لا تعد الأخطاء البشرية في
المستشفيات والعيادات ظاهرة محصورة بدولة بعينها؛ ولم تقتصر على الأفراد البعيدين عن المجال الطبي وحدهم، بل إن
الأخطاء الطبية شملت -كذلك- كثيرين ممن أمضوا عمرهم المهني يخدمون في الحقل الطبي نفسه.
ومن واقع التجربة المعيشة وعمق المعاناة تحت وطأة المرض، أفاد الصيدلاني في أحد المستشفيات الخاصة في عاصمة عربية، محمود صالح، لـ "عربي 21"، بأن أخطر الأسباب المؤدية للخطأ "شعور بعض الكوادر الطبية بالحرج من السؤال عند جهلهم ببعض الأوامر الطبية، ما يمنعهم من التأكد من المعلومة خوفًا من وصفهم بالجهل".
وتشير آخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية، إلى أن الأخطاء المرتبطة بالرعاية الصحية تصيب واحدا من كل عشرة مرضى في جميع أنحاء العالم.
وتضيف المنظمة أن هناك نحو 234 مليون عملية جراحية هامة تُجرى كل عام في جميع أنحاء العالم، أي بمعدل عملية واحدة لكل 25 شخصاً، وأن هناك ما لا يقلّ عن مليون مريض من الذين يقضون نحبهم كل عام جرّاء العمليات الجراحية.
والحقيقة أن الشارع العربي يحفل بالكثير من القصص عن الأخطاء الطبية التي تتفاوت بين الفادحة والهيّنة، بل ويندر أن تجد أسرة لم تتعرض لخطأ طبي بدرجة معينة. ورغم ذلك، فإنه لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة لذلك في البلدان العربية.
وتشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى أن نسبة الأخطاء الطبية بلغت 8% في مستشفيات الإمارات العربية عام 2011، وأن الجزائر شهدت 1500 خطأً طبيا في العام نفسه، وأن هناك ما معدله 1200 شكوى سنويًا عن حالات الإهمال الطبي في مصر.
وبحسب الخبراء والمختصين في المجالات الطبية وأخطائها، فإن أسباب الوقوع في الأخطاء الطبية تتعدد، ويعدّ الجهل في الحالة أو في جزئية منها، من أهمها.
ويزيد الخبير محمود صالح، على ذلك أنه "من خلال تجربتي في مجال العمل الصيدلاني كان من أكثر الأخطاء الطبية التي شاهدتها تكرارًا، وصف الدواء بجرعات غير مناسبة للمريض".
وأوضح أن "ذلك يرجع لعدم سؤال الطبيب عن الحالة المرضية أو عدم طرح الحالة المرضية بشكل واضح من قبل المريض، واستهانة المريض ببعض أعراض مرضه وتطورها، وهو ما لا يعطي الطبيب صورة كاملة عن وضع المريض الصحي".
وضرب صالح مثلاً بأن "طبيبًا أجرى لوالد أحد زملائه عملية قسطرة، ولم يسأل في البدء عن حال كُلية المريض، ومن المعلوم أنه يتم إعطاء مادة ملونة أثناء عملية القسطرة. ولأن المريض عنده خلل ببعض فحوصات الكلى فقد حدث لديه فشل كلوي نتيجة إعطائه المادة الملونة".
وأشار إلى أن "عدم الالتزام من قبل الكادر الطبي (الأطباء، الصيادلة، طاقم التمريض) بكتابة معلومات تعريفية واضحة (الاسم الثلاثي للمريض ورقم ملف المريض الطبي) والاكتفاء برقم سرير المريض أو الاسم الأول، يؤدي في أحيان كثيرة إلى أخطاء طبية أيضًا"، وعلل بأنه "من المعلوم أن تشابهًا كبيرًا بين أسماء المرضى يزيد من نسبة حدوث الأخطاء".
ولفت إلى أن "من أسباب حدوث الأخطاء الطبية ضعف بعض الكوادر الطبية وقلة التدريب، وعدم المتابعة من بعض الكوادر الطبية للمستجدات العلمية والاقتصار على معلومات فترة الدراسة، إلى جانب عدم التناسب بين عدد المرضى وعدد أفراد الكادر الطبي".
وأضاف صالح، أن من ذلك أيضَا "التشابه الكبير بين أسماء الأدوية وأشكالها، واستخدام بعض الاختصارات في كتابة بعض الأوامر الطبية، وقد تتشابه الاختصارات ما يعرض المريض للضرر".
وروى صالح -الذي يعاني ثقل أمراض القلب- أن "طبيبًا طلب من ممرض إعطائي محاليل كل ثماني ساعات، وكُتبت بشكل طبي على النحو ( Q 8 H)، لكن الممرض قرأ المعلومة أنها (ثماني وحدات أنسولين) لأن هناك نوعا من الأنسولين اسمه (HUMILIN) و يرمز له بالرمز (H). وعند سؤالي الممرض عن ماهية الدواء الذي سيعطينيه، أجاب: أنسولين، فأخبرته بأنني لست مريض سكري، فانتبه للخطأ".
ويتحدث عن أخطاء حدثت معه وهو مريض، فيحكي أنه كان يُعطى دواء مميّعا، "وهذا الدواء يجب إيقافه قبل عملية القسطرة بفترة من الزمن. وتقرر تحديد موعد للقسطرة دون إبلاغي بضرورة إيقاف العلاج، وكنت أنا أنبه الأطباء ويعتذر الأطباء بحجة أن الأخصائي قد وكل الأمر للطبيب المقيم".
وأشار إلى أن من ضمن الأخطاء التي مورست بحقه "عدم التنبيه لبعض التعارض بين الأدوية، ما قد يؤثر سلبا على حالتي المرضية، ولكن لولا لطف الله أولا ثم طبيعة مهنتي لوقعت في مشاكل صحية".
وأكد أن الأطباء "لسبب أو لآخر لا يلتفتون لأخذ السيرة المرضية للمريض بشكل كامل، وهذا يوقع في الأخطاء الطبية الكثيرة".
ومع أن أخطاء طبية تقع في كل بلدان العالم، غير أن إجراءات وقائية تتخذ لضبط هذه الحالات، وإجراءات لاحقة تؤخذ بالحساب بعد وقوع الخطأ لضمان عدم تكراره!
الجانب القانوني
وفي أثناء ذلك، فإنه ليس هناك ما يثبت وجود تشريعات للمحاسبة على الأخطاء الطبية وآثارها في العالم العربي.
وأفادت رئيسة قسم الاستشارات القانونية في وزارة الصحة الأردنية المحامية غدير قشطاوي، لـ"عربي21"، بأن "مشروع قانون المسؤولية الطبية ما زال قيد الدراسة من قبل وزارة الصحة ومختلف الأطراف المعنية بالأمر".
وأوضحت أن ما يتم تطبيقه حاليًّا في حالات الأخطاء الطبية هو القانون المدني، كما هو الحال في البلدان العربية الأخرى. وأضافت أنه "في حال وقوع خطأ طبي، فإن الوزارة تقوم بتشكيل لجنة تحقيق من أصحاب الخبرة لدراسة الحالة والتحقيق في مجرياتها، وقد يتطلب الأمر أكثر من لجنة بحسب ما تقتضي الضرورة".