"يعتبر الخبز لأطفال
اليرموك حلما بعيد المنال". هذا ما قاله فؤاد، أستاذ الموسيقى، الفلسطيني- السوري الذي يقوم بالمساعدة في جهود توفير المواد الغذائية والإنسانية لأهل مخيم اليرموك المحاصرين منذ عدة شهور، حيث وجدوا نفسهم عالقين في الحرب الأهلية السورية ووقودها.
وكان فؤاد يتحدث أمام متراس من الرمال والطوب على بوابة المخيم الذي لم يبق فيه سوى 18-20 ألف شخص. "الناس عالقون في هذا المكان منذ 185 يوما، وأصابتهم الأمراض لأنهم اعتمدوا على أكل الأعشاب التي كنا نطعمها لحيواناتنا"، قال فؤاد، بحسب تقرير لباتريك كوكبيرن، مراسل صحيفة "إندبندنت" الذي زار المخيم.
وقال كوكبيرن إن سورية أصبحت عبارة عن مدن وبلدات وأحياءٍ محاصرة أو لا يمكن الوصول إليها، ومكان للجوع الجماعي، في الوقت الذي يركز فيه المجتمع الدولي جهوده اليوم على البلدة القديمة في حمص التي ظل فيها ما بين 2500- 4000 مدني محاصرون إلى جانب عدد من المقاتلين.
ولا تزال الشاحنات التابعة لبرنامج الغذاء العالمي تنتظر الإذن لدخول البلدة القديمة؛ من الحكومة التي تقول إنها لا تريد أن تذهب المساعدات للمقاتلين.
ويقول كوكبيرن إن كل
حصار في سورية، وكل حاجز يعني معاناة للضحايا، ولكن لكل حالة خصوصيتها، ومن هنا فحصار مخيم اليرموك الذي كان يعيش فيه أكثر من 160 ألف فلسطيني، ويُعرف باسم "فلسطين الصغيرة" هو عنصر واحد من الكارثة التي حلت بنصف مليون فلسطيني في سورية.
ويقول فؤاد، أستاذ الموسيقى الذي يحاول الهجرة إلى مصر إن ما يحدث للفلسطينيين هو "نكبة ثانية" بعد نكبتهم الأولى عام 1948.
وقد وجد الفلسطينيون في سورية أنفسهم وسط كارثة بعد الأخرى، لأن مخيماتهم التي أقيمت بعد عام 1948 غالبا ما بنيت في ضواحي المدن مثل حلب ودمشق، ولهذا كانت أول شيء يقابله المقاتلون السوريون القادمون من القرى، وهناك خمسة مخيمات فلسطينية دخل إليها مقاتلون من المعارضة بنسب متفاوتة. وأجبر الفلسطينيون والحالة هذه على الهجرة من مخيماتهم المحيطة بدمشق إلى مخيم اليرموك، وعندما دخله المقاتلون هربوا من جديد.
وتقول مفوضية غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن هناك 440 ألف فلسطيني بحاجة للمساعدة ونصفهم أصبحوا مشردين في سورية، فيما لجأ ما بين 30-40 ألف فلسطيني للبنان.
وانهارت شبكة من المستشفيات والمدارس التي كانت تديرها الأونروا. ويقول الكاتب إنه لم يشهد الجزء الشمالي أي قتال، حيث استطاع الجيش بدعم من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة تأمينه، وبعيدا عن هذه المناطق أجزاء تقع تحت سيطرة المقاتلين وفيها يصل سعر كيلو الأرز إلى 40 دولار مقارنة مع دولارين للكيلو في الخارج.
ويتم قتل الكلاب والقطط والحمير الضالة وتطبخ وتؤكل، ولم تصل الكهرباء لهذه المناطق منذ تسعة أشهر، فقط تصل المياه كل ثلاثة أيام ولمدة أربع ساعات.
ولم تسمح الحكومة لقوافل الإغاثة التابعة للأمم المتحدة الدخول للمخيم من الجزء الشمالي الآمن بل من الجنوبي الذي يقع تحت سيطرة المقاتلين. وبسبب المعارك المتواصلة لم تستطع القافلة توزيع سوى 130 رزمة مساعدات؛ كل واحدة تزن 30 كيلو وهي غير كافية لإطعام أحد إن أخذنا بعين الاعتبار حجم المعاناة.
ويقول كوكبيرن إن سياسة التجويع في سورية معقدة وعرضة للتلاعب بها لأغراض دعائية. والمشكلة نابعة من سياسة القوات الحكومية التي تحاصر مناطق سيطر عليها المقاتلون، ومنع السكان من الخروج منها أو دخول البضائع والمساعدات إليها. وعادة ما يتم قطع الماء والكهرباء عنها، وبعدها يقوم الجيش السوري بقصف المنطقة بالمدفعيات والطائرات مما يؤدي إلى هجرة جماعية للسكان.
ويعطي هذا الأسلوب قوات الحكومة ميزة إجبار السكان على الخنوع بدون أن يضطر لإرسال قواته إلى داخل الأحياء، والدخول في معارك شوارع من بيت لبيت تكبده خسائر فادحة. وفي الحد الأدنى تؤدي إلى حرب استنزاف طويلة.
ولم تؤد الحصارات المفروضة على مخيم اليرموك، والبلدة القديمة في حمص التي بقي فيها ما بين 2500 – 4000 مدني مع عدد من المقاتلين، وكذا بلدتي الزهراء ونبل التي يقطن فيها الشيعة إلى دخولها، بل أدى وضع الحواجز وتقييد الحركة على سكان المدن والبلدات الأخرى إلى حرمان كبير ومعاناة عظيمة.
ويضيف "الناس لا يموتون في الشوارع، لكن الأطفال والكبار في العمر والمرضى يموتون أسرع مما يجب، وأكبر منطقة تقع تحت سيطرة المعارضة هي الغوطة الشرقية التي يسكن فيها حسب الأمم المتحدة حوالي 145 ألف نسمة، وأصبحوا مقطوعين عن العالم الخارجي"، وبالطبع لأن المنطقة التي يسيطر عليها المقاتلون في الغوطة واسعة بدرجة لا يستطيع الجيش معها السيطرة عليها بشكل كامل.
وبالنسبة للبلدة القديمة في حمص فتظل منطقة صغيرة بعد أن تمت السيطرة على الأحياء الكبيرة التي كانت بيد المقاتلين. ورغم محاولة الحكومة عزل البلدة عن العالم الخارجي إلا أن من بقوا فيها استطاعوا إدخال مواد غذائية عبر سلسلة من الأنفاق في الصيف الماضي.
وكان لدى المقاتلين خط إمدادات من لبنان عبر القصير، لكن هذا الخط قطع بعد سيطرة الجيش السوري بمساعدة من حزب الله اللبناني على البلدة.
وهناك ما يقرب من 40 ألفا من سكان حمص لجأوا إلى حي الوعر في غرب البلدة حيث يعيشون في ما يشبه الحصار، بنقاط التفتيش والحواجز. لكن المعاناة الحقيقية تظل في البلدة القديمة حسب منسق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، راؤول روزيندي الذي قال "الوضع سيء ويزداد سوءا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعذاء والأدوية".
وتننظر حافلات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إذنا من الحكومة لإدخال المساعدات، لكن الحكومة لا تريد أن تذهب المساعدات للمقاتلين فيها. وفي منطقة حمص التي تدور فيها المواجهات بين الطرفين منذ بداية الأزمة تحتاج الأمم المتحدة للموافقة مع الحكومة على كل صغيرة وكبيرة حول تحرك الشاحنات وإلى أين تذهب.
ومع أن وزارة الخارجية وافقت على السماح بمرور المواد الغذائية عبر القادة الميدانيين، إلا أنهم يتجنبون ذلك ولا يتعاونون. ومع أن حمص لا توجد فيها جماعات مقاتلة مثل جبهة النصرة أو الدولة الإسلامية، إلا ان الجماعات تظل صغيرة ومتفرقة، ولا توجد قيادة واضحة في داخل البلدة القديمة، اما المدنيون فهم خليط من عائلات المقاتلين والعائلات الفقيرة التي لن تجد مكانا للرحيل إليه أو لأنها لا تريد الرحيل.
وأشار الكاتب في بداية تقريره إلى أن من المناطق المحاصرة أيضا قرى شيعية "الزهراء ونبل" القريبتان من حلب، حيث يعيش فيهما 4500 شخص، وتقوم فصائل مسلحة تابعة للمعارضة بفرض الحصار عليهما.
ويقول الكاتب إن القريتين معزولتان عن المناطق المحيطة بهما، ولم تتلقيا أي دعم سوى المواد التي ألقتها مروحيات تابعة للجيش السوري. ونقل عن روزيندر قوله "نحن قلقون على الأوضاع في الزهراء ونبل حيث يعيش 4500 شخص تحت الحصار".
ويضيف الكاتب أن عددا قليلا من سكان القريتين هربوا نحو الحدود التركية ثم دخلوا المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد في شمال- شرق سورية.