وبالفعل، فقد اجتازت العلاقات بين الدولتين حتى الأن أزمات حادة في الماضي بدء بحظر النفط في 1973 وحتى الأزمة في أعقاب الهجمة الإرهابية في 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
ولا تزال الأخيرة بحاجة إلى السعودية في حربها ضد الإرهاب وعلاقاتها في اليمن، أفغانستان والباكستان والمملكة بحاجة إلى القوة العسكرية للولايات المتحدة كي توازن التهديد المحدق من إيران. ولكن في بعض الحالات فإن السياسة التي تتخذها المملكة تمس، وأحيانا تتضارب، والسياسة الأمريكية: التأييد لنظام الجنرالات في مصر والمتطرفين الإسلاميين في سوريا هما مثالان بارزان على ذلك.
ومن الجهة الأخرى فإن التقارب المدروس بين الولايات المتحدة وإيران، الخصم الإقليمي المركزي للسعودية، هم مثار للانزعاج في نظر السعوديين.
في المدى القصير فإن التخوف الأكبر في الرياض هو من تقارب أمريكي – إيراني. فالنشاط الدبلوماسي الأمريكي الرامي إلى محاولة تهدئة حلفائها العرب لم يغير الانطباع في الخليج في أن الاتفاق المرحلي مع إيران يستند إلى تضليل إيراني وإلى خداع ذاتي من جانب الأمريكيين. وتخشى السعودية بقدر أقل من المعاني الفنية للاتفاق المرحلي، وبقدر أكبر – من الامكانية الكامنة في المحادثات الجارية الأن على الاتفاق الدائم، لتقارب أمريكي إيراني ومن الأثار التي فيه على مكانة إيران في الخليج وما وراءه.
في نظر السعودية، فإن الاتفاق مع إيران ليس سوى تمهيد لابتعاد أمريكي عن المنطقة مما سيترك إيران دولة حافة نووية وذات مكانة إقليمية محسنة. فضلا عن ذلك فإن التقارب الأمريكي – الإيراني من شأنه أن يؤثر على السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ومعناه ابقاء الأسد في الحكم (الفرضية، المقبولة على السعوديين، هي أن أوباما لم يتدخل عسكريا في سوريا في أيلول 2013 كي لا يعرض للخطر الاتفاق المقترب من إيران).
الاحساس في الرياض هو أن إيران تراكم قوة والولايات المتحدة جذابة أقل. بيد أن الامكانيات التي توجد أمام المملكة الشائخة ليست كثيرة وليست فضلى. فليست أي قوة عظمى – الصين، روسيا أو الهند – قادرة، أو معنية، في هذه المرحلة بلعب الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الحفاظ على أمن الخليج. ولكن السعودية لا تطرح فقط شكوكا بالنسبة للجدوى في الابقاء على التحالف مع الولايات المتحدة – بل تتخذ خطوات مختلفة يفهم منها بانها تحاول تصميم منظومة علاقات مختلفة مع الولايات المتحدة سيتاح لها في إطارها حرية مناورة أكبر.
وبالتالي فإن ترتيبات أمنية جزئية ومتوازية مع دول أخرى كفيلة هي أيضا بأن تدرس بجدية في الرياض. فقد عاد ولي العهد سلمان مؤخرا من جولة وصفت بالتاريخية إلى الباكستان، اليابان، الهند والصين بحث فيها في سلسلة منم المواضيع الاقتصادية، السياسية والعسكرية – دليل ربما على تفكير من هذا النوع في المملكة.
بعد اللقاء علم أن الرئيس أوباما فصل جهوده في الموضوع الإيراني، وهدأ الملك بأن الولايات المتحدة ستبقى المملكة في صورة المفاوضات وفي كل حال لن تتخذ "صفقة سيئة" مع إيران. المشكلة هي أن الوعود من هذا النوع لا تحظى بثقة كبيرة في السعودية. وشرح أوباما للملك، هكذا حسب التقرير، بأنه دخل المحادثات مع إيران "بعيون مفتوحة" (with eyes wide open ) ولكن من المعقول أن يكون الملك بقي شكاكا بالنسبة للمفاوضات مع إيران وفي كل حال ناشد الرئيس اتخاذ خط أكثر حزما حيال ما يسميه "الدور السلبي" لإيران في المنطقة.
في حديثهما الذي استغرق نحو ساعتين، ركز الرجلان إضافة إلى الموضوع الإيراني في الحرب الأهلية في سوريا أيضا. ولا بد أن يكون الملك ابن التسعين قد أوضح للرئيس بأن البحرين هي خط أحمر بالنسبة للسعوديين وأنه لا ينبغي حث المملكة السنية في الجزيرة الصغيرة على تنفيذ اصلاحات في ضوء المخاطر التي تحدق بها من جهة إيران.
في موضوع الحرب الأهلية في سوريا، التي تدخل سنتها الرابعة، معقول أن الملك ناشد الرئيس لاتخاذ خطوات حقيقية تؤدي إلى إسقاط الأسد. وقبل اللقاء سرب الأمريكيون بأنهم يعتزمون تشديد دعمهم للمعارضة السورية. غير أنه ليس واضحا لهم بعد بأي شكل ولا لأي مجموعة ثوار.
ويفهم من التقارير ما بعد اللقاء بأن الطرفين قلصا الفجوات في الموضوع وإن كانت الخلافات لا تزال قائمة. وعلى نحو خاص، يطلب السعوديون تسليح الثوار "المعتدلين" بصواريخ كتف (MANPADS)، من شأنها على حد قول الأمريكيين أن تقع في أيدي "غير الصحيحة". وهذا مجرد مثال واحد على الادعاء الأمريكي بأن الأمريكيين والسعوديين "يتفقون على الاستراتيجية ولكنهم مختلفون على التكتيك".
ويبدو السعوديون مصممين على مواصلة دعم الثوار السوريين حتى خلافا للخط الامريكي. فقبل بضعة أيام من اللقاء بين الرئيس أوباما والملك عبدالله، قال ولي العهد السعودي سلمان، في مؤتمر الجامعة العربية في الكويت، "نحن سنفعل هذا (سندعم الثوار السوريين) وحدنا، بقدر ما هو الأمر صعب علينا" ("we are doing this alone as diffidult as it is for us").
مسألة لم تطرح في الحديث بين الزعماء كانت وضع حقوق الإنسان في المملكة – عقبة كأداء أخرى في العلاقات بين الدولتين. منذ بدء الهزة في المجال العربي قطعت الأنظمة الملكية كل محاولة، حقيقية أم موهومة للمجتمع المدني لتحدث البنى السياسية القائمة. واختار أوباما منح وسام تقدير لنشيطة من أجل حقوق النساء والأطفال في المملكة بدلا من أن يطرح أمام الملك مواضيع مثل غياب الحرية السياسية، الحرية الدينية ووضع حقوق الإنسان في المملكة – ليس سهلا الدعوة إلى اصلاحات سياسية وبالتوازي طلب ثقة الأنظمة الملكية بمتانة التحالف مع الولايات المتحدة.
ومع أن السعوديين أوفوا حتى الأن بنصيبهم في معادلة العلاقات في كل ما يتعلق بسوق النفط العالمي ولكن المملكة السعودية على علم بالتوقعات التي تقول إن الولايات المتحدة كفيلة بأن تصل إلى استقلالها من الطاقة، مما من شأنه أن يسحب البساط من تحت التحالف الاستراتيجي بين الدولتين. ومن المتوقع لإنتاج النفط في الولايات المتحدة أن يبلغ نحو 10 مليون برميل في اليوم في 2016 – أكثر بقليل من الإنتاج السعودي في 2013. والنتيجة، بعد 70 سنة، على الورق على الأقل، سيكون للأمريكيين حرية مناورة أكبر في كل ما يتعلق بتصميم سياستهم في الشرق الأوسط.
إن لقاء أوباما وعبدالله (الرابع في عدده) – والذي لولا الصدع بين بعض من دول الخليج وقطر كان يفترض أن يعقد مؤتمر قمة مشترك للرئيس الأمريكي وللإمارات الستة العربية الأخرى – لن يدخل أغلب الظن كتب التاريخ مثلما دخل لقاء بن سعود وروزفيلد. ومن السابق لأوانه أن نعرف هل سيولد اللقاء تغييرا في السياسة من جانب الأمريكيين أو السعوديين بالنسبة للمسائل على جدول الأعمال، وذلك لأن الطرفين لم يطورا توقعات عالية منه. ويبدو أن بالنسبة للأمريكيين هذا هو الحد الأقصى الذي هم مستعدون لعمله الأن من أجل تحسين العلاقات. وبالنسبة للسعوديين كان هذا هو الحد الأدنى الاضطراري. وكما يقول الكليشيه فإن أهمية اللقاء هي في مجرد انعقاده.
في الأشهر الأخيرة يكثر المحللون من وصف "التحالف" غير الرسمي الذي نشأ بين إسرائيل والسعودية بما في ذلك في ضوء قلقهما من النهج الأمريكي في المسائل التي طرحت أعلاه. توصيتنا هي ألا نشجع هذا الانطباع وإن كانت عمليا تجري اتصالات كهذه. ومع أن إيران تمثل تحديا لإسرائيل وللسعودية، فليست كل الجوانب في هذا التحدي متماثلة بالنسبة للدولتين. كما أن شبكة العلاقات للدولتين مع الولايات المتحدة ليست متماثلة ومنظومة الاعتبارات مختلفة.
وبالتالي فإن ربط إسرائيل والسعودية معا، بالشكل الذي ترى فيه ذلك الإدارة، والكونغرس والرأي العام الأمريكي ليس مجديا لإسرائيل بالضرورة.