يشد مالكو القنوات التلفزيونية الخاصة، الجديدة، ومدراؤها في
الجزائر، على بطونهم، موازاة مع بدء مناقشة مشروع قانون السمعي والبصري من قبل نواب
البرلمان، بعد أن طرحت
الحكومة قانونا يجمع الإعلاميون على أنه لا يستجيب لتطلعاتهم، وطالبوا النواب بإسقاط عدة فصول فيه لأنها "كرست التراجع عن مبادئ الانفتاح و
الديمقراطية".
تحولت القنوات التلفزيونية الخاصة إلى "شبح" يخيف السلطة في الجزائر، التي وقعت بين نارين: نار الاضطرابات الإقليمية و العربية التي تخشى الانتقال اليها، ونار مطالب داخلية حثيثة بوجوب الانفتاح في المجال السمعي البصري، وخاصة منح الحق في إنشاء قنوات تلفزيونية خاصة، بعد عقود من احتكار الدولة لهذا النشاط.
وبعد مد وجزر، أنزلت الحكومة الثلاثاء، مشروع قانون السمعي البصري إلى البرلمان، حيث شرع النواب في مناقشته، وسط مخاوف من اعتماد فصول تضيق مجال "اللعب السياسي"، إذا ما كرس الفصل الـ17 من مشروع القانون الذي ينص على السماح فقط بإنشاء قنوات اصطلح عليها بـ"الموضوعاتية" دون القنوات الإخبارية العامة.
ويرفض الإعلامييون ومدراء القنوات التلفزيونية وعديد الصحفيين و النواب هذا الشرط واعتبروه تقييدا لحرية الإعلام وتكريسا لـ"الغلق الإعلامي".
وتعني القنوات الموضوعاتية في نص مشروع قانون السمعي البصري، تلك القنوات التي تهتم بتخصص محدد، كتخصص الرياضة أو البيئة أو الأطفال، دون التخصص في القنوات الإخبارية على مدار الساعة، مثل قناتي" فرانس 24" أو " الجزيرة".
ويحد المشروع من طموح العديد من الإعلاميين في بلوغ مستوى رفيع من الخدمة الإعلامية، ويقتل مبادراتهم ويجعل المعلومة حكرا على وسائل الإعلام الحكومية.
واحتدم الجدل بين نواب المعارضة ونواب الموالاة مؤخرا، خلال تقديم نص القانون في البرلمان، بين مؤيد له ومعارض، وقال النائب محمد بابا عن التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة، إن مشروع قانون السمعي البصري من "أهم المشاريع التي طرحت على المجلس الشعبي الوطني في إطار الإصلاحات التي باشر بها رئيس الجمهورية"، وأضاف في تصريح لـ"عربي21" أنه يؤيد فتح قنوات خاصة "شريطة أن يتم ذلك بشراكة جزائرية قائمة على مبدأ احترام ثقافة وعقيدة ومبادئ ومصلحة الوطن".
لكن بعض نواب عبّروا عن استيائهم من القانون على أنه "لا يستجيب لتطلعات الإعلاميين ولا يواكب التطورات الحاصلة في هذا المجال سيما ما يتعلق بتشكيل سلطة الضبط للسمعي البصري و المواد الخاصة بالقنوات الموضوعاتية."
ونالت المادتان 5 و 17 من المشروع القانوني، التي تحددان مجال القنوات الخاصة في الخدمة الموضاعاتية انتقادات حادة في النقاش، ورغم التزام الوزير عبد القادر مساهل، بتعديل النص، طالب نواب "تكتل الجزائر الخضراء" الاسلاميين، وجبهة القوى الاشتراكية وأحزاب أخرى، بسحب القانون أو تعديل أحكامه.
واعتبر النائب لخضر بن خلاف عن "حزب العدالة و التنمية" المعارضة لـ"عربي21" أن القانون الجديد "ينم عن تراجع مكتسبات مرحلة الانفتاح التي عرفتها الجزائر" وتابع أنه "يعكس رغبة السلطة الاحتكارية التي تريد أن تقنن لقنوات موضوعاتية متخصصة فقط بدل من قنوات خاصة" .
كما انتقدت النائب مريم مراحي القانون وقالت إن "مضمونه يعكس تخوف السلطة من الانفتاح"، واتهمت الحكومة بإفراغه من محتواه من خلال تعزيز دور الرقيب السلطوي على القنوات الخاصة من خلال هيئة سلطة الضبط التي تحكم القطاع باعتبار ان خمسة من اعضاء الهيئة، يعينهم رئيس الجمهورية من جملة تسعة.
أما النائب حياة مزياني المنتمية لـ"جبهة القوى الاشتراكية" العلمانية المعارضة، فترى أن القانون لا يعبر عن إرادة الدولة في الانفتاح الإعلامي ولم يعر اهتماما للتأخير "المفضوح" الذي تعاني منه الجزائر في هذا المجال مقارنة مع البلدان العربية، حتى تلك التي شهدت ثورات عربية".
وقال رشيد خان نائب "حزب العمال" اليساري لـ"عربي21 " أنه "لا بد من توفير كل الشروط المادية والقانونية لإزاحة كل الحواجز التي تعيق إعلام المجتمع حول ما يجري حوله بكل موضوعية و مهنية".
وتابع قائلا "لا بد من إعادة فتح وخلق مؤسسات الإنتاج لتطوير الإنتاج الوطني ودعمه بما يستجيب لشروط الخدمة العمومية والمنافسة الموجودة في ظل التوسع في استخدام الساتل و اكتساح الفضاء الجزائري من طرف القنوات الأجنبية".
وسبق لبعض الصحف أن أنشأت قنواتا تلفزيونية، لكن تحت طائل قانون أجنبي وليس جزائري، على غرار قناة "الشروق"و" النهار" و" الجزائرية" و" الأطلس". في انتظار قنوات قيد التأسيس. ولكن مسؤوليها لجؤوا إلى الاعتماد على القانون الأجنبي في تسجيلات تمت في أغلبها بسويسرا، على أن مقراتهم بالجزائر مجرد مكاتب لقنوات موجودة في الخارج.
وقد صرفت السلطة النظر على هذا الإشكال، ولم توقف بث تلك القنوات لاعتبارات تتعلق بـ"حرية التعبير" وصورة الجزائر بالخارج.
ويعكس طرح مشروع القانون الجديد، صراعا قديما – جديدا بين الحكومة و المعارضة، لكن هذه المرة دخل الإعلاميين خط الصراع، فقد فضل الإعلامي البارز، سليمان بخليلي سحب القانون واعادته إلى خزائن وزارة الاتصال، وبالنسبة إليه، فإن "عدم وجود قانون أفضل من قانون كهذا" مثلما صرح لـ"عربي21".
ولا يأمل رجال الإعلام في أن يطال القانون تغييرات، باعتبار أن الوزير الأول عبد المالك سلال، طلب من رئيسة لجنة الثقافة و الإعلام بالبرلمان، هدى طلحة، الإبقاء على القانون كما هو دون قبول تعديلات من النواب، مثلما ذكرته مصادر حصريا "لعربي21".