الدرس الابلغ في
العراق بعد 10 اعوام من العنف، يفيد بأن لدينا مالاً وفيراً يساعدنا على شراء الدبابات والطائرات، ويسهل علينا بناء جيش قوي، في صفوفه آلاف المضحين بصدق. لكن القدرة على شراء السلاح والجند، لا تعني ان المال بمفرده يمكن ان يسهل علينا الحصول على الحكمة، وموهبة التدبير، وإقناع كل العراقيين بأن يصبحوا نموذجاً للمواطن الصالح المؤمن بالدولة، والذي لا يرفع بوجهها السلاح.
ولذلك ولاسباب اخرى، قد يظل جيشنا عالقاً في معركة الانبار الى ما شاء الله، اذا لم ترافق حملاته، تدابير سياسية متعقلة، تحسن صناعة الضمانات التي من شأنها اقناع العراقيين هناك، بأنهم عراقيون يتمتعون بحق العيش الكريم وحق ان يعاملوا باحترام.
وفي هذا الاطار فإن اي محاولة نبذلها لتفهم اهل الانبار والنظر في مشكلتهم، ليست منة نمنّ بها عليهم، بل ان اي مساعدة نقدمها لتهدئة اوضاعهم، هي مساعدة لانفسنا اولاً، ولكي لا يمضي جنودنا، عيدهم الذي صادف البارحة، وهم في موقف حرج قد يضطرهم الى مواجهة بني جلدتهم، دونما مبررات يصدقها اهل التدبير والعقل.
ان المعركة الحقيقية اليوم تتمثل بضرورة ان نساعد اهل الانبار كي يتفوق عقلاؤهم على حمقاهم. وفي كل امة عاقل رشيد، وأحمق ناقص العقل. والامم المحظوظة هي المؤهلة لتعريف معايير التعقل ودعمها. وتقديم مساعدة كهذه لاهل الانبار، لن ينجح الا بأن نساعد انفسنا في بغداد والنجف والبصرة، كي يغلب صوت حكمتنا، زعيق حماقاتنا، وننجح نحن في اسكات ناقصي الحكمة وتشجيع اهل الحجى والكياسة على التدخل وردع الجنون أياً كان مصدره.
ان التعاطف مع السنة عموماً، ليس انحيازا لهم. فهم ليسوا افضل المكونات. نخبتهم السياسية منغمسة بالفساد مثل باقي ساسة العراق. شبابهم تشيع بينهم الانحيازات
الطائفية كثيراً او قليلاً، وبينهم كثيرون متورطون بالعنف، مثلما هو الحال مع المكونات الاخرى التي مارست افعالاً واعتمدت سياسات ادت الى تعقيد حل الازمات غرب البلاد.
لكن التعاطف مع سنة العراق وأهل الانبار، هو محاولة لفهم مأزقهم. ومأزق سنة العراق هو مأزق عراقي، اذا لم يتخفف فإن تداعياته ستلحق ضررا كبيرا بالاكراد والشيعة وغيرهم من العراقيين.
ان مساهمة اي منا في فهم المسألة السنية هو عمل لصالح الشيعة والاكراد في الوقت نفسه. اذ لن يمكن للعراقيين ان يهنأوا بعيش اذا كان السنة في غرب العراق يعانون الهوان سواء على يد داعش او على يد رئيس حكومة تنقصه الحكمة.
ليس منة على اهل الانبار ان احاول انا الشيعي (او انت الكردي والتركماني) ازالة الالتباس حول مواقفهم. ليس منة ان ندعو الى تجنب السياسات التي تمزق القيادات السنية. فسنة بلا قيادة متماسكة لن يكونوا مفاوضا جيدا لنا.. وستفشل التسويات معهم ويبقى ابناؤهم يفكرون بخيار العنف، الذي هو خيار من يعجز عن السياسة.
ليس منة منا حين نحاول مساعدة القيادات السنية على تهدئة جمهورها، لان هذا الجمهور حين يشعر باليأس، فسيمكنه تحويل الانبار الى لوحة فوضوية، و حينها لن يكون هناك عراق مستقر لا شمالا ولا جنوبا.
ان مساعدة اهل الانبار كي يتفوق عقلاؤهم على حمقاهم، هي معركتنا الحقيقية. ولن يكون ذلك الا بأن نساعد انفسنا كي يغلب صوت حكمتنا، على زعيق حماقاتنا. لان امساك الحمقى بمفاتيح الازمة لن يساعد في حلها. وسكوت العقلاء وصمتهم المريب، سيعمق الفجوة والانقسام.
ان افضل هدية للجيش في عيده، ان نبادر لتجنيبه مواجهة تلك المواقف الحرجة التي تسقط هيبته. ولن يكون هذا الا ببدء حوار مع اهل الانبار، يخوضه مفاوض جديد، لان مفاوضنا القديم تخبط وفشل وورط الجميع. والمساعي في هذا الاطار، ليست انحيازاً للسنة ولا منة عليهم، بل هي من اجل جيشنا وهيبة دولتنا، أولاً وأخيراً.
(عن جريدة المدى العراقية)