حازت قضية اعتقال النيابة العامة في ولاية اسطنبول، عددا من المشتبهين، بينهم أبناء وزراء ورجال أعمال مشهورين، وحاكم مصرف حكومي، ورئيس إحدى بلديات اسطنبول الهامة، بحجة الضلوع في "عمليات فساد"، في ولايتي اسطنبول وأنقرة، على اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام التركية.
وتناول عدد كبير من كتاب المقالات والأعمدة، الحدث، بكثير من الاهتمام، حيث أجمع معظم الكتاب، بأن العملية المذكورة تقف خلفها قوى أجنبية تستهدف زعزعة الاستقرار الذي تشهده
تركيا، في الوقت الذي وصف فيه بعض الكتاب الأحداث الأخيرة، بالمحاولة الحقيقة لتنفيذ إنقلاب بغية الإطاحة بالحكومة.
إبراهيم قره غل رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" التركية واسعة الإنتشار، أوضح أن العملية لم تستهدف الحكومة التركية فحسب، بل هي بمثابة إعلان حرب على البلاد، مشيراً إلى أهمية توقيت العملية، وما يقف خلف ذلك من معانٍ، مؤكّداً أن الأيام القادمة حبلى بالكثير من الأحداث التي ستتكشف ملابساتها، خاصة وأن الصورة بدأت تتضح يوما بعد يوم، والشعب بدأ يرى اتساع رقعة اللعبة وبقية عناصرها، التي تحاول استغلال عناصر الضمير والقيم الاجتماعية لتكون بمثابة التفاف على الحقيقة، لتحقيق مشاريع أخرى، خاصة وأن تاريخ السياسة التركية يزخر بأمثلة متنوعة للإنقلابات التي تهدف الاطاحة بالحكومات الشرعية.
من ناحيته، أضاف مدير مجموعة "ستار" الإعلامية مصطفى قره علي أوغلو، أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب
أردوغان تعرض لمحاولات إقصاء عديدة، حتى قبل أن يصل إلى السلطة، وأن هدف الواقفين خلف المحاولات الرامية لتحقيق إنقلاب على الحكومة، هو إقصاء "أردوغان" عن الحكم بأي ثمن كان، إلا أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية تمكنوا دائماً من المحافظة على زمام المبادرة وإجهاض المحاولات التي دأب الإنقلابيون، ومن يقفون خلفهم، على إفتعالها، مشيراً ان العملية الحالية تعتبر سابقة من نوعها، في درجة الوقاحة والجرأة، لكنها أدت في الوقت نفسه إلى تلطيخ سمعة جماعة "
فتح الله غولن" في تركيا والعالم، وإصابة أنصارها بخيبة أمل، جراء تلك الخطوة الرخيصة.
وشدد رئيس تحرير صحيفة "وقت" عبد الرحمن ديليباك، في مقال نشره الاثنين، أن جهات لا يروق لها التقدم الاقتصادي والاستقرار الذي حققته حكومة حزب العدالة والتنمية، هي التي تقف خلف تلك العملية، مستغرباً الفائدة من وضع بنك "خلق" هدفاً للنبالة، خاصة وأن البنك المذكور يعتبر أهم الحلقات التي تعمل من أجل التقليل من حجم العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
وتطرق الكاتب التركي "أردن زنتورك" في مقال نشره، الاثنين بصحيفة "ستار" التركية، إلى قضية إنزعاج القوى العالمية من القيود التي بدأت تتكسر والإرادات الوطنية لدول منطقة الشرق الأوسط التي بدأت تتحرر، وإن التطورات التي تشهدها المنطقة لا تستهدف تركيا وحدها، إنما تركيا هي المدخل لتقويض دعائم بقية الشعوب.
وأضاف "زنتورك"، أن التطورات الأخيرة أثبتت أن الغرب الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية، لا ينظر إلى "أردوغان" على أنه الزعيم المفضل في المنطقة، لأنه "لم ينتهج مسيرة السيسي أو الأسد، حيث أنهما لا يستندان في شرعية حكمها إلى حاضنة أو قاعدة شعبية، ومستعدان لتقديم الغالي والنفيس من أجل رضى الغرب واستمرار حكمهما بأي ثمن، فالغرب لا يحب الأنظمة التي تستند إلى حاضنة شعبية، قادرة على إجراء المناورات السياسية، وإيقاف المؤامرات التي تحاك تجاه المنطقة".
وذكّر الكاتب، بموقف الإدارة الأميركية التي تابعت، مسيرة التعاون مع السيسي، حتى عقب الانقلاب العسكري، الذي قاده، وأفضى إلى اختطاف الحكم من أول رئيس مصري منتخب، كما أن الملف السوري لم يكن بأحسن حال من نظيره المصري، إذ أعلنت الإدارة الأميركية عن عدم قناعتها بإمكانية إنجاز أي حل للمسألة السورية من دون "الأسد".
وأشار الكاتب، أن على المتابعين للشأن الداخلي التركي قراءة التصريحات الأخيرة لأردوغان ضد السفير الأميركي في أنقرة، من خلال التطورات الأخيرة الجارية على الصعيدين الداخلي والخارجي، كذلك من خلال دعمه لشرعية مرسي، ووقوفه إلى جانب راشد الغنوشي في تونس، والذي كان يحضر للإطاحة به بطريقة مماثلة لما جرى في مصر، إلا أن الشعب التونسي تمكن من إجهاض تلك المحاولات، وأوكل الأمور إلى حكومة انتقالية رابطاً العملية السياسية بنتائج الإنتخابات.
وتابع الكاتب، أن إسرائيل ليست المنزعج الوحيد من نمو الديمقراطيات الناشئة في المنطقة، بل هناك ضمن المعادلة أيضاً أباطرة النفط الأثرياء، واللوبيات الغربية التي تقف بوجه تحقيق الشعب السوري حلمه بإنشاء دولة ديمقراطية تكفل العيش الكريم لجميع مواطنيها دون أي إقصاء.
وختم الكاتب، أنه ليس بوسع أحد استغلال موضوع "ملف
الفساد"، لأن القضاء سيقول كلمته الفصل، في ذلك الملف، كما أن حالة الهجوم والبروباغاندا الإعلامية التي تشن على أردوغان لم تعد مسألة متعلقة بحزب بحد ذاته، بل هي مسألة متعلقة بجميع الأحزاب التركية الفاعلة على الساحة السياسية، مشدداً أن الشريحة الكردية المساندة لحزب السلام والديمقراطية في المجتمع التركي فهمت اللعبة واختارت مكانها داخل الصف، فيما لم تتخذ القوى التي تصنف نفسها بالقومية أو الليبرالية الموقف نفسه، ولم تتهم الولايات المتحدة كما جرت عليه العادة، بالمؤامرات الهادفة إلى نشر الإمبريالية، وما إلى ذلك من الإتهامات التي كنّا نسمعها منهم حيال أصغر الأحداث السياسية.