لماذا تحطم الربيع تحت أقدام العسكر في
مصر، ونجحت التجربة في مهد الثورات العربية؛
تونس؟
ترى صحيفة "الغارديان" أن السبب ربما ارتبط بطبيعة الحركات الإسلامية التي فازت في الانتخابات بعد رحيل الطغاة. فحركة
النهضة تحركت بحذر فيما أغضب الدستور الذي أقرّه عهد الرئيس محمد مرسي قطاعات من الثوريين. وترى الصحيفة أنه بدون ضعط أمريكي على العسكر للعودة إلى ثكناتهم، فقد يقفز الفريق عبد الفتاح السيسي الذي يشعر بالنشوة من الخلف، ويصبح رئيسا، ما يعني عودة مصر إلى دوامة الدكتاتورية.
وكتبت الصحيفة تقول: "على الشاطيء الجنوبي للبحر المتوسط احتفلت دولتان بالثورة بدستورين"؛ في "تونس، أنتج المجلس التأسيسي أكثر القواعد ذات الأساس الليبرالي في العالم العربي، وبعبارات رئيس الوزراء المستقيل علي العريض، فالوثيقة تضع الختم على الديموقراطية المصنوعة في الفترة الإنتقالية في تونس".
ليس بعيدا عن تونس، "بضع مئات من الأميال، وعلى وقع المقاطعة والعنف، كان هناك استفتاء حصل على نعم بأكثر من 90%، ويعتبر مصادقة على خطوة الانقلاب الذي قاده الجيش للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي".
بلدان يتفقان في كثير من الملامح؛ "غالبية سنيّة، تاريخ بحكومات علمانية، وعلى خلاف الدولة الجارة لهما ليبيا فليس لديهما سوى القليل من النفط".
كما ويشتركان في طبيعة المشاكل التي أدت إلى الثورة، فعشية الإنتفاضة كان البلدان يعانيان من ارتفاع حاد في أسعار الطعام، ومداخيل غير متساوية، وبطالة مستشرية بين الشباب، وحكام طغاة في خريف العمر".
وما لم تشر إليه الصحيفة بطبيعة الحال هو فارق الأهمية الكبير بين البلدين، والذي يجعل حجم التدخلات الخارجية في كل منهما مختلف، إن كانت تدخلات من أنظمة عربية دكتاتورية خشية تأثير الثورة في مصر عليها، أم كانت من دول غربية، لاسيما إسرائيل التي كانت الأكثر حماسة للانقلاب.
والسؤال تقول الصحيفة: لماذا نجحت تونس وفشلت مصر؟
الجواب له علاقة كما تقول بطبيعة الحركات الإسلامية التي فازت في الانتخابات في كلا البلدين؛ حركة النهضة في تونس والإخوان المسلمون في مصر.
فقد ملأت كلتيهما فراغا في شارع بورقيبة وميدان التحرير، "لكن في الوقت الذي تحركت فيه النهضة بحيطة وحذر واحترام للإجماع، قام الإخوان المسلمون بكتابة دستور رفضه الكثير من الثوريين" في مصر.
وتقول الصحيفة إن المخاوف من ولادة دولة دينية دفعت ببعض الثوريين إلى الاستعانة بعبد الفتاح السيسي الذي "أمر باعتقال أول رئيس منتخب وقضى على الثورة".
وتضيف أنه "على خلاف الجيش التونسي الذي لم يكن مهتما بالسياسة، فالجيش المصري ظل حول عرش كل رئيس مصري منذ عبدالناصر".
فالجيش المصري متجذر في الحياة المدنية وجذوره "تضرب عميقا في الحياة الثقافية والاقتصادية المصرية، وتصف ويكيليكس "شبكة تجارية ضخمة" أنشأها الجيش بشكل يشبه الشركة التجارية".
ويقوم الجيش كما تقول، بإدارة المستسفيات وتعبيد الطرق، وإدارة المنتجعات، ويملك المصانع وينتج الأسمدة والإسمنت، وحتى السيارات، ويوظف الجيش عشرات الآلاف من المدنيين، يصل عددهم لنصف مليون موظف تقريبا، عادة من المجندين في الخدمة الوطنية، ما يعني أن كل عائلة مصرية لديها ارتباط بالجيش. ولهذا أشارت استطلاعات ما بعد الانقلاب أن نسبة 70% لا تزال تثق به؛ أي الجيش.
وتتساءل الصحيفة من سيمكنه محاسبة السيسي وجنرالاته؟ فهناك دخل مالي مريح للجيش. المليارات من الدولارات من المنح التي قدمتها واشنطن لمصر خلال العقود الثلاث الماضية".
وتضيف الصحيفة "في أعقاب الإنقلاب قامت الولايات المتحدة بقطع المساعدات السنوية، لكن من المتوقع أن يقوم الكونغرس برفع القيود وتقديم مليار دولار لمصر".
وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالقول، إنه يجب على "البيت الأبيض الذي ظل مترددا في استخدام كلمة "انقلاب" لوصف أحداث تموز/ يوليو أن يستخدم كل نفوذه لإقناع العسكر بالانسحاب من السياسة (...) وإلا فالجنرال السيسي الذي يشعر بالجرأة بعد الاستفتاء قد يقرر التقدم من خلف العرش ويدعيه لنفسه، مما يعني أن دورة مصر نحو الدكتاتورية ستكتمل".