في معرض هجاء
الثورة السورية، يتحدث أنصار
بشار عن "ثقافة قطع الرؤوس والمفخخات". وفي براعتهم الإعلامية، ينكرون حقائق التاريخ، ويعيدون صياغته وفق إملاء اللحظة الراهنة. وهذا كذب أسوأ من الكذب على الحاضر الذي قد يكون ملتبسا، أو عائما أو مختلطا. وأنصار الثورة السورية لا ينكرون في المقابل اختراق هذه الثقافة لصفوف الثورة. لكنهم يؤرخون لها في مرحلة ما بعد العسكرة. فقد ظلت الثورة سلمية نصف عام، ثم تعسكرت بعيدا عن الأفعال الإرهابية، ثم اخترقتها ثقافة إرهابية بتشجيع من النظام أو توطؤ منه.
"كلها عقصة نحلة"، هكذا كان يقال في "الجبل" لمن يقاوم قطع رأسه في غضون الحرب الأهلية اللبنانية. وفي الحرب ذاتها، وعلى يد أبناء نفس الفئة خُنقت طفلة داني شمعون بيدي أحد زعماء المليشيات الذين يجيدون الحديث عن "ثقافة الحياة" على الفضائيات. وللعلم، فإن إيلي حبيقة المسؤول الأول عن بقر بطون الفلسطينيات في صبرا وشاتيلا بحثا عن الأجنة، هو من كُرّم وزيرا في ظل الوصاية السورية على لبنان، ومنحه
حزب الله الثقة!
لم يقطع حزب الله الرؤوس، وتأسس رسميا في سياق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. لكنه، رجالا وتيارا، سابق على ذلك. وهذا التيار هو الذي أسس للمفخخات الانتحارية.
وللتاريخ، استخدمها ضد مقر القوات الإسرائيلية في الجنوب، وللتاريخ استخدمت التقنية ذاتها ضد السفارة الأميركية وقوات المارينز. وجذر الحزب "الجهاد الإسلامي"، هو من أسس ثقافة خطف الرهائن ومبادلتهم، سواء كانوا صحفيين أو رجال مخابرات. وعماد مغنية الذي قاد الحزب عسكريا، متهم رسميا باختطاف طائرة كويتية وقتل راكب على متنها، لمبادلة ركابها بمعتقلين في الكويت اتهموا بمحاولة قتل الأمير بسيارة انتحارية!
وللتاريخ، تيار "الحركية الشيعية" تجسد في حزب الدعوة، قبل الثورة الإسلامية في إيران وقبل حزب الله. وهذا التيار هو من فجر في قلب بيروت السفارة العراقية بهجوم انتحاري قتلت فيه بلقيس زوجة نزار قباني. وللتاريخ أيضا، كان نوري المالكي مسؤول الخط العسكري لحزب الدعوة، وكان العلامة محمد حسين فضل الله هو مرجعه الشرعي إلى أن توفي.
الثقافة ليست قرارا يصدر من جهة رسمية. هي نهر يتشكل من روافد وينابيع شتى. ومن الظلم تحميل المسؤولية لنبع واحد.
وهي ليست ثقافة محلية في منطقتنا؛ الروس قطعوا رؤوس الشيشان، والشيشان قطعوا رؤوسهم. والانتحاريون بحسب الدراسات العالمية لا يتركزون في منطقتنا، فأكبر مجموعة انتحاريين تنتمي لحركة نمور التاميل في سيرلانكا، وهي لا تنتمي لا للإسلام ولا للعروبة.
لا تتحمل الثورة السورية وزر هذه الثقافة، بل يتحملها النظام السوري. فهو في لبنان ساهم بها بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر عندما ساند من يقترفها وأعطاهم الشرعية. وفي الثورة وفي عز سلميتها، ارتكب ما هو أفظع كثيرا؛ فقد قطع العضو الذكري للطفل حمزة الخطيب، واستخدم المثاقب في تعذيب الطفل ثامر الشرع. والفتاة التي سلمها باسم زينب الحصني قطع رأسها بعد إحراقه (ظهرت بعد ذلك الحصني على التلفزيون السوري، لكن لم تعرف الجثة لمن حتى الآن).
هتف ثوار سورية "سلمية". وما تزال الثورة تبحث عن السلم ولا تجده. وأضيف إلى إرهاب النظام إرهاب حزب الله الذي بُثت صور قتله للأسرى في القصير، وإرهاب كتائب أبو الفضل العباس التي قتلت الأطفال في ريف دمشق، وإرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أيضا، والتي كانت آخر فصيل ينضم للثورة السورية. واليوم، يقف الجميع، وعلى رأسهم جبهة النصرة والجبهة الإسلامية، في مواجهة هذا التنظيم. وهم يقاتلون على جبهتي النظام و"الدولة". والمرجو أن ينتصروا عليهما، لتنتهي ثقافة قطع الرؤوس.
يستحق إرهاب "الدولة" الإدانة. لكنه إرهاب جنيني مقارنة بإرهاب نظام عمره نصف قرن.