دعا رجل الأعمال
المغربي نور الدين عيوش، إلى اعتماد العامية المغربية لغة للتدريس، وتم تضمين تلك الدعوة في توصيات صدرت عن ندوة دولية نظمتها مؤسسة "زاكورة للتربية" التي يملكها عيوش، تم رفعها إلى الديوان الملكي ومجلس الوزراء. ومنذ عقود دعا الشاعر اللبناني
سعيد عقل إلى جعل اللغة المحكية في بلاده لغة التدريس والعمل الرسمي، بحيث يتخلص لبنان تدريجيا من اللغة الفصحى، والغريب في الأمر أن عقل بنى مجده بكتابة شعر جميل بالعربية الفصحى، وضج لبنان بجدل صاخب حول مقترح عقل، ولكن المقترح نفق، وانشغل اللبنانيون بأمور أكثر أهمية مثل القتل على الهوية، والبحث عن أوطان بديلة، وليس انتهاءً بتقاسم شهر آذار/ مارس بين فريقين أحدهما يحمل الرقم 14 والآخر الرقم 8؛ ورغم أن المباراة بينهما لا تزال مستمرة، في غياب "حَكَم" يوقف اللعب الخشن، إلا أن النتيجة حتى الآن هي "تقاسم" لبنان، ولم يبق سوى ترسيم الحدود!
وعندما اطلعت على دعوة عيوش وجدت نفسي أتساءل: وشهو؟ شنو؟ شي؟ شنهو؟ وللقراء الأميين أقول إن كلمة "ماذا" تقوم مقام الكلمات الأربع التي تساءلت بها، وعندي سعال يا سيد عيوش (ولا تتعجل وتقاطعني قائلا إنك لست طبيبا يداوي السعال الديكي أو الدجاجي، لأن سعالي "سؤال" في عاميات عربية في أجزاء من السودان وفلسطين وربما غيرهما): إزاي وشلون هيدا لقتراح؟ ولو افترضنا أن جيلا من المغاربة تلقى العلم من المهد إلى الدكتوراه بالعامية المغربية، فإن أبناء وبنات هذا الجيل لن يستطيعوا التواصل مع رصفائهم في بقية الدول العربية، مما يعني أن ذلك الجيل لن يجد فرص عمل في الدول العربية الغنية الجاذبة للعمالة من الخارج، فليس من الوارد أن توظف أي دولة عربية مترجما لكل طبيب أو صحفي او أستاذ جامعي مغربي يعمل لديها، ودعني أحكي لك تجربة شخصية مع العامية المغربية، فقد كنت مكلفا بالترجمة الفورية من العربية إلى الإنجليزية في المؤتمر الإقليمي لمنظمة "هابيتات/ الإيواء" التابعة للأمم المتحدة في فندق حياة ريجنسي في دبي، وجاء الدور على مندوب المغرب، فقدّم تقريرا حسن السبك والإعداد، عن تجربة بلاده في الإيواء والإسكان، ثم بدأ يرتجل بالعامية، ووجدت نفسي أطرشا في الزفة، ولم أفلح في ترجمة كلمة مما كان يقوله، وكان رئيس المنظمة كنديا فأشار إليّ وأنا قابع في زنزانتي الزجاجية بما يفيد أنه لا يسمعني، فقلت في المايكرفون بالنص: أنا طالع كيت، وقلت بالإنجليزية إنها عبارة سودانية تعني إن الشخص لا يفهم ما يقال أو يدور من حوله وانفجرت القاعة بالضحك، لأن جميع الوفود العربية باستثناء الوفد الجزائري وضعوا السماعات على آذانهم ليفهموا من المترجم العبقري ما يقوله زميلهم بالعربية المحلية لبلاده.
ورغم أنني لم أزر المغرب، إلا أنني أحلف بالطلاق بقلب جامد، أنه لا توجد لهجة مغربية عربية، بل "لهجات" عربية مغربية كما هو الحال في معظم الدول العربية، حيث تتقارب اللهجات وتتباعد من إقليم إلى آخر داخل كل دولة، وبالتالي فرغم أنني سوداني مُزمن إلا أنني لا أفهم كلام سودانيين مثلي عندما يتكلمون العربية بلهجة مناطقهم وقبائلهم (خذ عندك مثلا: "البار" في جزء من غرب السودان لا يعني الخمارة/ الحانة بل "الأبقار")، ويا ما تعرض أطباء أسنان سودانيون حديثو عهد بمنطقة الخليج للطعن في كفاءاتهم، بل وقواهم العقلية، لأن الواحد منهم يقول لمريضه الخليجي: لو سمحت افتح خشمك، فيكون رد فعل المريض أن يسأل الطبيب: الأسنان عندكم في السودان تكون في الخشم؟!.. المهم يا سيد عيوش أن الخشم عندنا في السودان وفي اجزاء من جنوب مصر هو الفم، بينما هو عند الخليجيين (وهم على حق) هو الأنف.
وفي بريطانيا سيدة اللغة التي تسيدت الساحة الدولية، ألا وهي الإنجليزية، لا يفهم أهل مانشستر كلام أهل لندن، ولا يفهم سكان ليفربول كلام ساكني نيو كاسل، ومن ثم فإن التدريس في بريطانيا يكون بما يسمى ستاندرد إنجليش/ الإنجليزية المعيارية القياسية، وهي "الفصحى"، وعلى كل فلن تصبح عامية أي بلد عربي لغة رسمية في الدراسة او الدواوين إلا على "جثتي"، والحاضر يبلغ الغائب بان "لحمي مُر".