قد تكون
فنزويلا الغنية بالنفط والتي يباع فيها الدولار في الشارع بسعر يفوق سعره الرسمي عشر مرات، احد اغلى البلدان في العالم. أو العكس. الأمر يتوقف على إمكانية الحصول على العملة الخضراء.
وقد بلغ سعر الدولار الموازي الجمعة في السوق السوداء 67 بوليفارا في مقابل 6,30 بوليفار حسب السعر الرسمي، وذلك رغم تخفيف إجراءات الرقابة على سوق الصرف في هذا البلد الذي يشهد احتجاجات على الحكومة تتمحور حول تدهور الوضع
الاقتصادي حيث باتت صفوف الانتظار الطويلة أمام الرفوف شبه الفارغة مشهدا مألوفا.
فزجاجة المياه الغازية تباع على سبيل المثال في الشارع ب25 بوليفارا، أي ما يساوي 3,90 "دولارات بالسعر الرسمي".
لكن هذا السعر يساوي 0,37 "سنتا من الدولار الموازي". ويبلغ سعر الوجبة الكبيرة لدى ماكدونالدز 200 بوليفار، أي 31 دولارا أميركيا، أو 2,9 دولار بالسعر الموازي. كذلك يحتسب سعر سيارة مستعملة على قاعدة الدولار الموازي، مما يزيد من صعوبة شراء سيارة لمن لا يتقاضى راتبه إلا بالبوليفار. وفي هذا البلد الذي يمتلك اكبر احتياطات نفطية في العالم، ويعاني اقتصاده القائم أساسا على الاستيراد، من الندرة المتزايدة للسلع الاستهلاكية، فان رقابة صارمة على أسعار الصرف تدير منذ 2003 النفقات بالعملات الصعبة، لكن هذه الرقابة تراجعت قليلا في الفترة الأخيرة للحؤول دون هرب رؤوس الأموال.
وتزيد الحاجة إلى الدولار لدى المؤسسات من نقص السلع في رفوف المتاجر، وتزيد من ارتفاع التضخم المقدر ب57،3% على امتداد الأشهر الاثني عشر الأخيرة، وهي اعلى نسبة تضخم في العالم.
ويعد هذا الوضع الذي يترافق مع اضطرابات متزايدة، المحرك الأساسي للتظاهرات التي تشهدها البلاد منذ الرابع من شباط/فبراير، بدعوة من طلبة الأرياف الذين انضمت اليهم الأحزاب المعارضة للرئيس نيكولاس مادورو، والتي أسفرت كما اعلن رسميا عن 37 قتيلا واكثر من 550 جريحا. ويستطيع مستوردو السلع الأساسية--المواد الغذائية والأدوية، وغير ذلك-، أن يطلبوا من البنك المركزي دولارات على أساس سعر 6,3 بوليفار.
ويستفيد الآخرون من سوقين آخرين، حيث يبلغ سعر الورقة الخضراء من 10 إلى ما يفوق 50 بوليفارا. وأحد هذين السوقين الملحقين اللذين يخضعان مع ذلك لرقابة الدولة، والمسمى "سيكاد 2"، هو السوق الذي تقترب فيه العملة المحلية من سعر الدولار الذي يباع في الشارع. وتنوي الحكومة من خلال هذه الآلية التي دخلت هذا الأسبوع حيز التطبيق، "الإجهاز على الدولار في السوق السوداء". لكن 80 % من العملات الصعبة ما زالت تباع بالتسعيرة الرسمية، ولم تؤت هذه المنظومة الجديدة ثمارها حتى الآن على ما يبدو. ويتسبب في ندرة العملات الصعبة، دفع الدين الخارجي والركود الناجم عن انعدام الاستثمارات لزيادة الإنتاج النفطي، المصدر الوحيد تقريبا لعائدات الحكومة التي تقدم بالتالي جزءا من إنتاجها إلى دول صديقة.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال الخبير الاقتصادي خوسيه غيرا المسؤول السابق في البنك المركزي إن "سيكاد 2 ما زال لا يغطي الطلب، من هنا يتجه النقص في تلبية الطلب إلى السوق السوداء".
وقال راوول هوزي عميد كلية الاقتصاد في جامعة الانديز "يعتقد البعض أن هذه المنظومة لن تستطيع أبدا أن تلبي بالكامل الطلب على الدولار، بسبب تأخر الحكومة في الدفع بالعملات الصعبة إلى عدد من القطاعات". لكن عنصرا آخر يغذي الغموض. فالسلطات التي تستخدم بطريقة استنسابية ومن دون رقابة بضعة "صناديق موازية" في ميزانية الدولة التي تغذيها العائدات النفطية، لا تكشف أبدا عن حجم العملات الصعبة التي تمتلكها ولا عن المبالغ التي تنوي ضخها في سوق سيكاد.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال رجل طلب التكتم على هويته إن "الحكومة تتلاعب بالاقتصاد بطريقة لا تتسم بكثير من الشفافية، ويحصل الأمر نفسه مع هذه المنظومة.
لقد طلبت الثلاثاء الفي دولار ولم يعطوني إياها". وتتيح هذه المنظومة شراء وبيع الدولارات نقدا وعدا أو عبر سندات، من خلال الشبكة المصرفية وشركات الوساطة أو شركات الصيرفة الخاصة بسعر يحدده "العرض والطلب"، كما تفيد القوانين المرعية الإجراء. لكن فنزويلا تبقى في نظر متوسطي الدخل الذين لا يحصلون على الدولار عبر تحويلات من أقارب في الخارج أو من خلال أعمال تجارية في البلاد، احد اغلى البلدان في العالم.
وتوزع الحكومة الفنزويلية منحا ومساعدات سخية على المعوزين لتضمن بذلك ولاء الطبقات الشعبية للرئيس مادورو الذي خلف الرئيس هوغو
تشافيز الذي كان يتمتع بشعبية واسعة.